الوقت - يعكس الاعتراف الأخير للإعلام العبري، وتحديدًا القناة الـ12 الإسرائيلية، بتفوق حركة حماس في قطاع غزة على الرغم من الحرب المستمرة منذ 15 شهراً، صورة معقدة ومؤلمة لواقع الصراع بين الكيان الصهيوني وفصائل المقاومة الفلسطينية، والتي تؤكد على فشل استراتيجية "إسرائيل" في تحقيق أهدافها.
يُعتبر اعتراف القناة الـ12 الإسرائيلية، بقدرة حماس على الحفاظ على وجودها السياسي والعسكري في غزة، من أعمق الإشارات إلى فشل "إسرائيل" في القضاء على الحركة، فقد تطرق الإعلام العبري إلى صور مقاتلي كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، الذين ظهروا في شوارع غزة بعد توقف العمليات العسكرية. كانت هذه الصور بمثابة تحدٍ علني لقوة "الجيش الإسرائيلي" الذي كان يُفترض به فرض السيطرة الكاملة على القطاع.
في هذا الصدد، تشير التقارير إلى أن "إسرائيل" فشلت في تدمير بنية حماس العسكرية أو منعها من العودة إلى ساحة القيادة والسيطرة في غزة، وبالرغم من المذابح التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية في القطاع، لم تحقق "إسرائيل" هدفها الأساسي وهو "تصفية حماس" عسكريًا أو سياسيًا، ما يجعل هذا الاعتراف بمثابة تراجع غير مباشر عن الوعود التي قدّمها قادة تل أبيب.
وأشار محللو الشؤون العسكرية في الصحف الإسرائيلية مثل "هآرتس"، إلى أن حماس أظهرت قوة استثنائية في عرض قوتها العسكرية أمام "الجيش" الإسرائيلي، وهو ما يعكس الفشل الكبير في تنفيذ أهداف الحرب. وعلى الرغم من الدعم الدولي الكبير الذي تلقته "إسرائيل" من الولايات المتحدة وحلفائها، لم تكن نتائج الحرب على غزة كما كان مأمولًا.
لقد كان الهدف الأساسي للحكومة الإسرائيلية في بداية الحرب هو إخضاع قطاع غزة وتدمير حماس، وهو ما لم يتحقق على الإطلاق، بل أكثر من ذلك، كانت محاولة إسقاط حماس من الداخل عن طريق زيادة معاناة المدنيين في غزة، وفقًا لمخطط "الجيش" الإسرائيلي، بمثابة فشل ذريع، إذ رغم الدمار الهائل الذي ألحقته "إسرائيل" بالقطاع، بقيت حماس في موقع القوة، ما يظهر إخفاقًا كبيرًا في التخطيط العسكري.
الانتقادات الداخلية في الكيان الصهيوني وظهور خيبة الأمل
الاعتراف الإعلامي بنجاح حماس وضع القيادة الإسرائيلية في موضع محرج، حيث أظهرت التعليقات في الصحافة الإسرائيلية تزايدًا في خيبة الأمل من الحكومة وقيادات الجيش، تندّر المحللون العسكريون والمراقبون على فشل "إسرائيل" في إدارة هذه الحرب، حيث صُوّر كأنها حرب بلا نهاية أو فائدة استراتيجية، بل تحولّت إلى كارثة إنسانية أدت إلى خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات.
ونظراً لهذا الفشل، بدأ يظهر تململ من الجمهور الإسرائيلي من نتائج الحرب، واختلفت وجهات النظر بين الجمهور بشأن الاتفاق على وقف إطلاق النار، حيث اعتبر البعض أن ذلك يمثل "استسلامًا" لحماس، كما اعتبرت بعض الأوساط الإعلامية والسياسية أن إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين يمثل "تنازلاً" خطيرًا، حيث تثير الهوية السياسية لبعض الأسرى قلقًا أمنيًا كبيرًا.
من جهة أخرى، تعتبر الصور التي أظهرت مقاتلي حماس يحتفلون بالنصر في غزة مشهدًا استفزازيًا للجمهور الإسرائيلي، إذ كانت هذه المشاهد بمثابة دلالة قاطعة على فشل أهداف الحرب، فالظهور العلني لمقاتلي حماس يحمل رسائل متعددة، من بينها أن الحركة لم تُهزم بل على العكس، عززت قوتها العسكرية والميدانية.
وما يعكس هذا الشعور بوضوح هو الحديث المتزايد عن "الفشل المطلق" لقيادة "إسرائيل" العسكرية والسياسية، وخاصة مع تزايد الشكوك حول جدوى الحرب، عبر منصات التواصل الاجتماعي، عبّر الجمهور الإسرائيلي عن خيبة أمله في القيادات العسكرية والسياسية، معتبرًا أن كل الوعود بالنصر انتهت إلى "خسران استراتيجي"، حيث لم يتغير شيء على الأرض سوى استمرار تزايد التهديدات الأمنية.
مع دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، والذي تضمن تبادل الأسرى والانسحاب الإسرائيلي من بعض المناطق، أصبحت حالة من القلق والإحباط تهيمن على الكيان الصهيوني، حيث يعتقد الكثيرون أن هذا الاتفاق ربما يكون مجرد تأجيل للجولات القادمة من الصراع، في هذا السياق، يؤكد المحللون أن الاتفاق لا يشكل نهاية للصراع، بل هو مجرد فاصل مؤقت، ويخشى البعض من أن هذا الصراع قد يستمر إلى أجل غير مسمى في ظل غياب الحلول الجذرية.
في الختام يمكن القول، يعد اعتراف الإعلام العبري بقوة حماس وفشل "إسرائيل" في تحقيق أهدافها العسكرية والسياسية في غزة تحولًا مهمًا في صورة الصراع بين الطرفين، هذا الاعتراف ليس فقط تجسيدًا لفشل عسكري، بل يشير أيضًا إلى انكسار في الروح المعنوية لقيادة الكيان الصهيوني ومستوطنيه، حيث يبدو أن العدوان لم يحقق أي مكاسب استراتيجية حقيقية، ما يترك الباب مفتوحًا أمام استمرار الصراع في المستقبل.