الوقت - على الرغم من مشاركة أكثر من 70 بلداً ونحو عشرين منظمة دولية للمساعدة في إعادة الأمن والاستقرار إلى أفغانستان لازال هذا البلد يعاني من الاضطراب السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأمني، حيث تشهد مختلف المحافظات نزاعات مسلحة أسفر آخرها عن سيطرة حركة "طالبان" على مناطق كبيرة في محافظة قندوز شمال البلاد.
ولم ينفع المشروع الذي تقدمت به حكومة الوحدة الوطنية لإحلال السلام في تحسين الأوضاع الأمنية في البلاد لأنه إقتصر على "الحزب الإسلامي" بقيادة قلب الدين حكمتيار، ولم تتمكن الحكومة من إقناع طالبان بالإنضمام لهذا المشروع.
ويعتقد المراقبون بأن السلام لن يتحقق في أفغانستان ما لم تتمكن حكومة هذا البلد والدول المؤثرة في الأزمة الأفغانية من التفاهم مع طالبان لأنها تشكل الخطر الأكبر على الأمن والاستقرار في مختلف المحافظات لاسيّما الشمالية والشمالية الشرقية.
ومع أخذ هذه الحقيقة بنظر الاعتبار ينبغي الإشارة أيضاً إلى العوامل الأخرى الداخلية والخارجية التي تسببت حتى الآن بانعدام الأمن والاستقرار في عموم البلاد. ويمكن تلخيص هذه العوامل على النحو التالي:
- عدم جدّية باكستان وأمريكا في إقرار السلام بأفغانستان، ولو كانت إسلام آباد وواشنطن بصدد تحقيق هذا الأمر فعلاً لضغطتا على طالبان للإنخراط في المشروع الذي دعت له حكومة الوحدة الوطنية في هذا المجال.
- العلاقات الهشّة والمتوترة في كثير من الأحيان بين الحزب الإسلامي وحركة طالبان، ولو كانت هذه العلاقات مستقرة وقوية لتمكن حزب حكمتيار من إقناع طالبان بالإنضمام إلى مشروع السلام الذي دعت له الحكومة.
- الدور السلبي للمخابرات الباكستانية "آي.أس.إي" التي لم تتمكن من إقناع الحزب الإسلامي بالتأثير على طالبان للإنخراط بمشروع السلام في أفغانستان رغم العلاقة القوية التي تربط رئيس الحزب "حكمتيار" بالمخابرات الباكستانية.
- لا يكفي التفاهم بين حكومة الوحدة الوطنية مع جهة لها أهدافها الخاصة كالحزب الإسلامي لإقرار السلام في أفغانستان؛ بل لابدّ من مشاركة جميع الأطراف المعنية الداخلية وفي مقدمتها طالبان وشريطة أن تكون لدى أمريكا وباكستان وحلفائهما رغبة حقيقية بتحقيق هذا الأمر. من جهة أخرى تترك العلاقات المتوترة بين الهند وباكستان تأثيرها السلبي على عملية السلام في أفغانستان، حيث لم تقتنع نيودلهي بعد بأن طالبان قد تغيرت منذ عام 2001 حتى الآن. كما يؤكد دبلوماسيون بأن إيران وروسيا يجب أن تشتركا أيضاً في مفاوضات السلام الأفغانية.
- موافقة الحكومة الأفغانية على منح إمتيازات للحزب الإسلامي يشكل خطورة من ناحيتين؛ الأولى فسح المجال لباكستان للتدخل في شؤون أفغانستان أكثر من السابق من خلال العناصر الموالية لها خصوصاً المنتمية لحزب حكمتيار، والثانية إثارة حفيظة طالبان التي تتنافس مع الحزب الإسلامي للهيمنة على مقدرات البلاد لاسيّما في المحافظات الشمالية والشمالية الشرقية، خصوصاً وأنها تمتلك قدرة أكبر على تنفيذ هجمات مسلحة في باقي المدن ومن بينها العاصمة كابول. ولا ينحصر نشاط طالبان في هذه المحافظات، بل زادت من هجماتها في الآونة الأخيرة على مناطق أخرى منها محافظة هلمند الإستراتيجية جنوب البلاد.
- تمكنت طالبان من إيجاد حاضنة قوية لها في أوساط القومية البشتونية التي ينتمي أكثر عناصرها لها في عدد من المحافظات لاسيّما في ولاية قندهار جنوب شرق البلاد، ما جعلها أقوى تأثيراً من الحركات الأخرى ومن بينها الحزب الإسلامي وحركة حقّاني، ولهذا فإن التفاوض مع طالبان من قبل حكومة الوحدة الوطنية سيكون له تأثير أكبر في حال نجاحه من أجل إقرار السلام في عموم البلاد.
- عدم تمكن الحكومة الأفغانية من إيجاد بدائل للإستغناء عن المعونات الخارجية البالغة مليارات الدولارات، ما جعلها عرضة للمساومة على مصالح البلاد في كثير من الأحيان خصوصاً مع أمريكا.
- الفساد الإداري والمالي الذي ينخر بجسد الدولة الأفغانية ساهم كثيراً بتوفير الأجواء المساعدة على الإنحراف لخدمة مآرب خارجية بسبب الفقر من جانب، وضعف الواعز الوطني لدى الكثير من الشخصيات المتنفذة في الدولة من جانب آخر.
من خلال قراءة هذه المعطيات نستنتج أن أفغانستان لازالت بعيدة عن تحقيق الأمن والاستقرار في ظل التحديات الكبيرة التي تواجهها في كافة المجالات، وستبقى كذلك طالما بقيت رهينة بيد التدخلات الأجنبية من جهة، وعدم قدرتها على إصلاح النظام السياسي والاقتصادي في البلاد من جهة أخرى، بالإضافة إلى إستمرار المخاطر الأمنية التي تسببها الحركات المتطرفة لاسيّما طالبان التي لازالت ترفض محادثات السلام مع حكومة الوحدة الوطنية بسبب تواجد القوات الأجنبية خصوصاً الأمريكية في هذا البلد الذي يحظى بأهمية إستراتيجية على المستويين الإقليمي والدولي في شتى الميادين لاسيّما ما يتعلق بالجانب الأمني.