الوقت - بعد فشل المفاوضات الروسية - الأمريكية في التوصل إلى إتفاق بشأن الهدنة في سوريا وما رافقه من إنتصارات للقوات السورية على الجماعات الإرهابية وزيادة التعاون العسكري بين إيران وروسيا وتغيير تركيا لسياستها في المنطقة خصوصاً فيما يتعلق بالأزمة السورية والتقدم الذي حققته القوات الكردية التابعة لحزب الإتحاد الديمقراطي بدعم من أمريكا في شمال سوريا، برزت إلى السطح عدّة فرضيات حول مستقبل هذه الأزمة وانعكاساتها على وضع الأكراد على جانبي الحدود التركية - السورية.
ومن الأمور التي يعتقد بأنها ستكون مؤثرة في هذا المجال إقتراب نهاية الولاية الثانية للرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي يسعى لتحقيق مكاسب سياسية لدعم موقف مرشحة الحزب الديمقراطي "هيلاري كلينتون" في الإنتخابات الرئاسية المقررة في تشرين الثاني/ نوفمبر القادم مقابل منافسها مرشح الحزب الجمهوري "دونالد ترامب"، في وقت تسعى فيه روسيا لوضع حد للأزمة السورية لأنها تعتقد بأن مستقبل هذه الأزمة سيزداد تعقيداً بعد رحيل أوباما.
من جانب آخر ورغم التقارب بين أكراد سوريا وأمريكا تسعى الأخيرة للحفاظ على علاقاتها مع تركيا لضرورات أمنية وسياسية تتعلق بعموم الوضع في المنطقة.
ومن الأمور الأخرى التي تجعل العلاقة حذرة بين أنقرة وواشنطن هي مساعي الأكراد لإقامة منطقة حكم ذاتي في كل من سوريا وتركيا، خصوصاً بعد تمكن القوات الكردية وتحديداً ما يعرف بـ "وحدات الحماية الشعبية" من تحرير منطقة "منبج" في محافظة حلب السورية من الجماعات الإرهابية.
ولغرض الحيلولة دون تمكن الأكراد من تحقيق هدفهم بإقامة الحكم الذاتي، بادرت تركيا إلى تسوية أزمتها مع روسيا وتعزيز علاقاتها مع إيران في إطار سياسة جديدة تهدف إلى تخفيف حدّة التوتر الذي شهدته تركيا بعد محاولة الإنقلاب الفاشلة في منتصف تموز/يوليو الماضي.
وينظر المراقبون إلى التدخل العسكري الأخير في الأراضي السورية في إطار ما عرف باسم عمليات "درع الفرات" بأنه يمثل في الحقيقة خطوة إستباقية لمنع أكراد سوريا من إقامة الحكم الذاتي في مناطقهم على الرغم من إدعاء أنقرة بأنها غير منزعجة من الوجود الكردي شمالي سوريا.
ومن خلال تحليل تصريح نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن خلال زيارته الأخيرة إلى أنقرة التي تزامنت مع دخول القوات التركية إلى داخل الأراضي السورية والذي قال فيه بأن بلاده تنظر إلى تركيا باعتبارها حليفاً إستراتيجياً في المنطقة تتبين حقيقة النوايا الأمريكية في السعي للحفاظ على موطئ قدم في سوريا من خلال دعم الأكراد في هذا البلد من جهة، ورغبتها بعدم خسارة الحليف التركي من جهة أخرى رغم تأزم العلاقات بين الجانبين بعد إتهام أنقرة لواشنطن بالتورط في الإنقلاب الفاشل الذي شهدته تركياً مؤخراً.
من جهته صرّح رئيس الوزراء التركي "بن علي يلدريم" خلال إستقباله لنائب الرئيس الأمريكي بأن بلاده لن تسمح لحزب الإتحاد الديمقراطي الكردي بالتواجد في منطقة غرب الفرات، الأمر الذي حظي بقبول بايدن عندما قال بأن واشنطن لن تدعم القوات الكردية في حال عبرت إلى هذه المنطقة.
وتخشى أنقرة من توسع نفوذ الأكراد في سوريا نحو شواطئ البحر الأبيض المتوسط لأنها تعتقد بأنه سيؤثر على مكانة موانئها التي تسعى من خلالها إلى أن تكون قطباً إقتصادياً وتجارياً متميزاً في المنطقة خصوصاً في مجال الطاقة.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن القوات الكردية السورية التي تقاتل الجماعات الإرهابية أعلنت اكثر من مرة عن إستعدادها للتنسيق مع روسيا في هذا المجال، الأمر الذي إعتبرته أنقرة بأنه يمثل رسالة بضرورة التنسيق مع موسكو في أيّ عملية تنوي تنفيذها داخل الأراضي السورية لأنها تعلم بأن روسيا ترفض تقسيم سوريا.
من خلال قراءة هذه المعطيات يمكن القول بأن فرص إقامة منطقة حكم ذاتي في المناطق الكردية السورية باتت ضئيلة بسبب الرفض التركي من جهة، وعدم رغبة واشنطن بإثارة حفيظة أنقرة التي لازالت تنظر إلى واشنطن بعين الريبة بعد إتهامها بالتورط في المحاولة الإنقلابية الأخيرة من جهة أخرى، ورفض روسيا لتقسيم سوريا من جهة ثالثة.