الوقت- هدايا تذكارية قدمتها حركة المقاومة الإسلامية (حماس) للأسيرات الإسرائيليات الثلاث، اللواتي أُفرج عنهن الأحد ضمن المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، كان لها وقع كبير وموجة واسعة من التفاعل على منصات التواصل الاجتماعي، في خطوة وصفها المراقبون بـ"الذكية" ضمن إستراتيجية الحرب الإعلامية.
ردود فعل
أشار مدونون إلى أن كتائب القسام بهذه اللفتة تبرهن على علو كعب مجاهديها الأخلاقي في الحرب والتزامهم بكل مواثيق الشرف في الحروب، أمام عدو هاجم الصغير والكبير وسرق المنازل وملابس النساء.
وعلق مغردون بالقول إنه بفضل تلك الفكرة، استطاعت الحركة جذب جميع وسائل الإعلام العربية والغربية والعبرية إلى مشهد ابتسامة الأسيرات أثناء خروجهن من الأسر واستلامهن شهادات التخرج، ما أضفى جاذبية جديدة ومثيرة للفيديو، ليكون مثالا على التفكير خارج الصندوق.
ووصف آخرون المشهد بالأسطوري، مشيرين إلى أن وجوه الأسيرات يعبر عن مدى الاطمئنان الذي شعرن به، وأضافوا إن مشهد الأسيرات يُخبر العالم كيف يعامل الفلسطيني أسراه.
أشار مدونون إلى مجموعة من النقاط اللافتة، أبرزها التنسيق الدقيق والظهور المنظم لكتائب القسام بشكل متزامن في مختلف أنحاء قطاع غزة، إضافة إلى الكفاءة العالية في إدارة عملية التسليم والتبادل، كما أثار الانتباه إصدار بطاقات الإفراج للأسيرات الثلاث بطريقة رسمية ومهنية، فضلاً عن توقيع ممثلي الصليب الأحمر الدولي على استلامهن، وتوقيع ممثل كتائب القسام على نموذج التسليم الرسمي بأسلوب احترافي يعكس مستوى عالياً من التنظيم والإدارة.
وحسب تعليقات بعض المغردين، تعكس هذه الخطوة تطوراً ملحوظاً في الاستراتيجية الإعلامية للمقاومة الفلسطينية، حيث تركز على إبراز الجوانب الإنسانية والتنظيمية في تعاملها مع قضية الأسرى، ما يضيف بُعداً جديداً لقضية تُعدّ من المحاور المركزية للصراع الفلسطيني.
هدايا تذكارية
أشارت تقارير إسرائيلية إلى أنّ الهدايا التذكارية عبارة عن حقيبة هدايا ورقية بداخلها خريطة لقطاع غزة، وصورا للأسيرات ومذكراتهن وكتاباتهن طوال فترة الأسر، وشهادة تضمنت قرار الإفراج، وتلك هي المفاجأة التي وصفها الإعلام العبري بـ"قمة السخرية".
ووفقًا للمعلومات التي نقلها الإعلام العبري، تضمنت الصور مشاهد للأسرى داخل قطاع غزة، بينما تحمل الخارطة تفاصيل لمواقع رئيسية داخل القطاع.
وأطلق عليها الإعلام الإسرائيلي "حقيبة المفاجأت السحرية" حيث كانت تحمل بالفعل مفآجات "استفزازية"، فيما وصفت تقارير إسرائيلية أخرى هذه الهدايا بأنها "قمة السخرية" وأن هدفها هو استفزاز أجهزة الأمن الإسرائيلية.
وكتب في شهادة التخرج أنها صادرة عن حركة حماس، وهي قرار إفراج عن «الأسير/ة» إميلي أفيخي دمري، ورقم الهوية 316003581، تاريخ الميلاد: 10/6/1996، مكان الاعتقال: ريعيم، مكان السكن: كيبوتس كفار غزة، مكان العمل: كيبوتس كفار غزة، تاريخ الاعتقال: 7/10/2023، تاريخ الإفراج 19/1/2025.
غضب إسرائيلي
تباينت ردود الفعل الإسرائيلية إزاء هذه الخطوة؛ حيث اعتبر بعض المعلقين الإسرائيليين أنها مجرد محاولة دعائية من حركة حماس تهدف إلى توثيق "إنجازاتها"، فيما رأى آخرون أنها جزء من حرب إعلامية تستهدف التأثير على الرأي العام الإسرائيلي واستغلال الجانب النفسي للمحتجزات.
وأطلق الإعلام الإسرائيلي على هذه الخطوة اسم "حقيبة المفاجآت السحرية"، مشيرًا إلى أنها تضمنت مفاجآت وصفت بـ"الاستفزازية"، بينما وصفت تقارير إسرائيلية أخرى هذه الهدايا بأنها "قمة السخرية"، مؤكدة أن الهدف منها استفزاز أجهزة الأمن الإسرائيلية.
في سياق ذلك، نشرت كتائب القسام مقطع فيديو يظهر لحظة تقديم عناصر حماس الهدايا للمحتجزات الإسرائيليات قبيل تسليمهن إلى الصليب الأحمر الدولي.
مفارقة في الإنسانية
كان لافتًا مشهد الأسيرات الإسرائيليات الثلاث اللواتي تم الإفراج عنهن ضمن الدفعة الأولى لاتفاق وقف إطلاق النار، فقد ظهرت الأسيرات بوجوه باسمة وأناقة لافتة، وكأنهن عائدات من مناسبة احتفالية، وبدت عليهن علامات الصحة الجيدة والمعنويات العالية، وكأنهن كن يعشن في ظروف أشبه بإقامة في فندق فاخر من فئة الخمس نجوم، وكانت اللفتة الإنسانية الذكية من حراسهنّ تقديم هدايا رمزية لهن قبل مغادرتهن القطاع في سيارة الصليب الأحمر.
هؤلاء هم من يُوصفون بالإرهابيين وفق المعايير الأمريكية والأوروبية، يقدمون نموذجًا في الإنسانية، بينما ممثلو ما تًسمى الحضارة الغربية يمارسون انتهاكات جسيمة بحق الأسرى، في تعامل يرقى لممارسات نازية، ولعل حالة المناضلة خالدة جرار، وما بدت عليه من معاناة بعد الإفراج عنها، تمثل أصدق دليل على هذا التناقض الصارخ.
في المقابل ألم ومعاناة وجروح لا تندمل
في الجانب الآخر وعلى النقيض تماماً من الحالة النفسية والمعنوية والجسدية للأسيرات الإسرائيليات على الرغم من أن تحرير الأسرى الفلسطينيين من سجون الاحتلال الإسرائيلي هو لحظة تحمل معاني إنسانية ووطنية عميقة، لكنها تأتي محملة بالكثير من الألم والشواهد المروعة على ما عانوه في تلك السجون. فالأسرى الفلسطينيون يخرجون إلى الحرية بعد سنوات طويلة من القهر والتعذيب الجسدي والنفسي، حيث يتعرضون لانتهاكات ممنهجة تهدف إلى كسر إرادتهم، كثيرٌ منهم يخرجون بآثار واضحة، سواء على أجسادهم من جراء الإهمال الطبي والتعذيب، أو في وجوههم التي تحكي قصص معاناة لا تُنسى.
يُحرَم الأسرى من أبسط حقوقهم الإنسانية، مثل العلاج الطبي، التعليم، وحتى رؤية عائلاتهم لفترات طويلة، في انتهاك صارخ للقوانين الدولية، ومع ذلك، فإن لحظة التحرير تمثل انتصارًا على هذه الممارسات القمعية. الأسير المحرَّر لا يعود فقط كفرد، بل كرمز للصمود والتحدي للشعب الفلسطيني بأسره، فهو شاهِد على جرائم الاحتلال ومستقبل ينير الطريق للأجيال القادمة.
ورغم فرحة الحرية، إلا أن العودة إلى الحياة الطبيعية ليست سهلة؛ فالأسرى المحررون يحتاجون إلى دعم نفسي واجتماعي لإعادة بناء حياتهم واستعادة ما سرقه الاحتلال من سنوات أعمارهم، وتبقى معاناة الأسرى الفلسطينيين قضية مركزية تستدعي اهتمام المجتمع الدولي لفضح ممارسات الاحتلال ومحاسبته، والعمل على تحرير من تبقى منهم ليعيشوا حياة كريمة تليق بصمودهم وتضحياتهم.