الوقت- بعد طعنة بريكزيت التي قصمت ظهر الاتحاد الأوروبي، يواجه القادة الأوروبيون اليوم مع فوز ترامب زلزالاً جديداً ستزيد تفاعلاته وآثاره من التصدعات في جدران البناء الأوروبي التنظيمية والأمنية والدفاعية وكذلك من الانقسامات السياسية والمجتمعية.
رئاسة ترامب قد تتسبب فـــي وضـع مزيد من الملح على الجرح الذي يعاني منه الاتحاد الاروبي، بخاصة مع تصويت بريطانيا عــلى خروجها منه. ويتبين من نتائج استطلاع أجرته مؤسسة يوجوف في 7 دول أوروبية هي ألمانيا وفرنسا والدنمارك والسويد وفنلندا وبريطانيا أن الغالبية العظمى من مواطني هذه الدول تخشى ترامب فــــي رئاسة الولايات المتحدة. وظهر أن الألمان هم الأكثر خوفاً، وجاء بعـــــدهم الدنماركيون ثم السويديون فالبريطانيون والفرنسيون وتلاهم النرويجيون وأخيراً الفنلنديون.
تثير سياسات ترامب في ما يتعلق بالسياسة التجارية العالمية الذعر لدى الأوروبيين، ويسود الاعتقاد لدى الغالبية من الباحثين الغربيين "أن ترامب يغامر بخلق حالة من عدم الاستقرار في أوروبا". وفي هذا السياق ذكرت مديرة مكتب المجلس الأوروبي للسياسة الخارجية (European Council on Foreign Relation) في صوفيا فيسلا تشيرنيفا و قالت " إن ترامب بعد تسلم منصبه ومهماته في العشرين من كانون الثاني (يناير) المقبل سيقوم بثلاثة أشياء هي: أولاً إعادة النظر في كل المعاهدات والاتفاقيات الدولية، وكذلك الهيئات والمؤسسات والأحلاف التي تنتظم في صفوفها الولايات المتحدة مثل: منظمة التجارة العالمية، الحلف الأطلسي وربما أيضاً هيئة الأمم المتحدة. وثانياً سيتجاهل ترامب الشركاء الأوروبيين ولن يعيرهم أي أهمية أو اعتبار عند اتخاذ قرارات ذات طابع دولي تهم أوروبا بالتحديد، فيما ستكون العلاقات مع الدول الأعضاء في الاتحاد عابرة، وهذا يعني أن واشنطن ستفعل فقط ما فيه فائدة مباشرة لمصالحها الخاصة، وستتعاطى مع كل قضية في شكل منفصل وعلى أساس أنها ليست أكثر من صفقة حول موضوع محدد، وليس كاستثمار يخدم المصالح المشتركة على المدى الطويل، وبدلاً من توطيد التعاون والتحالف مع أوروبا سيذهب ترامب إلى خوض مفاوضات مع الرئيس بوتين من دون مشاركة أوروبا، وهذا يعني من الناحية العملية عزله لأوروبا تماماً. وثالثاً سيكون ترامب رئيساً لا يمكن التنبؤ بسلوكه وتصرفاته ما يعمق من مشكلات أوروبا ويحولها إلى رهينة لأمزجة الرئيس، وهذا من شأنه أن يترك تأثيرات خطيرة على الأمن الأوروبي، كما أن مستقبل الناتو أصبح الآن على المحك بغض النظر عن بقاء أميركا في عضويته لأن ترامب سيعمل من أجل إفراغ الناتو من محتواه كمنظومة دفاعية أطلسية".
واضافت: "هذا ينطوي على تطورات خطيرة محتملة في المستقبل القريب ترتبط بهندسة ورسم خريطة جديدة للعالم، وللعلاقات الدولية من منظور العزلة الأمريكية".
يتضح من دراسة أعدها خبراء ومحللون أوروبيون في الدول الـ 28 الأعــضـاء فـــي الأطــلسي أن الأمن والدفاع يمثلان القضيتين الأكثر أهمية ومحورية في أجندة الحكومات الأوروبية في تعاونها مع الولايات المتحدة، وفي الوقت الذي تركز أوروبا الغربية بالدرجة الأساسية وقبل أي شيء آخر على مكافحة الإرهاب وتبادل المعلومات الاستخبارية مع الولايات المتحدة، تهتم دول أوروبا الشرقية التي نالت العضوية في الحلف حديثاً بدور واشنطن الأطلسي في الدفاع عنها وحمايتها من أخطار السياسة العدوانية التي ينتهجها الكرملين. وفي حملاته توعد ترامب الدول الأوروبية الأعضاء في الناتو بردود فعل لم يحددها لعدم تسديدها أو زيادتها لحصصها المالية في موازنة الحلف، وفي رده على سؤال عما إذا كانت واشنطن ستدافع عن دول البلطيق الثلاث الأعضاء في الناتو إذا ما تعرضت لعدوان روسي قال: "لا يمكنك أن تمتنع عن دفع الفاتورة وتطلب الخدمة، لأن هذا الفعل يعكس تنفيذ التزام لا يمكن أن تتهرب منه أو تتجاهله ويجب أن تقوم به في مطلق الأحوال".
من جهته کتب الأمريكي "ماركوس وولكر" بصحيفة وول ستريت جورنال أن تصريحات ترامب الزئبقية نشرت قلقا يدفعه شعور بأن مرحلة تاريخية بأكملها في طريق النهاية، كما أنها جعلت أوروبا تفكر في ثلاث سيناريوهات ممكنة.
السيناريو الأول هو المزيد من ابتعاد أمريكا من الشؤون الأوروبية، وهو توجه انطلق في فترة رئاسة الرئيس الحالي باراك أوباما. وسينتج عن هذا السيناريو أن تحصل أوروبا على ترتيبات أمنية جديدة بدلا عن الناتو.
والسيناريو الثاني هو أن يستعد صناع السياسة الأوروبية لإقناع ترامب بالاستمرار في الدور الذي تلعبه أمريكا لضمان السلام والاستقرار بأوروبا، خاصة في إطار حلف الناتو. وقال الكاتب إن بعض الدبلوماسيين الأوروبيين حاولوا هذا الأسبوع تطمين مواطنيهم بأنه لن تكون هناك تغييرات كبيرة، وإن ترامب سيتوجب عليه تعيين مستشارين من مؤسسة صنع القرار الأمني بـ الحزب الجمهوري وأنه خفف مؤخرا من انتقاده للناتو الذي وصفه الصيف الماضي بأن فترة صلاحيته قد انتهت.
والسيناريو الثالث والأكثر ترجيحا هو أن ينفذ ترامب ما قاله حول السعي لعقد صفقات، خاصة مع القوى الكبرى مثل روسيا التي يكن ترامب إعجابا لرئيسها فلاديمير بوتين. ويتضمن هذا السيناريو درجة عالية من "البراغماتية" حيث لا وجود لقواعد متفق عليها، بل إن هناك سلوكا ينتهز الفرص كلما سنحت.
وتخشى دول غرب أوروبا ووسطها أكثر ما تخشى أن تتقارب واشنطن مع موسكو على أساس تقاسم مناطق النفوذ بشكل ثنائي، بدلا عن القواعد متعددة الأطراف التي تحمي حقوق الدول الأصغر في اختيار تحالفاتها. ويعني هذا أنه يجب على دول مثل أوكرانيا وبولندا وإستونيا أن تتخلى عن طموحها في الخروج عن المحور الروسي، والعودة إلى الفترة التي كان فيها مصيرها تقرره الدول الأكبر منها إلى غربها أو شرقها.