الوقت- تزامناً مع إشتعال نيران معركة حلب في الشمال السوري، يبدو أن هناك سيناريو أمريكي-إسرائيلي مشترك لإشعال الجبهة الجنوبية مع الأردن، بعد هدوء حذر وطويل نسبياً، على حدّ سواء.
وتتعزّز هذه الفرضية مع كشف الجيش السوري عن أسحلة أمريكية حديثة مع جبهة النصرة في حلب بعد السيطرة على أحد مخازنها، وكذلك عبور سفينة أمريكية محمّلة بـ1700 طن من السلاح لخليج العقبة حيث تؤكد العديد من المصادر أن الوجهة النهائية لهذه الأسلحة هي الجماعات المسلّحة في الجنوب السوري عند الحدود مع الأردن.
إن المعركة المرتقبة في الجنوب الدرعاوي تشكّل إمتداداً طبيعيّاً للمعارك الجارية في الشمال الحلبي. قد يشكّل العامل الجغرافي وتباعد الجبهات، عاملاً لفصلها عن بعضها البعض، إلى أن إرتباط هذه الجماعات، وعبر قنوات عدّة، بجهة رئيسية واحدة تؤكد واقع الصلة بين حلب ودرعا، وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى التالي:
أولاً: الكيان الإسرائيلي الذي وجد في الشتاء العربي، السوري تحديداً، ربيعاً له، لن يسمح بأي ربيع سوري يعيد الجبهة الجنوبية إلى مربّعها الأول، خاصّة أن ضعف الجماعات المسلّحة هناك سيصبّ ميدانياً في صالح الجيش السوري وحلفائه. فقد نشرت القناة السابعة الإسرائيلية " اروتز شيفا" تقريرا لـ" افرايم اينبار" مدير مركز بيغن-سادات للدراسات الاستراتيجية قال فيه: "زوال داعش (الإرهابي) من الوجود خطأ استراتيجي و بقائهم ضروري لانه يصب في مصلحة أمن اسرائيل و الغرب". ليضيف: "إن زوال داعش (الإرهابي) سيؤدي الى زوال منفعة إستنزاف حزب الله للغرب و لإسرائيل الذي سيكون متفرغا من جديد للتفكير في استهداف اسرائيل و الغرب بعد انتهاء مهمته في سوريا". هذه المنفعة الغربية لا تقتصر على تنظيم داعش الإرهابي فحسب، بل على كافّة الفصائل التي تنهك الجيش السوري والحزب في أي معركة عسكرية طويلة الأمد، والجبهة الجنوبية ليست عن هذا الأمر ببعيد.
ثانياً: لا يقتصر التمهيد الأمريكي-الإسرائيلي-العربي لإشعال الجبهة الجنوبية على التسليح فحسب، بل هناك معسكرات ومقرات أحدثت في الأراضي الأردنية لتدريب المجموعات الإرهابية وتسليحهم بإشراف أمريكي، هذه المقرّات المسندة بجبهة خلفية ستكون نقطة إنطلاق نحو جبهة الجنوب في المستقبل القريب.
ثالثاً: لا يمكن فصل النيّة الأمريكية عن الخسائر التي تكبّدتها هذه الجماعات المسلّحة على مختلف الأراضي السورية، فبعد الإنتكاسات التي ذاقتها الجماعات المسلّحة في الفترة الأخيرة بدءاً من ريف حلب مروراً بريف اللاذقية وصولاً إلى ريف دمشق، هناك إستماتة أمريكية لتحقيق أي إنتصار ميداني يقوّي هذه الجماعات وداعميها على طاولة جنيف التي تُرسم خطوطها العريضة في الميدان. العديد من المصارد تتحدّث عن خطوات عسكرية جديدة، لاسيّما مع إندفاع الحكومة السورية نحو المحادثات المرتقبة في جنيف أواخر الشهر الجاري (أغسطس/ آب)، والجبهة الجنوبية حالياً هي محطّ الأنظار الأمريكية مقابل روسيا وايران نظراً لوجود خطوط إمداد عسكرية، بخلاف الجبهات الأخرى، سوءاً عبر الكيان الإسرائيلي، أو الأردن.
رابعاً: أصحاب نظرية الضعف والإضمحلال التدريجي للجماعات المسلّحة، التي بدأت تغادر إلى البلاد الغربية بغطاء "لاجئ"، وفق ما أكّدت العديد من التقارير التي دعّمت بشواهد إلتقاء بعض هؤلاء المسلحين مع ضحايهم في ألماينا مثلاً، يعزّزون رؤيتهم بشواهد التفجيرات الإنتحارية والإنتقال من إلى جبهة آخرى بعد الفشل في الجبهات المشتعلة.
خامساً: الكيان الإسرائيلي بدأ بصنع المبرّرات للتدخّل العسكري حيث قامت كتيبة "جولاني" خلال الأسبوع الماضي بسلسلة تدريبات في هضبة الجولان وحدود لبنان تحت ذريعة " الإستعداد للقتال أمام تنظيم "داعش" الإرهابي، وقد أمر قائد الجبهة اللواء أفيف كوخافي بضبط خطة التدريبات للألوية في المنطقة لخطوط القتال على الحدود السورية اللبنانية.
سادساً: بصرف النظر عن الواقع الحالي لحصار حلب في ظل تضارب المعلومات حوله، يبدو أن فصائل الجبهة الجنوبية التي ترتبط بشكل وثيق مع أمريكا و الكيان الإسرائيلي الذي يعالج جرحاهم، تسعى من خلال هذه الخطوة لرفع معنويات الجماعات الإرهابية في الشمال، فضلاً عن التحفيف عنهم عبر ألهاء الجيش السوي في معارك جديدة. بعبارة آخرى، تدرك هذه الفصائل انها ستكون وجهة السلاح السوري في حال حسمت المعركة في حلب لصالح الجيش وحلفائه، وبالتالي يمكننا القول أن هذه التحضيرات يمكن أن تكون بمثابة ضربة "إستبباقيّة" للجيش السوري.
سابعاً: حاول الملك عبدالله الثاني طوال الفترة السابقة الإمساك بالعصا من الوسط، معتمداً سياسة "ضربة على الحافر وضربة على المسمار"، إلا أن الإجراءات الأخيرة سوءاً عبر دفع اللاجئين نحو الجماعات المسلّحة، أو فتح المعسكرات بشكل أكبر، الامر الذي سيؤدي إلى إشعال الجبهة الجنوبية، سينعكس على النظام الأردني نفسه الذي ذاق طعم الإرهاب، ونال حظّاً من هذه الجماعات. قد نكون أمام مشهد أردني مماثل لما حصل مع تركيا في الفترة السابقة عبر بعض التفجيرات في العاصمة والمرافق العامّة التي تشكّل فاتورةً على حساب دعم هذه الجماعات.