الوقت- تتوالى قضيّة النائب الكويتي عبد الحميد دشتي بالتفاعل على أكثر من صعيد. فبعد رفع الحصانة من قبل مجلس الأمة (النواب) الكويتي، ولاحقاً إصدار محكمة الجنايات الكويتية، قراراً بسجنه مدة 14 عاما إجماليا بتهمتي الإساءة للسعودية والبحرين، أصدرت الشرطة الدولية "الإنتربول"، مذكرة جلب بحق النائب عبد الحميد دشتي المتواجد حالياً في لندن، وذلك استجابةً لطلب الداخلية الكويتيه.
لم يغيّر القرار الجديد من موقف الدشتي الذي يرأس المجلس الدولي لدعم المحاكمة العادلة وحقوق الإنسان، وهي منظّمة منحتها الأمم المتحدة العضوية الاستشارية مؤخّرًا، ويقع مقرّها الرئيس في جنيف. وقد قال في أول تعليق له على القرار وذلك خلال مشاركته في مؤتمر دولي لدعم الشعب اليمني أقيم في لندن أنه كان يتوقّع مثل هذا الأمر ولاسيّما أن السعوديّة تسعى لإسكات جميع من هم مع قضيّة اليمن وفي وجهها، مؤكّدًا أنّه سيتعامل مع هذا الموضوع من خلال "القانون الحقّ".
رغم أن الدشتي عُرف بمواقفه الشجاعة المؤيدة لانتفاضة البحرين السلميّة، وحراكه في المحافل الحقوقية لإدانة الانتهاكات التي يرتكبها نظام آل خليفة، فضلاً عن تضامنه مع الشعب اليمني ضد العدوان السعودي والدولة السورية ضد الجماعات الإرهابية، إلاّ أن مشاركته في المؤتمر الدولي لدعم الشعب اليمني، ستثير جنون الرياض التي ستضغط أكثر من أي وقت مضى لإلقاء القبض على النائب الكويتي الذي يوضح "إن ذنبه وذنب بلاده أنّهم جيران للسعودية".
يكشف هذا التصرّف عدم استقلال القضاء في الدول الثلاث، أي البحرين والكويت والسعودية، فضلاً عن رضوخ هذه الدول في مجلس التعاون للقرار السعودي.
السعودية التي تنتقد تدّخل العديد من الدول الإقليمية في الشؤون العربية، تعطي لنفسها الحق في التدخّل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة بدءاً من دول مجلس التعاون، مروراً بسوريا واليمن، وصولاً إلى لبنان ومصر، فهل يحق للسعودية ما لا يحق لغيرها؟ لماذا ضغطت السعودية على دولة قطر اثر خلافهما في بعض الملفات الإقليمية، رغم أنها الدخيل الأبرز على مختلف الأزمات الإقليمية؟
تسعى السعودية من خلال هذا الموقف بالتعدّي على نائب يحظى بحصانة، وليس أي مواطن لا يحظى بهذه الحصانة، تسعى لتكريس واقع جديد هي بأمس الحاجة إليه اليوم، أي إسكات كافّة الأصوات الخليجية في ظل أفول مشاريعها الإقليمية في سوريا واليمن، على حدّ سواء.
الدشتي، وفي حال رفضت السلطات البريطانية تسليمه، لاسيّما أنّه يترأس المجلس الدولي لدعم المحاكمة العادلة وحقوق الإنسان، سيكون عرضة لموجة أخرى من الهجوم السعودي، وبالتالي قد نكون أمام مشهد مشابه لما يحصل في البحرين من إسقاط للجنسية، وبالفعل قال رئيس ما يسمى بـ"الحركة الشعبية الوطنية الكويتية " سعود الحجيلان في حديث مع صحيفة الحياة السعودية "إن الحركة دعت الحكومة إلى إسقاط جنسية النائب عبد الحميد دشتي لكي لا يحمّل الكويت مسؤولية ما يقوله من كلام خطر". هذا بالفعل ما تريده السعودية من الكويت، بحرين آخر في رضوخه للقرار السعودي.
لم يكن أوّل المستهدفين من السعودية في الداخل الكويت فقد نجحت السعودية في فرض قراراتها عبر ملف أطلقت عليه السلطات الكويتية "ملف التخابر مع إيران وحزب الله " لحيازة المتهمين أسلحة أسلحة قديمة كانت مدفونة تحت الارض، وقد أكد خبراء في التحقيق أن عهدها يعود إلى عهد احتلال صدام للعراق عام 1990، وأنها كانت تستخدم من قبل المقاومة الكويتية لمواجهة قوات الحرس الجمهوري، إلا أنه وبالرغم تأكيدهم أن إقراراتهم تمت تحت ضغط التعذيب الذي تعرضوا له من المحققين الوهابيين الذين يكفّرون الشيعة، ونفيهم التهم التي وجهت لهم إلا أن المحكمة اوعزت باتخاذ اقسى الإجراءات بحقهم.
إذاً، السعودية تلجأ إلى العدوان العسكري في اليمن، وتدعم الجماعات الإرهابية في سوريا، تستخدم اليوم القضاء وسياسة التشهير والإبتزاز لتصفية المخالفين في دول مجلس التعاون، فضلاً عن الجماعات الوهابية التي تعد يد السعودية الضاربة في هذه الدول.
يعيد كلام الدشتي الذي قال "نحن ندفع ثمن هذه الجيرة"، ما سمعناه حول جيرة هذا البلد من ناحيته الجنوبية، فبعد أن كانت السعودية الشقيقة الكبرى باتت اليوم جاء السوء من خلال عدوانها العسكري على اليمن، وجار السوء أيضاً من خلال عدوانها الدبلوماسي على النائب الكويتي، ليس هو فحسب، بل كل من تسوّل له نفسه أن يبدي رأياً مخلفاً للقرار السياسي السعودي. بالأمس البحرين، واليوم الكويت والآتي أعظم.