الوقت- يشهد الأردن في الآونة الأخيرة حالة من الجدل والإعتراض أثارها الإعلان عن إتفاق بين عمّان والكيان الإسرائيلي يقضي بتوريد الغاز من الأخيرة للأردن على مدى 15عاماً بصفقة تبلغ حوالي 15 مليار دولار.الصفقة الأخيرة التي اغضبت الشعب الأردني تثير أيضاً جدلا واتهامات من برلمانيين وسياسيين للشركة التي تملك الحكومة الأردنية وحكومات عربية أسهما فيها، بالضلوع في التطبيع مع الكيان الإسرائيلي.
"غاز العدو إحتلال" هو العنوان الأبرز الذي يتداوله الأردنييون هذه الأيام، ففي حين يعتبر البعض أن الإتفاقية ستجعل الأردن رهينة بيد الكيان الإسرائيلي هذا بالإضافة الى التبعية الاستراتيجية الطويلة المدى التي ستترتّب على الأردن، يؤكد آخرون أن التوقيع هو بمثابة تصادم مع كافة أبناء الشعب الأردني، خاصةً أن هذا المبلغ يساوي أكثر قليلاً من تكلفة ثلاثة حروب مستقبلية على غزة مماثلة للحرب الأخيرة.
“اللجنة التنسيقية للمجموعات المناهضة لاستيراد الغاز من الكيان الصهيوني” كشفت دراسة تفصيلية بالشراكة مع خبير الطاقة ميكا مينيو-بالويلو من مركز أبحاث “بلاتفورم” المختص بشؤون الطاقة ومقره لندن، أن حصة الحكومة الإسرائيلية من قيمة الصفقة التي ستدفعها الحكومة الأردنية (من الأموال التي سيسددها دافعو فواتير الكهرباء أي الشعب الأردني) ستبلغ 8.4 مليار دولار على الأقل، لذلك تؤكد اللجنة ان الشعب الأردني لن يشارك في تمويل آلة القتل الإسرائيلية في مواجهة الشعب الفلسطيني المظلوم.
مظاهرات شعبية
العاصمة الأردنية شهدت مسيرات معارضة لإتفاقية الغاز، حيث نظمت أحزاب سياسية وقوى مدنية أردنية، مسيرة احتجاجية لرفض مشروع اتفاقية الغاز التي تعتزم الحكومة توقيعها مع الكيان الإسرائيلي.
وانطلقت المسيرات، من أمام مجمع النقابات بمنطقة الشميساني غربي العاصمة، باتجاه دار رئاسة الوزراء لرفض التوقيع على اتفاقية الغاز مع إسرائيل.
ورفع المشاركون لافتات كتب عليها عبارات رافضة للاتفاقية منها "الدم ما بصير غاز"، و"أرفض الغاز المسلوب"، و "من الجنوب للشمال غاز العدو احتلال".
وقالت القوى المنظمة للفعالية، في بيان لها، إن هذه الفعالية تعبر "عما يجول في خاطر الشعب الأردني الذي يعارض صفقة الغاز بين شركة الكهرباء الوطنية المملوكة بالكامل للحكومة وشركة نوبل إنيرجي الأمريكية التي تنوب عن تجمع من الشركات أغلبها صهيونية"، مضيفاً أن "هذه الصفقة وإن تمت، تشكل فرصة ذهبية للكيان الصهيوني للتخفيف من عزلته الإقليمية والدولية، لاسيما بعد حربه الأخيرة على غزة وعدوانه المتكرر على القدس الشريف".
وطالبت القوى المشاركة في الفعالية من الحكومة "الامتناع عن إتمام الصفقة والانسحاب من رسالة النوايا مع الشركة الأمريكية صاحبة امتياز الغاز من إسرائيل".
في السياق نفسه قال علي ابو السكر نائب الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي في كلمة له ان الاتفاقية تمثل "وصمة عار في تاريخ من يوقع عليها ويصمت عنها "، كما أكد ان الشعب الأردني لن يقبل بتمرير هذه الاتفاقية وسيسقطها اضافة الى إسقاط معاهدة وادي عربة كما أسقط المعاهدة الاردنية البريطانية في خمسينيات القرن الماضي.
وأكد ابو السكر ان "الاتفاقية تفرض التطبيع على كل مواطن اردني وتستنسخ ما يجري في قطاع غزة من تحكم الكيان الصهيوني بالطاقة والكهرباء"، اضافة الى ما "تمثله الاتفاقية من دعم لموازنة الكيان الصهيوني بأكثر من ثمانية مليارات دولار ليواصل جرائمه بحق الشعب الفلسطيني وانتهاكه للمقدسات"، مشيرا ان "الاتفاقية "تكشف زيف من يتباكى على المقدسات والمسجد الاقصى الذي تنتهك حرماته صباح مساء فيما يقدم الدعم لموازنته".
وطالب ابو السكر مجلس النواب "باستمراره في المواقف الرافضة للاتفاقية والاقدام على الاستقالة في حال تمريرها". وردد المشاركون في المسيرة هتافات نددت بالاتفاقية وطالبت بإسقاطها واسقاط معاهدة وادي عربة.
تحرك برلماني
بالتوازي مع الغضب الشعبي، بدأ أعضاء في مجلس النواب الأردني تحركات لإثارة قضية الصفقة تحت قبة البرلمان الأيام القليلة المقبلة.
وقال رئيس لجنة النزاهة بالمجلس مصطفى الرواشدة إنه لا يمكن القبول بمبررات الشركة بأنها وقعت اتفاقية مع شركة أميركية “مع العلم أن الغاز يتم استيراده من الكيان الصهيوني”.
وتابع “استيراد الغاز من إسرائيل قضية سياسية بحتة، والقصد منها التطبيع وتوثيق العلاقات مع العدو، وسنسأل الحكومة عن الصفقة لأنها مساهمة بالشركة، وسنسأل عن مدى موافقة الأطراف العربية المساهمة بالشركة في التطبيع مع إسرائيل”.
وتساءل الرواشدة عن عدم لجوء الشركة لدول عربية تصدر الغاز مثل قطر والعراق ودول أخرى، معتبرا أن مرور الاتفاقية “بالون اختبار” لتمرير اتفاقات مستقبلية لاستبدال الغاز المصري بالغاز الإسرائيلي الذي هو حق لدول عربية مغتصبة.
وكان مجلس النواب الأردني "البرلمان" صوت بالأغلبية في كانون أول/ ديسمبر الماضي على رفض توجه الحكومة الأردنية لتوقيع اتفاقية مدتها 15 عاماً، وبموجبها تؤمن إسرائيل الغاز للأردن اعتباراً من عام 2017، كما أن إصرار الحكومة على المضي بتوقيع الاتفاقية دفع بالعديد من النواب الى التلويح بطرح الثقة بها أو الاستقالة من البرلمان.
الأهداف الحقيقية
لا شك في أن الكيان الإسرائيلي يرمي إلى ما هو أبعد من الربح الإقتصادي جرّاء بيع الأردن للغاز الفلسطيني المسروق، وفي هذا السياق كشف عاموس هوخشتين وهو أحد كبار الشخصيات الأميركية ذات العلاقة بسوق الطاقة في الشرق الأوسط وأبرز مهندسي التوصل إلى الصفقة، كشف في المقالة التي نشرها مؤخرا في موقع بلومبيرج وفي المحاضرة التي ألقاها في مركز أبحاث الأمن القومي: "أن بمقدور إسرائيل أن تصدر الغاز الطبيعي إلى مصر، الأردن وتركيا وبذلك تتغلب على العوائق السياسية. ".
أضاف: الكيان الإسرائيلي يحاول منذ اكتشاف حقول الغاز تسويق هذا المورد الطبيعي إلى الدول المحيطة لتطبيع العلاقات وتخفيف قسم من التوتر السياسي القائم.
وتابع: الطاقة لن تقود مسيرات سياسية، بيد أنها قادرة على أن تكون محفزا أساسيا لتغيير مواقف جيوسياسية باتجاهات أكثر إيجابية.
اذاً، الشعب الأردني يؤكد مجدداً رفضه التام لأي تطبيع مع الكيان الإسرائيلي، ورغم مرور20 عاما على توقيع كل من إسحق رابين والأردني عبد السلام المجالي المعاهدة في السادس والعشرين من تشرين الأول/ أكتوبر 1994 برعاية الرئيس الأميركي حينها بيل كلينتون على اتفاقية "وادي عربه"، ما تزال معاهدة السلام بين الاحتلال الإسرائيلي والأردن غير مرحب بها بين أوساط الاردنيين، ما يؤكد أن نبض الشعب الأردني وخلافاً لحكومته لا زال فلسطينياً بإمتياز.