الوقت- في الوقت الذي تدعي فيه أمريكا أنها راعية السلام في العالم، وتقدم نفسها على أنها دولةٌ تحارب الإرهاب والتطرف، خرج الإتفاق الأمريكي التركي لتدريب ما سمته أمريكا وتركيا بالمعارضة المعتدلة. وفيما تسعى أمريكا بإقناع العالم، أنها دولةٌ تحترم سيادات الدول، تسعى تركيا للبحث عن دورٍ لها في المنطقة. فما هي مستجدات ما يتعلق بالإتفاق الامريكي التركي؟ وماذا يعني هذا الإتفاق؟
أولاً: الإتفاق الأمريكي التركي لتدريب المعارضة والمواقف منه:
أعلن متحدث بإسم السفارة الأمريكية في أنقرة أن تركيا وأمريكا وقعتا الخميس 19 شباط/ فبراير 2015 إتفاقاً بشأن برنامج "تدريب وتسليح" قوات المعارضة السورية المعتدلة. وقال المتحدث لوكالة الأنباء الفرنسية (فرانس برس) يوم الخميس الفائت: "يمكنني أن أؤكد لكم أنه تم التوقيع على الإتفاق هذا المساء في أنقرة". ووقع على هذا الإتفاق مساعد وزير الخارجية التركي فريدون سينيرلي أوغلو والسفير الأميركي في أنقرة جون باس. وكان قد صرح وزير الخارجية التركي، داوود أوغلو، في وقت سابق " إن قوات المعارضة السورية التي سيتم تدريبها وتجهيزها ستقاتل تنظيم "داعش"، كما ينتظر منها في نفس الوقت أن تقاتل ضد النظام. نحن والأمريكيين متوافقون في هذه المسألة".
ثم أخذ الوزير التركي يتحدث عن حرصه على وحدة الأراضي السورية، كلامه جاء خلال مؤتمر صحفي مشترك عقده مع نظيره الكوسوفي هاشم تقي في العاصمة أنقرة منذ أيام، حيث أشار أنه من الطبيعي أن تحارب قوات المعارضة التي سيتم تدريبها وتجهيزها، الجهات التي تهدد وحدة الأراضي السورية على الأرض، مشيراً أن "بعض المنظمات الإرهابية وفي مقدمتها تنظيم داعش، ونظام الأسد، تعتبر تهديداً لأمن واستقرار سوريا ... فكلهم يواصلون قتل الناس الأبرياء بكل وحشية". ومن جهةٍ أخرى سبق للجيش الأمريكي أن أعلن بأنه يخطط لإرسال أكثر من 400 جندي ينتمي بعضهم لقوات العمليات الخاصة الأمريكية لتدريب المعتدلين السوريين في مواقع خارج سوريا في إطار المعركة ضد تنظيم "داعش الإرهابي".
في المقابل أكدت وزارة الخارجية الروسية أن تصريحات جون كيربي المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية البنتاغون بشأن قرار أمريكا تدريب 1200 عنصر ممن تسميهم واشنطن "معارضة معتدلة" في تركيا والسعودية وقطر بذريعة مواجهة تنظيم "داعش" الإرهابي في سورية نابعة من عدم جدوى عمليات ما يسمى "التحالف الدولي" لمحاربة هذا التنظيم بقيادة أمريكا. وقال الكسندر لوكاشيفيتش المتحدث بإسم الوزارة في مؤتمر صحفي له في 19 الشهر الجاري في موسكو إن "عدم فعالية أنشطة ما يسمى الإئتلاف الدولي لمحاربة الإرهاب بقيادة امريكا يكمن في أن هذا الائتلاف تم تشكيله بتجاوز لمجلس الأمن الدولي وبإهمال لقواعد القانون الدولي ودون مشاركة الحكومة السورية". وأضاف لوكاشيفيتش "لذلك يبقى موقفنا بهذا الصدد ثابتاً كما كان ونعتبر أن فعالية محاربة هذا التهديد الإرهابي الذي برز وانتشر في مجمل المنطقة على شكل تنظيم "داعش" يجب أن تجري وفق المراعاة التامة لجميع قواعد القانون الدولي ووفقاً للإتفاقات التي يتم التوصل إليها بين حكومات هذه أو تلك من البلدان" مؤكد أن هذه هي الأسس التي تبني عليها روسيا موقفها وسوف تستمر بالتمسك بها دائما.
ثانياً: النفاق الأمريكي والتركي في محاربة الإرهاب:
إن هذا الإتفاق الذي جرى توقيعه بين أمريكا وتركيا هو ليس سوى إعلانٍ لمسارٍ ليس بجديد، تقوده أمريكا في المنطقة. فهي التي كانت راهنت على التنظيمات الإرهابية الموجودة اليوم في المنطقة لإنجاح مشروعها، إلا أن رهاناتها كافة سقطت. وهنا يأتي الإتفاق ليبيِّن التالي:
- إن إطلاق تسمية المعارضة المعتدلة على المتدربين الذين تنوي أمريكا وتركيا تدريبهم، هي نوع من النفاق السياسي الغربي الذي يريد تغطية دعمه للإرهاب، فكل من يحمل السلاح خارج القانون يعتبر خارجاً عن الشرعية وهذه التسمية ليس لها محل للصرف في الميدان العملي.
- أن تكون تركيا الطرف الثاني في الإتفاق فذلك يعبرِّ عن عودة تركيا الى بيت الطاعة الأمريكي، فهي حاولت منفردةً أن تستثمر مشروع داعش الإرهابي، وكانت عولت عليه في رهانها، ففتحت حدودها مع سوريا، لكنها فشلت في خطتها ووجدت أن الرهان على تنظيم داعش الإرهابي سقط. وعندما وصلت الى الحائط المسدود، وجدت نفسها مضطرة للعودة لبيت الطاعة الأمريكي، علها في ذلك تعيد لنفسها بعض هيبتها التي فقدتها. فجاء الإتفاق بين تركيا وأمريكا ليعيد لتركيا دورها ولتعود الى المشهد السياسي في المنطقة، ولكن من بوابة دعم الإرهاب. وهنا يجب الإشارة الى التناقض الواضح بين ما تعلنه واشنطن وأنقرة وبين ما صرح به رئيس الإستخبارات الأميركية جيمس كلابر مؤخراً، في إشارته الى أن محاربة تنظيم داعش الإرهابي ليست أولوية بالنسبة إلى تركيا، وأضاف، في كلمة له أمام لجنة القوات المسلحة في الكونغرس، أنّ "نتيجة كل ذلك هي وجود أجواء متساهلة"، وخصوصاً في المستوى القانوني إزاء عبور مقاتلين أجانب إلى سوريا، مؤكداً ان "هناك نحو 60 في المئة من المقاتلين الأجانب الذين يصلون الى سوريا عبر تركيا"!!.
- الإتفاق هو نتيجة لتمنُّع أمريكا عن الإعتراف بالهزيمة. فمشروعها في الشرق الأوسط سقط أمام محورٍ تقوده إيران اليوم. وكان رهانها على إسقاط النظام السوري، أحد أكبر الأخطاء التاريخية، في الوقت الذي أثبتت إيران قوتها وصحة رهاناتها. فجاء الإتفاق، لتقوم من خلاله أمريكا بحرب نفسية على النظام السوري ومحور المقاومة. وهو ما يعني أنها تدفع نحو زيادة تفاقم الأزمة السورية وتأجيج الصراع، ولمدة ثلاث سنوات أخرى، فالإتفاق الذي أبرم بينها وبين تركيا، ينص على تدريب المسلحين لثلاث سنوات. وهنا يأتي هذا الإتفاق ضمن متابعة حرب الإستنزاف التي تخوضها أمريكا وأدواتها في المنطقة ضد النظام السوري وحلفائه من محور المقاومة. خاصة أن أمريكا أيقنت أنه لا يمكن إسقاط النظام السوري، فعادت للإستفزاز من خلال إستخدام تركيا صاحبة الحدود مع سوريا.
- بالنسبة لتنظيم داعش الإرهابي، جاء الإتفاق ليثبت أن هذا التنظيم لا يعمل بعيداً عن الإحتضان الأمريكي بل يتلقى الدعم المباشر منه وبالتحديد من المخابرات الامريكية. أمريكا هي الداعمة الأولى للحرب ولا تريد السلام.
إذاً جاء الإتفاق الجديد ليبين حجم الخسارة التي يتلقاها محور أمريكا في المنطقة. في مقابل صعودٍ للمحور الذي تقوده إيران. وهنا يأتي السؤال الأبرز: كيف سيؤثر دعم الإرهاب المعلن هذا، على الأزمة السورية؟