الوقت - بعد نجاح دونالد ترامب في الوصول الى الرئاسة، خرجت العديد من التظاهرات والإحتجاجات في أمريكا، مطالبةً بتغيير في آليات النظام السياسي. وهو ما امتد ليطال العديد من الولايات وصولاً لتطور الإحتجاجات الى أعمال شغب. في حين بدا واضحاً أن دونالد ترامب، سيحكم النظام السياسي الذي انتقده، الأمر الذي دعا المحللين للتساؤل حول إمكانيته في تحقيق مطالب الشعب الأمريكي. لكن ما أفرزته الإحتجاجات من مطالب، وتصريحات الديمقراطي بيرني ساندرز وتثبيت ضلوعٍ عددٍ من المؤسسات الأمريكية الداعمة للحزب الديمقراطي أمثال مؤسسة جورج سورس للمضاربات المالية، طرح العديد من علامات الإستفهام حول أهلية النظام السياسي الديمقراطي الأمريكي. فكيف يمكن قراءة تطورات الوضع السياسي الأمريكي المتزامن مع وصول ترامب للرئاسة؟ ولماذا يشك المراقبون في أهلية النظام السياسي الأمريكي؟
المظاهرات والإحتجاجات تجتاح البلاد
أدى الإعلان عن فوز دونالد ترامب لرئاسة أمريكا إلى خروج عدد من التظاهرات في عدة مدن أمريكية لليلة الثانية على التوالي. وعمَّت المظاهرات عدة ولايات مثل كاليفورنيا، لوس أنجلوس، أوريغون وواشنطن وغيرها. فيما تطورت في عدة مناطق الى أعمال شغب أدت لتدخل الشرطة لفضها بقنابل بالغاز المُسيل للدموع في مدن مخلتلفة. كما أضرم المتظاهرون النيران ورددوا شعارات، ورفعوا لافتات تحتج على انتخاب ترامب، واصفين إياه بالرئيس العنصري والمعادي للأديان والأجانب والكاره للنساء.
مطالب الشعب الأمريكي
عدة مطالب يمكن أن تتمحور حولها حركة الإحتجاجات في أمريكا والتي تعتبر جوهر المطالب الشعبية التي يمكن إيجازها بالتالي:
أولاً: لماذا لا يتم انتخاب الرئيس مباشرة من الشعب وبدون المجمع الإنتخابي؟
يعتبر المجمع الإنتخابي في أمريكا (Electoral College) الهيئة الإنتخابية الموكلة من قبل الشعب مهمة انتخاب الرئيس التنفيذي لأمريكا ونائبه. فيما تعتبر أمريكا الدولة الوحيدة التي يجري فيها هذا النوع من الإقتراع غير المباشر وهو الأمر الذي يأخذ قوته القانونية كونه مذكور في الدستور الأمريكي. وبدلاً من التصويت المباشر لصالح الرئيس من قِبل المنتخبين، يتم التصويت لصالح الأعضاء الممثلين للولايات والمُعينيين من قِبل الأحزاب السياسية في المجمع. وهذه الأعضاء تقوم بإختيار من سيحكم البلاد. وهو الأمر الذي بات محلَّ شك الناخب الأمريكي، لا سيما أن اتهامات التزوير صدرت من كلا المرشحين تجاه الآخر، مما أوجد توجهاً عاماً لدة الناخبين الأمريكيين للمطالبة بتغيير النظام الإنتخابي وجعل الإقتراع مباشر للرئيس.
ثانياً: المطالبة باستقلال ولاية كاليفورنيا!
تعتبر ولاية كاليفورنيا أكثر الولايات الأمريكية سكاناً وثالثها مساحة. ومنذ العام 2007، وصل إجمالي ناتج الولاية الى حوالي 1.8 تريليون دولار، وهو الأكبر بين الولايات الأمريكية. كما تعتبر كاليفورنيا المسؤولة عن 13 % من إجمالي الناتج المحلي في أمريكا. يُضاف الى ذلك أن كاليفورنيا تعتبر موطن العديد من المناطق الإقتصادية الهامة بالنسبة للإقتصاد الأمريكي، مثل هوليوود (للترفيه) وجنوب كاليفورنيا (منطقة الفضائيات) والوادي الأوسط (منطقة الزراعة) ووادي السليكون (منطقة الكمبيوتر والتكنولوجيا العالية) بالإضافة الى مناطق إخرى.
لذلك فإن خروج تظاهرات تطالب باستقلال ولاية كاليفورنيا، الولاية الأغنى والأكبر في أمريكا، هو من الأمور التي تعتبر خطوة متقدمة جداً في مطالبات الإصلاح الأمريكي وستنعكس حتماً على النظام السياسي في البلاد. خصوصاً أن الولاية من حيث الإمكانية قادرة على تحقيق ذلك لجهة أهليتها للإستقلال. وهو الأمر الذي فاجأ المحللين خصوصاً، يُنتظر رؤية كيفية تعاطي النظام السياسي الأمريكي معها.
ثالثاً: مناهضة الخطاب العنصري
العنصرية التي يتمتع بها خطاب ترامب السياسي، أدى لإحياء العصبيات والقوميات الى جانب الصراع العرقي في أمريكا. وهو ما بدأت بعض الأطراف الشعبية الأمريكية تتنبأ بخطورته مما جعلها تقوم بخطوات استباقية كرسائل للنظام السياسي الأمريكي، كان من ضمنها الإحتجاجات وأعمال الشغب. حيث تعيش العديد من الطبقات الشعبية تخوفاً من سياسات ترامب والتي قد تطالهم.
الإحتجاجات ووجود أطراف أمريكية مُحرضة
لم يسلم الرئيس الجديد من انتقادات المحللين، لاسيما الديمقراطيين. كما أن بعض المراقبين الجمهوريين طرحوا فيما سبق الإنتخابات، خطر وصول ترامب للرئاسة وتأثير ذلك على سياسات وصورة الطرف الجمهوري. لكن الأمر الأهم، هو وجود إشارات تُثبت تورط الطرف الديمقراطي بالإضافة الى مؤسسات تابعة له، بالإحتجاجات. وهو ما يحتاج لوقفة من أجل تفسيره سياسياً، وكيف يخدم المصلحة الأمريكية.
بالأمس اعترف بيرني ساندرز المرشح الديمقراطي، أن دونالد ترامب تمكن من الوصول إلى كرسي الرئاسة عن طريق الإستفادة من الغضب المتصاعد من الطبقة الأمريكية الوسطى والمعارضة لسياسات مؤسسات الدولة. وساندرز الذي يطلق على نفسه توصيف أنه يحمل لواء الإشتراكية الديمقراطية، أشار الى أنه يعارض بشدة سياسات ترامب المتحيزة ضد المرأة، وكراهية الأجانب. لكنه أكد استعداده للتعاون مع ترامب، في حال كان جاداً في العمل على سياسات جادة لتحسين حياة الأسر العاملة، وهو الأمر الذي لم يُعجب الديمقراطيين الذين سارعوا لفضح انتقادات ساندرز لمنافسته كلينتون، في العديد من السياسات. الأمر الذي أوجد حالة من التخبط الإعلامي والسياسي في أمريكا. فيما بدأت بعض الأصوات تتحدث عن ضلوع ساندرز في الإحتجاجات، وذلك لدعم خيارات الطبقة الوسطى وبالتالي دعم أهدافه التي تتقاطع مع ترامب في بعض المجالات.
الانقسام الآيديولوجي في السياسة الأمريكية
أبرزت الإنتخابات الأمريكية وجود انقسامٍ أيديولوجيٍ بين سياسات الأحزاب وداخل سياسات الحزب الواحد. حيث كشفت علاقات الحزب الديمقراطي لا سيما علاقات هيلاري كلينتون الوثيقة مع وول ستريت، وكثير من المصرفيين، تمرداً على أيديولوجية الحزب الديمقراطي. وهو الأمر الذي بات واضحاً من خلال دعم كبار المضاربين في العملات أمثال جورج سورس، الممول الرئيسي لحملات الديمقراطيين الإنتخابية. في حين قام ترامب بالإنقلاب على أيديولوجية الحزب الجمهوري الموالية للرأسمالية وتعهد بتنظيم الأسواق، وفرض الرسوم الجمركية على البضائع المستوردة لحماية فرص العمل الأمريكية، عبر تعزيز سياسة "أمريكا أولاً" في سوق العمل الداخلي.
إذن كشفت التوترات الأمريكية حالة التخبط الذي يعيشه الواقع السياسي الأمريكي. شعبٌ يشك في صدقية نتائج الإنتخابات، أحزابٌ تتصارع فيما بينها وداخل الحزب الواحد، لا سيما في ظل بروز تخبطٍ واضح في التعاطي مع آثار وصول ترامب، خصوصاً مع وجود أدلةٍ تُثبت تورط أطراف سياسية ومؤسسات مالية داعمة لها في الإحتجاجات. أحداث يجدها المراقبون فرصة لإعادة طرح أهلية النظام الديمقراطي الأمريكي والذي تسعى واشنطن دوماً لإبرازه نموذجاً للديمقرادية وللأنظمة السياسية. فيما تطرح الأحداث عدة أسئلة لا يمكن إلا للمستقبل أن يُجيب عليها: هل سيرضخ دونالد ترامب والذي بات رئيس النظام السياسي الأمريكي لمطالب المتظاهرين، خصوصاً أنه طالما انتقد هذا النظام؟ وهل يكون تحقيق مطالبهم عبر سياسات تعالج أسباب المشكلات وتمنع لجوء الشعب الأمريكي للتظاهر؟ وهل بات النظام السياسي الأمريكي مشكوكاً في أهليته؟