الوقت- في خضم التوتر المشتدّ بين روسيا والغرب على خلفية الأزمة الأوكرانية جاءت زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الى شبه جزيرة القرم يوم الجمعة 19 اب / اغسطس وسط توتر متصاعد بين موسكو وكييف، وقالت موسكو ان بوتين ذهب الى هناك ليرأس هناك اجتماع مجلس الأمن الروسي، وتأتي هذه الزيارة في وقت زادت روسيا من تحركاتها العسكرية في القرم و أجرت مناورات عسكرية ونشرت منظومة صواريخ اس 400 الفائقة التطور هناك، وقد اعلنت موسكو اعتقال عدد من الأشخاص كانوا يريدون تنفيذ عمليات إرهابية في القرم وهم من الأوكرانيين.
كييف تحتج على زيارة بوتين إلى القرم
سياسيا، أعربت ممثلية أوكرانيا لدى الأمم المتحدة عن احتجاج كييف على زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى شبه جزيرة القرم، معتبرة إياها "خطوة لا شرعية".
وجاء في بيان بهذا الصدد نشرته ممثلية كييف "لقد التقى المندوب الأوكراني الدائم لدى الأمم المتحدة فلاديمير يلتشينكو بنائب السكرتير العام للأمم المتحدة يان إلياسون، وبحث الجانبان زيارة الرئيس الروسي إلى القرم. كما لفت يلتشينكو نظر إلياسون خلال اللقاء إلى الحشود العسكرية الروسية على طول الحدود الأوكرانية في كل من القرم ومنطقة "دونباس" جنوب شرق أوكرانيا".
من جهتها، أعربت وزارة الخارجية الأوكرانية عن امتعاضها حيال زيارة بوتين إلى شبه الجزيرة، وبعثت بمذكرة احتجاج إلى وزارة الخارجية الروسية، في تقليد صار يعقب كل زيارة يقوم بها الرئيس بوتين إلى القرم.
مواقف بوتين في شبه جزيرة القرم
حينما ترأس الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في القرم اجتماعاً لمجلس الأمن الروسي يوم الجمعة، أعلنت وزارة الدفاع الروسية اجراء مناورات للتدرّب على تحريك العتاد والقوات على نحو سريع إلى شبه الجزيرة.
وفي هذا الإجتماع أعلن الرئيس الروسي أن العملية التخريبية في القرم تعكس عدم رغبة كييف في تنفيذ اتفاقات مينسك حول الأزمة الأوكرانية، مؤكدا سعي موسكو لتطوير العلاقات مع كييف، برغم ذلك.
ورأى بوتين أن القيادة الأوكرانية لا ترغب، أو لا تستطيع، تنفيذ اتفاقات مينسك، ولا تستطيع أن توضح لشعبها أسباب فشلها في السياسة الاقتصادية الاجتماعية التي تنتهجها. وأعرب الرئيس الروسي عن أمله في "ألا يصبح الاستفزاز خيار كييف النهائي، وأن يتغلب المنطق السليم" بدلاً من ذلك، مؤكداً أن موسكو لا تنوي قطع العلاقات مع كييف، بل ستظل تعمل على توفير قنوات وفرص لتطوير العلاقات معها، على الرغم من عدم رغبة كييف بعلاقات دبلوماسية كاملة على مستوى سفارتَي البلدين.
لايمكن القول ان تصاعد الإشتباكات في أوكرانيا ومن ثم زيارة بوتين الى القرم والتي يمكن إعتبارها تحذيرا مباشرا الى الغرب يعتبر أمرا جديدا ومعقدا لأن إتفاق مينسك الموقع بين روسيا وأوكرانيا والدول الأوروبية لإنهاء النزاع في المناطق الإنفصالية الموالية لروسيا في شرق أوكرانيا قد إعتبره الكثيرون منذ بدايته هشا وغير قابل للإستمرار ولذلك نرى اليوم حدوث إشتباكات متقطعة بين الموالين لروسيا وبين الجيش الأوكراني في المناطق التي يسيطر عليها الإنفصاليون.
وتقول الرواية الروسية أن عناصر المخابرات الأوكرانية كانت تريد تنفيذ عمليات إرهابية في القرم لكن القوات الروسية صدتهم وقد قتل عدد من الضباط الروس في هذه المواجهات، ورغم نفي الحكومة الأوكرانية أي ضلوع لها في القضية لكنها تسببت بتزايد التوتر بين الجانبين الى حدّ هدد فيه رئيس الوزراء الروسي ديمتري مدفيديف بإحتمال قطع العلاقات مع أوكرانيا.
ويعتقد الروس ان ما يجري في شبه جزيرة القرم الآن يأتي بتحريض غربي لكن على يد الحكومة الأوكرانية لكن في مجمل الأحوال فإن هذه الأحداث زاد من التوتر الموجود بين كييف وموسكو وتسبب بنشر صواريخ اس 400 الروسية، لكن خلافا للإستنتاجات الأولية فإن هذه الخطوة العسكرية الروسية الهامة لا علاقة لها بتصاعد التوتر بين موسكو وكييف بل يمكن تفسيرها في سياق الإستراتيجية الروسية طويلة الأمد للمواجهة مع الغرب وخاصة حلف الناتو.
بعد الحرب الكلامية التي حدثت بين روسيا والناتو خلال الشهور الماضية سعى كل طرف الى اظهار قدراته العسكرية وان نشر صواريخ اس 400 في القرم يأتي في سياق استعراض العضلات، ان روسيا عمدت الى اعادة انتشار قواتها عند حدودها الغربية بعد ان أجرى الناتو مؤخرا عدة مناورات عسكرية في البحر الأسود وكذلك في بحر البلطيق، ولذلك يمكن القول ان التوتر الذي يحصل في مقياس صغير وإقليمي بين موسكو وكييف يمكن تقييمه ضمن المقاييس الأكبر أي المواجهة الروسية مع الغرب لأن أوكرانيا لاتمتلك في الأساس القدرة على مواجهة روسيا عسكريا.
ان إعادة إنتشار وتموضع القوات العسكرية الروسية في البحر الأسود يمكن ان تكون ردة فعل على انتشار بوارج الناتو وامريكا في المنطقة ولذلك يجب تقييم هذا الموضوع في إطار أكبر من الأزمة الأوكرانية والتطورات الأخيرة في شبه جزيرة القرم، كما يجب وضع اهداف زيارة بوتين الى القرم في إطار أكبر من حدود أوكرانيا وفي سياق المواجهة مع الغرب.
النتيجة
رغم إنفصال شبه جزيرة القرم عن أوكرانيا بموجب استفتاء جرى هناك لكن كييف وداعميها الغربيين لايعترفون بهذا الأمر فهم من جهة إتخذوا هذا الأمر ذريعة لفرض عقوبات إقتصادية وسياسية على موسكو لتقويض قدراتها ومن جهة أخرى خلقوا مجالا وفرصة أخرى للعب على الوتر العسكري الحساس عند الآذان الروسية تماما كما فعلوا من قبل في جورجيا والجمهوريات السوفياتية الأخرى ولذلك يبدو ان الطرف الذي يمارس لعبة القوة ويوتر الأوضاع ويستفيد من حالة عدم الإستقرار هو الغرب وليس روسيا.