الوقت- في ظل الحديث الدولي عن مستقبل الطاقة العالمية، خرجت منذ سنوات مشاريع لدعم الطاقة النظيفة أو المتجددة أو الخضراء. في حين ما تزال هذه المشاريع خجولة على الرغم من توصيات منظمة الطاقة الدولية، والتي أصبحت اليوم تولي هذه المسألة أهمية كبيرة. فيما خرج تقريرها منذ أيام ليُشير الى إستثمارات الدول في مجال الطاقة النظيفة، حيث تربعت الصين كأكبر المستثمرين. فماذا في تقرير وكالة الطاقة الدولية؟ وما هي توجهات الدول الكبرى تجاه هذا الموضوع؟ ولماذا تعتبر الطاقة النظيفة مهمة؟ وما هي آفاق استخدامها؟
وكالة الطاقة الدولية وتقريرها حول استثمارات الطاقة
ذكرت وكالة الطاقة الدولية في أول تقريرٍ مفصل لها صدر يوم الأربعاء الماضي، حول الإستثمارات العالمية في الطاقة، أن الإستثمارات العالمية في الطاقة هبطت بنسبة 8 % عام 2015 بعد تراجع الإنفاق في أنشطة النفط والغاز بسبب الإستثمار القوي والمستمر في الطاقة المتجددة وشبكات الكهرباء وكفاءة الطاقة. وبلغ إجمالي الإستثمارات في قطاع الطاقة بحسب المنظمة، 1.8 تريليون دولار عام 2015. ويظهر التقرير أن منظومة الطاقة العالمية تشهد تحولاً واسعاً باتجاه اعتماد الكفاءة والطاقة التي تنخفض فيها غازات الكربون. لكنها أكدت أن الإستثمارات في تكنولوجيا الطاقة النظيفة الجوهرية بحاحة إلى زيادة لوضع الإقتصاد العالمي على مسار الإستقرار المناخي.
وبحسب التقرير برزت منطقة الشرق الأوسط وروسيا كأكثر المناطق مرونة في استقطاعات الإنفاق بفضل تكاليف الإنتاج الأقل وتحركات العملة. ونتيجة لذلك ساهمت استثمارات شركات النفط الوطنية في أنشطة المنبع بنسبة 44 بالمئة، مسجلة ارتفاعاً تاريخياً. فيما بلغت الإستثمارات في الطاقة المتجددة 313 مليار دولار أي ما يُقارب خمس إجمالي الإستثمارات في الطاقة العام الماضي بحسب التقرير، لتصبح الطاقة المتجددة أكبر مصدر للإستثمارات في الطاقة.
التوجهات الدولية نحو الطاقة النظيفة
أشار المدير التنفيذي للوكالة الدولية للطاقة "فتيح بيرول" منذ أيام، الى أن الإستثمارات الصينية تتركز بشكل أساسي في قطاع الطاقة، وهو ما جعل الصين أكبر مستثمر في الطاقة المتجددة حول العالم. مؤكداً على وجود التزام سياسي من قبل الصين على الرغم من كونها قوة نووية، خصوصاً من حيث ضخ الأموال في التكنولوجيات منخفضة الكربون والطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة. وقال بيرول إن الصين أصبحت العام الماضي أكبر مستثمر في الطاقة وجاء ذلك بشكل أساسي في الطاقة الشمسية وتكنولوجيا الرياح والطاقة المائية.
من جهة أخرى أشار بيرول الى تراجع الإستثمار الأمريكي بمقدار 75 مليار دولار ليصل إلى نحو 280 مليار دولار بسبب انخفاض أسعار النفط، وهو ما يمثل نصف التراجع الإجمالي في الأنفاق على الطاقة المتجددة.
ومنذ أيام أعلنت الشركات الروسية أنها تدرس مسألة المشاركة في بناء محطات كهرباء صديقة للبيئة في الجزائر حيث تمتلك الجزائر برنامج طموح يمتد إلى العام 2030، يهدف للوصول إلى إنتاج 40% من الكهرباء من طاقتي الرياح والشمس.
أنواع الطاقة النظيفة واستخداماتها
الطاقة المتجددة ويطلق عليها أيضاً إسم "الطاقة النظيفة" أو "الطاقة المستدامة" أو "الطاقة الخضراء"، هي طاقة لا يمكن أن تنفذ، مثل الطاقة الشمسية و طاقة الرياح وطاقة المياه والأمواج والطاقة الجوفية. وتتنوع مصادر الطاقة النظيفة، فمنها الطاقة المائية وطاقة المد والجزر وطاقة الرياح والطاقة الكهرومائية، والطاقة الحيوية والطاقة الشمسية والطاقة الحرارية الأرضية.
وفي مؤتمر "كيوتو" الذي عُقد في اليابان عام 1997، اتفق معظم رؤساء الدول على تخفيض إنتاج ثاني أكسيد الكربون بهدف تجنب التهديدات الرئيسية لتغير المناخ بسبب التلوث واستنفاد الوقود الأحفوري، بالإضافة للمخاطر الإجتماعية والسياسية للوقود الأحفوري والطاقة النووية.
من أهم مميزات الطاقة النظيفة، أنها تتوفر في معظم دول العالم، ولا تلوث البيئة، وتحافظ على الصحة العامة للكائنات الحية، وتعتبر اقتصادية في كثير من الإستخدامات الى جانب أن استمرار توافرها وتواجدها هو من الأمور المضمونة، ويمكن الحصول عليها عبر استخدم تقنيات غير معقدة.
مستقبل الطاقة النظيفة
تم مؤخرا تداول الكثير من الطروحات حول ما يعرف باسم "تجارة الطاقة المتجددة" والتي هي نوع من الأعمال التي تسعى لتحويل الطاقات المتجددة إلى مصادر للدخل بالإضافة الى الترويج لها. فعلى الرغم من وجود الكثير من العوائق التي تمنع انتشار هذه الطاقات بشكل واسع لا سيما كلفة الإستثمارات العالية البدائية، فإن 65 تخطط حالياً للإستثمار في الطاقات المتجددة خصوصاً بعد توصيات منتدى الطاقة العالمي 2012 في دبي. والذي وضع خطط وآفاق التحول نحو ما يُسمى بـ "الإقتصاد الأخضر" عبر الشراكة بين القطاعين العام والخاص في الدول في هذا المجال. ويمكن أن تكون الطاقة النظيفة حلاً للكثير من مشكلات الدول، حيث يواجه العالم مشكلات كثيرة لا سيما تأمين الكهرباء في ظل النمو السكاني المتزايد وندرة الموارد الطبيعية. مما يجعل من الضروري دخول الطاقة النظيفة الى الدول الفقيرة لتأمين الكهرباء وتلبية الإحتياجات المتزايدة من الطاقة وما يرتبط به ذلك من تأمين ديمومة الحياة.
لا شك أن الجميع يعرف كيف أن الطاقة كانت السبب وراء العديد من الأزمات والحروب. إذ لا يختلف اثنين في أن الإقتصاد هو معيار السياسة الدولية. فيما يُعتبر تحدي الطاقة، أحد أهم التحديات التي تواجه مستقبل الشعوب والدول. وهو الأمر الذي يجعل كافة الدول تسعى للإستثمار فيه كخيارٍ يمكن أن يكون الحل الأمثل للعديد من مشكلات الشعوب الإقتصادية. فيما يخاف المراقبون من رجال الأعمال الساعين لجعله مصدراً للدخل، عبر جعل المشاريع مصدراً لأرباحهم. لمن أحداً لا يختلف اليوم في أن الطاقة النظيفة هي مشروع المستقبل بميزات عديدة.