الوقت- لعقود طويلة والصورة المطبوعة في أذهاننا عن اليمن هي صورة الدولة الهزيلة المهمّشة، المنقسمة على نفسها، التي تسودها الصراعات الداخلية والقبلية، ويعاني أهلها الفقر والحرمان.
فاليمن وبالرغم من موقعه الاستراتيجي الهام، وثرواته الباطنية الكبيرة وتاريخه الحضاري العريق، لم يستطع طوال العقود الماضية أن يحظى بالمكانة التي يستحقها بين دول المنطقة، وأن يدخل دائرة التأثير الدولي والاقليمي وأن يتمتع باستقلالية القرار.
بالطبع، ما جعل اليمن يصل إلى هذه الحال هو الاستبداد والفساد والتدخل الأجنبي. فقد نخر الفساد كافة مفاصل الدولة اليمنية وخضع القرار اليمني بصورة كبيرة للتدخلات الأجنبية وخاصة من دول الخليج الفارسي، وغرقت إدارات الدولة في الفوضى في ظل انعدام الحريات والرقابة والمحاسبة وعدم خضوع ذوي السلطات العليا للمساءلة والمحاسبة وانعدام الشفافية وقواعد الديمقراطية.
من ناحية أخرى، يبدو أن هنالك قرار اتخذته دول مجلس التعاون وعلى رأسها السعودية بإلهاء اليمن بلقمة عيشه، وتغذية الصراعات القبلية والدعوات الانفصالية، خوفاً من الثقل السكاني الذي يمثله اليمن والذي يرشّحه بقوة ليكون صاحب الكلمة العليا في الجزيرة العربية والبحر الأحمر. ولذلك لجأت هذه الدول لتوثيق علاقاتها ببعض الأطراف والقبائل اليمنية على حساب الدولة المركزية لإيجاد نوع من الموازنة بينها وبين الدولة المركزية والابقاء على اليمن ضعيفاً ومضطرباً.
هذه الظروف دفعت الشعب اليمني للثورة على الظلم والفساد، وجاءت الثورة اليمنية في 11 فبراير 2011، وهنا برز الدور المؤثر لحركة أنصار الله في دعم الحراك الشعبي، لتصبح الحركة ظهير الثورة وسندها وأحد أهم عوامل ثباتها وتقدمها، بما لديها من شعبية صلبة ووعي سياسي ونهج ملتزم ينسجم مع آمال الشعب اليمني وتطلعاته.
ونشير فيما يلي إلى بعض ما قدمته حركة أنصار الله للثورة اليمنية واستقرار اليمن:
1- تصدّت حركة أنصار الله لمهمّة محاربة الفساد المستشري في أجهزة الدولة ومراكز النفوذ، خاصة في ملف تحقيق الأمن، وبذلت اللجان الشعبية التابعة لها مجهوداً هاماً في مواجهة الجماعات الارهابية والقاعدة، وتأمين الشعب والبلد ومقدّراته.
2- كما بذلت حركة أنصار الله مجهوداً هاماً لحماية اتفاق السلم والشراكة، ومراقبة تطبيق بنوده، والذي ينص على مشاركة مكونات الثورة الشعبية بالعمل الرقابي على اجهزة ومؤسسة الدولة؛ وبعد أن تعنتت حكومة عبدربه منصور وتنصلت من تنفيذ الاتفاق ورفضت مجرد مشاركة الثوار في الجهات الرقابية لمحاربة الفساد، قامت اللجان الشعبية بقيادة حركة أنصار الله بدخول العاصمة صنعاء، وتمكنت من الانتشار فيها، ثم فرضت تسليم اللجان الثورية الرقابية للأجهزة الرقابية، وبدأت عملية تأمين المنشآت الحكومية والخَاصَّـة، وقد انضم الكثير من أبناء الشعب اليمني إلى جانبهم نتيجة المعاملة الحسنة التي لاقاها المواطنون منهم، وهذا ما جعَلَ أمانةَ العاصمة تنعم بالأمن والاستقرار والسكينة العامة.
3- كما أحبطت حركة أنصار الله مخطط زيادة أسعار الوقود، الرامي إلى الضغط على الشعب الفقير بالأصل، وإلهائه بلقمة عيشه، وإبعاده عن ميادين الثورة والتأثير على الواقع السياسي، حيث دعت الحركة المواطنين إلى التظاهر ضد هذا القرار، الامر الذي استجابت له أوساط الشعب المختلفة، مما أدى إلى استجابة الحكومة تحت الضغط.
4- وكان أبرز دور لعبته أنصار الله على الساحة اليمنية هو الحؤول دون تمرير مخطط التقسيم من خلال مسودة الدستور التي صيغت في الامارات باشراف فرنسي و التي تقضي بتقسيم اليمن إلى أقاليم وفق تقسيمات مذهبية ومناطقية. فعمدت اللجان الشعبية لإيقاف مدير مكتب رئيس الجمهورية، الأمين العام لمؤتمر "الحوار الوطني" أحمد بن مبارك، المسؤول المباشر عن تمرير مسودة التقسيم، كما أحكمت اللجان الشعبية السيطرة على القصر الرئاسي، مما أدى في نهاية المطاف إلى إيقاف عملية إمرار الدستور والأقاليم بطريقة رسمية، والوصول مع الرئيس هادي إلى اتفاق لحل الأزمة.
5- ولما جاءت حادثة استقالة الحكومة اليمنية والرئيس عبد ربه، الأمر الذي جاء -وفقاً لمصادر مطلعة- بإيعاز أمريكي خليجي، لارباك القوى الثورية وجعلها عاجزة عن ملء حالة الفراغ والتعامل مع تداعياته وآثاره على مختلف الصعد، ولا سيّما ما يتعلق منها بحياة الناس العامة، ردت وحركة أنصار الله والقوى الثورية باصدار الاعلان الدستوري.
بالطبع لم تكن بعض القوى الداخلية والاقليمية سعيدة بهذا التحول الذي يشهده اليمن وبهذا الدورالذي تضطلع به حركة أنصار الله في دعم الثورة اليمنية، حيث عملت هذه القوى جاهدة لافراغ الثورة من مضمونها وتمرير مخطط تقسيم اليمن وفق المبادرة الخليجية، وهو ما يعرف "بخطة الأقاليم الستة"، كما توالت التفجيرات لتستهدف أبناء الشعب وإنهاكه ودفعه للقبول بأي وثيقة تُطرح لحل الأزمة في البلاد، كتفجير كلية الشرطة التي راح ضحيتها العشرات من الضباط ورجال الشرطة، في ظل تواطئ من جهات رسمية حكومية أشرفت على هذه العمليات، حيث ضُبط بعض منفذي هذه العمليات وهم يقطعون جوازات تحت إشراف الاجهزة الرسمية لمغادرة البلاد وتحت رعاية هذه الاجهزة.
وقد لعب الرئيس المستقيل عبدربه منصور هادي دوراً سلبياً في مواجهة تنظيم القاعدة، وكان الداعم والممول لبقاء تلك الجماعات من خلال تمويل معسكرات رسمية تابعة للجيش في مأرب والجوف جل أفرادها من تنظيم القاعدة والإصلاح.
واليوم يحاول الرئيس عبد ربه منصور هادي، من خلال هروبه من صنعاء، واعلانه من عدن الانقلاب على اتفاق السلم والشراكة وتراجعه عن الاستقالة، خلط الأوراق من جديد، وذلك من خلال الدعم الذي يتلقاه من دول خليجية، سارعت إلى إغلاق سفاراتها في صنعاء، وإعادة فتحها في عدن تمهيداً لاعلان عدن عاصمة بديلة عن صنعاء، وصولاً إلى هدف تقسيم اليمن، الأمر الذي أقرت به صحيفة الشرق الأوسط السعودية التي أعتبرت في مقال لها قبل أيام، أن فرار الرئيس هادي وانتقاله إلى مدينة عدن، سيؤدي إلى يمن تتنازعه حكومتان وبعاصمتين، إلا أن هذه النوايا الخليجية لا يبدو أنها ستبصر النور، في ظل الرفض الذي تبديه القوى الشعبية والثورية وحتى الدولية، تجاه مخطط نقل العاصمة إلى عدن، الأمر الذي أكدته مواقف كل من حزب المؤتمر والحزب الاشتراكي والقوى الثورية والجيش اليمني.
كما أن حركة أنصار الله التي كانت دائماً تقف بالمرصاد لمحاولات التآمر على الثورة، لن تبقى مكتوفة الأيدي، ولاشك بأن في جعبتها من أوراق القوة ما تستطيع من خلاله احباط هذه الخطوات التصعيدية، خاصة في ظل التأييد الشعبي الذي تحظى به الحركة، والوعي والتصميم الذي تتحلى به.