الوقت- جولات من الأسى والاستهداف المتعمد لكل ما يمت الى عمق الثقافة الشرقية الاصيلة والتاريخ الغني والعيش المشترك المتنوع في الشرق الاوسط, مأساة صامتة تمر على الاعلام مرور الكرام اياما وتنطفئ.
من مصر الى العراق الى سوريا فلبنان, مشهد من مشاهد التصفية العرقية والاتنية والثقافية يتخذه الصراع القائم في عصر ولادة الشرق الأوسط الاسراأمريكي الجديد.
هو منطق الأمم المتحدة التي تضع نفسها في موضع الحكم الراعي للسلام والامن العالمي, برؤيتها الزائغة العمياء الناظرة بعين اسراامريكية ,فيصبح حينها كل ما ينضح من اروقة الأمم المتحدة ليس غريبا.
ليس غريبا ممن أباد حضارة الهنود الحمر وأقام على أنقاضها ولاياته المتحدة وقصف اليابان بالسلاح النووي وأباد ثلث الشعب الفيتنامي خدمة لأطماعه وفتك من الشعب العراقي أكثر ما فتك صدام حسين السفاح نفسه, ولا غريبا على كيان اسرائيلي بنى حلمه على أرض مسلوبة هجر شعبها وأمعن قتلا وسجنا ووتشريدا في الشعب الاعزل الفلسطيني, أن يفعل ما يفعل.
ولكن الغريب كل الغرابة, ان يصبح الدفاع عن الحقوق بأسمى وأشرف الوسائل وأرقى ثقافات الانتماء والخصام الشريف, والتمسك بحق تحرير الارض والالتزام بالعيش المشترك والتمتع بالفكر الغني الذي يتحد وراء زند أسمر غاضب سليب الحقوق يلتزم القتال والمواجهة بشرف الخصام, ويتقن النزال بأصالة قيمه التي يحملها وينتمي الى مدرستها, وهو يبذل الغالي والنفيس من اجل الحفاظ على شرف وكرامة لأمة باع الحكام وجهل من يتولون ادارتها حكرا ومكرا كرامتها وأصبح ثمن الكرسي والثروة والقصور والعيش الفاخر لهؤلاء وأسرهم أن تقلب القاف سين فتصبح القاومة هي المساومة. وها هي فلسطين معيار التمايز الأول بين مقاومة المقاومين ومساومة المساومين وخير مصداق على أصالة وحكمة أهل القاف وشرف محورهم وخيانة وجهل أهل السين وحقد اجتماعهم وتعاملهم.
حملات التصفية العرقية والاتنية التي يقودها تيار التكفير, حطت هذه الايام في الحسكة لتضيف الى سجل اجرامها المأجور الذي بات لا شك في أصوله اليهودية وأهدافه الصهيونية.
فها هي الحسكة تحت وقع الاستهداف الاجرامي ,تم أسر أكثر من 200 مسيحي فيها واقتيادهم الى جهة مجهولة وسط حملات تهجير يراد منها اقتلاع وانهاء الوجود المسيحي فيها في مسلسل الابادة الذي يقوده داعش الارهابي لانهاء كل ما يمت الى الارض بأصالة واستبداله بأمراء وحكام جهال الأرض يريدون ان يقيموا امارة الاسلام المتنور ولو بسيف وجهل يجعل من الثلج الأبيض فحما أسودا ومن ماء البحر الأزرق نجيعا أحمرا !!
داعش العميل الممتاز, والخادم المخلص ووريث الفكر الصهيوني المفسد باتقان, يحمل في خلاياه المستنسخة فكرا اسرائيليا لا لبس فيه, يقطع أوصال الأمة ويمحو حضارتها وإرثها الفكري الرائد, ويبيد الاقليات وسط صمت دولي إن خرج الصمت عن طوره يتمخض عنه أحيانا ادانة خجولة ... فكانت إدانة من الامم المتحدة لتحطيم التماثيل مقابل صمت مشبوه لإبادة الالاف من الكلدانيين والاشوريين وقتلهم حرقا وذبحا وبيعهم في اسواق العبيد. فلماذا ؟؟
لماذا أيها المجتمع الدولي الذي ينشد السلام ويقرن النشيد بقراراته العمياء المشبوهة, لماذا الصمت ؟؟ اين بانكي مون رسول السلام وفيتو امريكا الصادح لحماية الكيان الاسرائيلي في حروبه الفتاكة على فلسطين ولبنان وسوريا .. أين المواقف الدولية التي يسودها الشلل المتعمد والتغييب المقصود ؟؟
فيا ليت أصوات الذين اجتمعوا لادانة الحراك البحريني الشعبي والسلمي الحر الذي يقف في وجه التجنيس والتعامل المزدوج مع مفهوم المواطنة تصدح بنفس الوتيرة ممارسات داعش.
فأين المطالبين بالتدخل العسكري تحت البند السابع في اليمن من العربان, ويا ليت من هاج وماج في حرب ال 2006 على لبنان حين انهار جبروت الجيش الاسرائيلي تحت اقدام مقاومي لبنان, حين صرح العربان أن من أراد تحرير أسراه قد غامر وعليه دفع الثمن, ولاقاه المجتمع الدولي حينها في اقامة عشرات الجلسات لحماية الكيان الاسرائيلي وتخريج الازمة بصورة مشرفة تحفظ ولو شكليا وجهه المجرم وأرسلت قوات أممية الى الحدود اللبنانية الفلسطينية لحمايته من ارتدادات اعتدائه الاجرامي.
في العراق, تم شن حملات على الايزيديين وبيعت نساؤهم في الاسواق امام اعين العالم, يتم تهجير ممنهج متعمد للمسيحيين والاشوريين والكلدانيين من أراضيهم عبر حملات القتل التعسفي الحاقد, وفي سوريا معلولة وحمص وغيرها سابقا والحسكة اليوم السلوك نفسه, ولبنان الذي يترك الغرب مسيحييه في مهب الريح, في منطقة يحيط بها داعش وسكينه اللامع وحقده الطامع لمزيد من الدم, وفي السعودية تضطهد الاقليات الشيعية ويستجلب الى البحرين مواطنين مستوردين من الخارج ويعطون الجنسيات لتغيير التوزع المذهبي وتغيير الديموغرافيا البحرينية, وفي مصر يضطهد الأقباط ويقتل علماء الشيعية امام كاميرات الاعلام بأبشع صور القتل الارهابي, وفي فلسطين يسلب المسيحيون الحقوق كما المسلمون في بيت لحم مهد المسيحية ويهجرون ويضطهدون ؟؟ فأين أصوات الغيارى الغربيين ؟؟
أم ان مشروعهم لا بد ان يمر على حساب التضحية بأقليات لم يعد لها مكان في فك الاخطبوط الغربي, وامام حماية الكيان الاسرائيلي, يهون ما لا يهون, فأمن اسرائيل يمر عبر تفتيت الشرق وتدمير صورة الاسلام عبر مشروع داعش الارهابي ولو كان الثمن تهجير الاقليات فلا مشكلة فحساب المصالح بالجملة يغلب حساب المفرق في مفهوم الغرب ومجتمعه الدولي المضحك المبكي!!
أين امريكا وشعارات الحرية والديموقراطية التي تحملها كلما ارادت غزو بلد, لتستر غزوها للدول طمعا بسرقة الثروات والمقدرات وحين تنتهي من النهب تدمر كل ما تبقى من قوة في هذا البلد لتودعه جارا ضعيفا قرب الكيان الاسرائيلي القوي المدعوم, الذي ان صرخ هب العالم لنجدته و وقف عند طلبه.
إن التواجد المسيحي في المنطقة والاقليات عموما بات يتهدده خطر كبير وأصبح مشروع محو الاقليات وتحويل الشرق الى منطقة صراع شيعي سني في نهايته تمهيدا لتحويله الى منطقة ذات لون واحد بعد القضاء على الاخرين وبيعهم في سوق الرق والعبيد وذبح اغلبهم وتجميع الاخرين في صحاري العراق واليمن وسيناء ليكون فقط من يستحق العيش قرب الجار الاسرائيلي من لا يوجه عيناه وليس سلاحه الى جاره السيد حتى ولو أراد ان يستبد.
وهذا هو المشروع الذي تتبناه التنظيمات الارهابية بأكمله وتتكفل تنفيذه بإخلاص, يتنقل بين الجغرافيا بدقة وقصد وسط الفوضى لكنه يدرك بين صخب الفوضى أين يذهب ومن يضرب وكيف في منهجية معتمدة مخطط لها لاستكمال المطلب.
فما الحسكة اليوم الا حلقة من مسلسل التصفية الجاري لتواجد الأقليات فبعد العراق سوريا وبعد سوريا لبنان ومصر وحيث يوجد من لا يوافق فكر داعش المتعهد الأول لتنفيذ المشروع الاسراامريكي. وفق مسلسل اسراامريكي تجاوز أصلا ما يسمى مسيحيي الشرق ومنطق العيش المشترك فحرية امريكا لا تتحمل منطق الاقليات وديموقراطيتها قدشطب منها "سهوا" ما يحفظ حقوق الاقليات ويحمي تواجدها.
وسط كل ما يجري من استهداف بات واضحا للاقليات الدينية في الشرق الاوسط, أن بقاءها في المنطقة التي ولدت فيها منوط ومدين فقط لتضحيات عظيمة يبذلها الجيش العراقي واللجان الشعبية في الموصل والعراق عموما لحماية التعددية التي يتميز فيها البلد, وفي سوريا للنظام السوري والجيش السوري واللجان الشعبية الذين يبذلون دماءهم لحماية هذا التنوع والتواجد الاصيل للاقليات في الشرق كما حصل في معلولة وغيرها, وكذلك في لبنان فإن توافقا متينا بين حزب الله والتيار الوطني الحر وعلاقات مميزة يمتلكها الحزب حافظت وتحافظ على هذا التنوع, كل هذا وسط تجربة نموذجية للتعايش مع الاقليات تجسده التجربة القائمة في الجمهورية الاسلامية التي يكبر الاعلام المغرض فيها اي حدث صغير ويتعامى عن هذا التعايش المثالي بين نظام اسلامي أصيل مع الاقليات المتواجدة في ايران لا بل العلاقات الخارجية بين الجمهورية والدعم التي تقدمه للحفاظ على الاقليات في الشرق الاوسط وسط التخلي الامريكي والاستهداف الاسرائيلي الذي يفضل المصالح على هذه المبادئ التي لايؤمن بها ... ففي بلاد محور المقاومة, يدق الجرس ويقام القداس, ويؤذن المؤذن وتقام الصلاة, ويتبادل التضحيات جندي مسلم ومسيحي في خطوط المواجهة, يصارعون مشروعا اسراامريكي يتخذ اليوم بعد فشل اقنعته المتعددة, قناعا لمخلوق مستنسخ اسمه داعش الارهابي.
فمن يحكم في قضية الاقليات بين سلوك محور المقاومة الارهابي الدكتاتوري ايران العراق سوريا لبنان مقابل محور السلام والحرية والديموقراطية امريكا السعودية قطر تركيا والكيان الاسرائيلي ؟؟
وحده الواقع يحكي ويجيب, فكل الفضل في بقاء التعددية في الشرق الاوسط, لمحور المقاومة الذي بات يقاتل ويقاوم عن كل المستضعفين والمضطهدين في العالم مقابل المستكبرين والطامعين الذين يسود منطقهم المصلحة فوق كل اعتبار ويسيرون وفق منطق مكيافلي الذي يؤمن بأن الغاية تبرر الوسلية وكفى بهذا المنطق دلالة.