الوقت- ضجة اعلامية احدثتها امريكا بخصوص دخول الرقة بدءاً من الحديث عن زيارة "جوزيف فوتيل" ابرز قائد عسكري امريكي في المنطقة، الى الضخ في وسائل اعلامها التلفزيوني والصحفي والالكتروني عن التحضيرات لهذه العملية. الحديث الاعلامي هذا نراه معاكساً من حيث التوجه في عمليات التحرير التي تنفذها حركات المقاومة والجيش سواء في سوريا او العراق، فبخصوص الفلوجة مثلاً يعمل الاعلام الامريكي على تصوير ان ما يقوم به الجيش العراقي والحشد الشعبي هو قصف عشوائي وتدمير للمنازل وقتل المدنيين واشكال ذلك الفاقدة للدليل.
من خلال ذلك يمكن فهم الطبيعة والرؤية الامريكية لمفهوم تحرير المناطق من ايدي داعش، فالخلاصة، استبدال اداة احتلال بأخرى، وهو ما لا تحققه التشكيلات الشعبية والجيش. في هذا السياق سنحاول الاشارة الى بعض مجريات الاحداث والاسباب التي دفعت بأمريكا الى هكذا خطوة، خاصة وان الرقة لطالما اعتبرت المعقل الاساسي لداعش الاجرامي.
أولاً: المخطط الامريكي وبعد مضي سنوات على دعمه الجماعات الإجرامية في سوريا، وأمام صمود الجيش والتشكيلات الشعبية المساندة، ومع انخفاض مؤشرات التعويل الامريكي على تلك الجماعات، وهو ما برز ثقله سواء في الميدان او خلال المفاوضات الأخيرة، ومع وجود امريكا نفسها عاجزة عن فرض الشروط، وفشل خيار الباس بعض من جماعتها ثوب الإعتدال كجيش الفتح وجند الشام، ولأن المرحلة وضمان استمرارية المخطط تتطلبان البحث عن خيارات بديلة، نرى ان الجانب الامريكي وجد في استبدال داعش في الرقة، بحليفه الكردي ضالته المنشودة. فالأكراد لهم ثقلهم على الساحة السورية وهو ما لا يمكن انكاره، ولا يمكن اعطائهم الصفة التي عليها جماعات الاجرام كداعش. خاصة وأن هذه العملية ارادت لها امريكا ان تكون بعيدة عن شراكة الجيش السوري فيها، وهو ما يعطيها صفة استبدال جماعة بجماعة، وليست عملية تحرير.
ثانياً: ينظر الى الرقة على انها الثقل المركزي لداعش في سوريا، والمخزون العسكري الاكبر لداعش هناك، على الجانب الآخر يرتكز الضخ الإعلامي الامريكي على عدم اشراك الجيش السوري والمقاومة الشعبية وحلفائهما في هذه العملية، وعليه يحتمل ان يكون التركيز الاعلامي الامريكي بعد طرد داعش منها على الدور الذي لعبه الاكراد في تحرير هذه المنطقة الاستراتيجية بمعزل عن جهود الجيش السوري، ومنه الذهاب الى تعزيز طرح الحل الفديرالي وبالتالي التقسيم كأمر واقع.
ثالثاً: التجربة السورية للجيش فيها ودعم المقاومة الشعبية والدول الصديقة الجادة بمحاربة الجماعات الاجرامية أثبتت انها خطوة فاعلة للقضاء على هذا الفكر والجماعات الحاملة له، هذه التجربة تتحسسها امريكا جيداً وتتخوف من ان تحدث هذه الآلية مع الوقت شكلاً من اشكال التعاون مع اكراد سوريا المحاذين للرقة، ولأن فرص نجاح هذا التعاون وفق الرؤية الامريكية سيؤدي الى تحريرها، تأتي العجلة الأمريكية للعب هذا الدور، خاصة وأن العلاقة بين روسيا والأكراد توصف على انها علاقة دافئة. وعليه فإن امريكا وبعد ان فشلت في استخدام داعش وأخواتها في سوريا كورقة ضغط في المفاوضات، ترى في اخراج داعش من الرقة وسيطرتها عليها بواسطة حليفها ورقة ضغط قد تكون اكثر فعالية.
ما ينبغي الإشارة اليه بل والتأكيد عليه أن التجارب السابقة من اشكال التعاون الامريكي مع حلفائها يشير الى ان شكل التعاون لطالما اتخذ صورة آنية مرحلية مرتبط بتحقيق الهدف والمصلحة الأمريكية، وكيفما تحقق الهدف المراد فلا يعود لهذا التعاون من معنى، بل أكثر من ذلك، الأكراد اليوم سيستخدمون كوسيلة بشرية لتحقيق الهدف الامريكي، فالجيش الأمريكي عاجز عن تكرار تجاربه السابقة بالدخول المباشر الى هذا النوع من الحروب.