الوقت- في ظل أجواء سياسية معقدة ومفاوضات شاقة تشهدها العاصمة القطرية الدوحة، تواصل حركة حماس، بصلابة وإصرار، التصدي لمحاولات الكيان الصهيوني المدعوم أمريكياً لفرض شروط مجحفة على شعب غزة، وفي مواجهة ضغوط دولية مكثفة، أعلنت الحركة على لسان القيادي غازي حمد أنها لن تسمح بتمرير المخططات الصهيونية، مؤكدة أن أي اتفاق لوقف إطلاق النار يجب أن يضمن كامل حقوق الفلسطينيين، ويؤدي إلى انسحاب قوات الاحتلال من القطاع. وفي هذا السياق، يعكس موقف حماس نهجاً سياسياً ثابتاً يوازن بين الصمود العسكري والمناورة الدبلوماسية، ساعياً لتحقيق هدنة تحفظ الكرامة والسيادة الفلسطينية بعيداً عن الابتزاز السياسي.
مفاوضات شاقة ومعركة سياسية موازية للميادين
لم تكن المفاوضات الدائرة في الدوحة مجرد محادثات تقليدية، بل تحوّلت إلى ساحة مواجهة سياسية حقيقية لا تقلّ ضراوة عن المعركة العسكرية في الميدان، فقد أوضح غازي حمد أن حماس خاضت خلال هذه الجولة من المفاوضات معركة دقيقة وخطرة، حيث واجهت محاولات مستميتة من الكيان الصهيوني لانتزاع ما عجز عن تحقيقه بقوة السلاح، ومع انسحاب مفاجئ للوفدين الأمريكي والصهيوني، بدا واضحاً أن هناك مساعٍ متعمدة لفرض أجواء ضغط تهدف إلى إرباك العملية التفاوضية وتحميل حماس مسؤولية أي تعثر، ومع ذلك، واصلت الحركة تمسكها بثوابتها الوطنية، مؤكدة أن أي اتفاق لن يمرّ ما لم يحفظ كرامة الشعب الفلسطيني وحقوقه.
رؤية واقعية ترفض الابتزاز السياسي
حماس، في هذه الجولة، لم تكتفِ بالتصدي لمحاولات فرض خرائط سياسية جديدة تهدد مستقبل غزة، بل قدمت رؤية متوازنة وواقعية تقرّب فرص التوصل إلى اتفاق حقيقي، وكما شدد حمد، فإن الحركة واجهت خيارين لا ثالث لهما: اتفاق متسرع يمنح السيطرة الكاملة للعدو، أو اتفاق عادل يحقق تطلعات الشعب الفلسطيني، وقد اختارت حماس الخيار الثاني، مدركةً حجم المعاناة الإنسانية الهائلة التي يعيشها سكان غزة، لكنها في الوقت ذاته رفضت أي حلّ يكرّس الهيمنة الصهيونية أو ينتقص من حقوق الفلسطينيين، بما في ذلك الإفراج عن الأسرى وضمان إدخال المساعدات الإنسانية بشكل دائم.
الضغوط الدولية وتغيير موازين التفاوض
لم تخلُ المفاوضات من محاولات أمريكية-صهيونية لإعادة صياغة ميزان القوة لصالح الاحتلال. فبعد اتصالات ثلاثية بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ووزير خارجيته ماركو روبيو، ورئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو، انسحبت الوفود فجأة من المفاوضات، في خطوة فُهمت كرسالة ضغط تهدف لتغيير قواعد اللعبة. غير أن الوسطاء المصريين والقطريين أكدوا أن المفاوضات لم تنهَر، بل ستُستأنف في الأيام المقبلة، ما يشير إلى أن حماس لا تزال قادرة على الصمود في مواجهة هذه الضغوط، رافضة أن تتحول المفاوضات إلى أداة لشرعنة الاحتلال أو تفريغ غزة من قوتها السياسية والمقاومة.
وحدة الموقف الوطني وضمان الحقوق الفلسطينية
أحد أبرز عناصر قوة حماس في هذه المفاوضات هو تنسيقها المستمر مع مختلف الفصائل الفلسطينية لصياغة موقف وطني موحّد، وأكد غازي حمد أن الحركة لن تسمح بإقصاء أي فصيل فلسطيني أو إلغاء غزة من الخريطة السياسية، رغم مساعي الاحتلال لذلك. كما شدّد على أن أي اتفاق يجب أن يفضي إلى وقف كامل للعدوان، وانسحاب قوات الاحتلال بعد ستين يوماً من التهدئة، وفتح المجال لإدخال المساعدات الإنسانية وتوفير حياة كريمة لسكان القطاع، ومن خلال هذا التنسيق الوطني، تسعى حماس لتقديم صيغة تفاوضية متينة تصمد أمام الضغوط وتحقق تطلعات الشعب الفلسطيني في الحرية والسيادة.
معاناة إنسانية تُحرك المفاوضات وتكشف حجم الكارثة
وسط كل هذه التعقيدات السياسية والمساومات الدولية، تبقى المعاناة الإنسانية في غزة المحرّك الأساسي لأي مفاوضات، والعنصر الذي لا يمكن التغاضي عنه، فالمجازر اليومية التي يرتكبها الاحتلال، والدمار الهائل الذي طال البنية التحتية والمنازل والمستشفيات، جعلت من الحياة في القطاع شبه مستحيلة، آلاف العائلات باتت مشرّدة، ومئات الآلاف يعيشون في ظروف قاسية بلا ماء أو كهرباء أو غذاء كافٍ، هذا الواقع المأساوي دفع حماس إلى التشديد في المفاوضات على ضرورة إدخال المساعدات الإنسانية بشكل عاجل ودائم، وضمان حماية المدنيين من أي اعتداءات مستقبلية. كما أن الحركة تسعى، من خلال شروطها، إلى تحويل أي اتفاق هدنة إلى فرصة حقيقية لإعادة إعمار غزة ، بعيداً عن استغلال الاحتلال لهذه المأساة كأداة للابتزاز السياسي، فالأولوية بالنسبة لحماس ليست فقط وقف إطلاق النار، بل انتزاع حقوق ملموسة تضمن لشعب غزة كرامته، وتعيد بناء حياته المهدمة، هذه المعاناة، التي تحاول الأطراف الصهيونية تهميشها في أروقة التفاوض، هي المحرك الحقيقي لصلابة الموقف الفلسطيني، وتذكير دائم بأن المفاوضات ليست مجرد حسابات سياسية، بل معركة حياة أو موت لشعب يرفض أن يُكسر أو يُمحى من الوجود.
في النهاية، تثبت حركة حماس، عبر مفاوضات الدوحة، أنها ليست مجرد فصيل مقاوم في الميدان، بل لاعب سياسي بارع قادر على مواجهة ضغوط الكيان الصهيوني وحلفائه الدوليين، وبينما يسعى الاحتلال لانتزاع مكاسب سياسية تعوّض فشله العسكري، تصرّ حماس على أن أي اتفاق لوقف إطلاق النار لن يكون إلا ضامناً لحقوق الشعب الفلسطيني، وممهداً لانسحاب الاحتلال من غزة، وضامناً لدخول المساعدات الإنسانية، وفي ظل استمرار الجهود الدولية، يبقى صمود حماس وإصرارها على تحقيق هدنة مشرفة مثالاً على توازن القوة بين الميدان والسياسة، ورسالة واضحة بأن الحقوق الفلسطينية غير قابلة للمساومة أو التفريط.