الوقت- ألقى رئيس حكومة لبنان السابق سعد الحريري في حفل احياء الذكرى العاشرة لاغتيال والده, الخطاب الذي انتظرته الاوساط السياسية اللبنانية وبعض الدول الأقليمية المؤثرة في الساحة اللبنانية, لما يعكسه من تأثيرات ونتائج للحوار القائم بين حزب الله والمستقبل , وما يجره هذا الحوار من نتائج على الساحة الداخلية اللبنانية.
الحفل الذي حمل حدث قدوم شخص سعد الحريري الى لبنان بعد فترة طويلة من التغيب خارج البلاد, حدث حمل دلالات سياسية واضحة تؤشر رغم مضمون الخطاب الذي سنتعرض له, الى ان الحوار الثنائي القائم قد أحرز نتائج ايجابية تحضر لدور قادم سيلعبه سعد الحريري في قادم الايام على الساحة السياسية, فما الحضور الشخصي الى لبنان الا تمهيدا أولياً لهذه المرحلة ومصداقا على ايجابية حاصلة في مسار الحوار.
النقاط الرئيسية التي تعرض لها الخطاب:
أكد رئيس حزب المستقبل سعد الحريري ان لبنان لن يكون جزءا من محور يمتد من إيران إلى فلسطين مروراً بسوريا، لافتا الى ان لبنان ليس ورقة في يد أحد، واللبنانيين ليسوا سلعة على طاولة أحد.
كما قال: “لن نعترف لحزب الله بأي حقوق تتقدم على حق الدولة في قرارات السلم والحرب، وتجعل من لبنان ساحة أمنية وعسكرية يسخرون من خلالها امكانات الدولة وأرواح اللبنانيين لإنقاذ النظام السوري وحماية المصالح الإيرانية”.
واشار الى ان الحوار مع الحزب هو حاجة وضرورة في هذه المرحلة، هو حاجة إسلامية لاستيعاب الاحتقان المذهبي الذي لم يعد من الحكمة التغاضي عنه، وهو ضرورة وطنية لتصحيح مسار العملية السياسية وإنهاء الشغور في الرئاسة الأولى.
وفي موضوع رئاسة الجمهورية، دعا للاتفاق على انتخاب رئيس، معتبرًا ان تعطيل الاتفاق يكرس مفهوماً خاطئاً بأن البلد يمكنه أن يعالج أموره، برئيس، أو من دون رئيس.
هذا وجدد دعم الجيش اللبناني والقوى الامنية قائلا: “ إننا نؤكد وقوفنا وراء الجيش والقوى الأمنية قلباً وقالباً، قولاً وفعلاً. دعمنا للجيش والقوى الأمنية غير مشروط وبلا حدود”.
واتهم الحريري رئيس النظام السوري بشار الاسد بتكسير سوريا على رؤوس السوريين وبأنه نجح في تشريع الحدود لانتشار قوى التطرف.
واذ اكد ان لا مكان للاعتدال والتطرف بين الدولة والفوضى بين الجيش والمليشيا، قال: ”انا متطرف لقوة الاعتدال الذي يمثله كل واحد منكم والذي سيظل يمثلها تيار المستقبل”، معلنا ان المحكمة الدولية تقوم بعملها الى ان تظهر الحقيقية.
في مضمون الخطاب:
الخطاب الذي اعتبره البعض نارياً, ويشكل صدمة ونكسة للحوار, كرر فيه الحريري شعارات قديمة متوقعة قد اعتاد جمهوره على تردادها, ولكنه حمل نقاطا عديدة تمهيدية تواكب الحوار الجاري.
فالحريري بدأ بالتسويق عبر التركيز الواضح في الخطاب لفكرة الوسطية والاعتدال التي يمثلها حزب المستقبل معلنا بذلك تموضعا جديدا للمستقبل وبداية لمرحلة مواجهة التطرف الذي يهدد لبنان عبر الجيش الذي توجه الحريري اليه بأنه يقف وراءه, وهذا يعتبر اولى الاصطفافات الجديدة المطلوبة من اجل وصول الحوار الى نتائج ملموسة ومرجوة, أدى فيها الخطاب مهمته المطلوبة منه بالقدر المحدد.
وفي تعرضه للمحكمة الدولية لم يستفض الحريري كعادته في القاء التهديدات والوعيد, بل اقتصر على التعبير عن ان المحكمة تؤدي ما عليها وتقوم بعملها الى ان تظهر الحقيقية, دون ان يقرن كلامه كالعادة بتهديدات محددة تصب في خانة التوجيه المباشر لتهمة الاغتيال في سلوك اعتاد فيه الحريري توجيه التهم والشبهات على ان المجرم مشخص وهو عدو أبدي.
وفي خضم الخطاب كان لا بد من الحريري الذي كان مضطرا للتعاطي مع كلماته حول حزب الله بكل دقة والتزام مقيد, التهجم على سوريا ونظامها لان هذا التهجم يشكل فرصة للهروب من الحرج امام جمهوره الذي تربى على عداوة حزب الله الذي يحاوره الحريري اليوم والنظام السوري الحليف له, فانهال كعادته تهجما على النظام السوري, متهما اياه بتشريع الحدود للمساهمة في انتشار التطرف في لبنان وطال الحزب بشؤون تخص سوريا بمرور يريد الايحاء فيه اننا نحاور ولكننا اقوياء.
خطاب الحريري, راعى الانحراف التدريجي في مستوى مخاطبة حزب الله, اذ أنه لم يمجد بالحزب, بل تعمد الهجوم على الحزب في بعض النقاط لكي لا يظهر امام الرأي العام انه يحاور الحزب من منطق الضعيف, وهاجم الحزب في نقاط عديدة اراد تخريجها كنقاط ثابتة تعبر عن وجهة نظر المستقبل حتى ولو حاور الحزب وتوصل معه الى صيغة تفاهمية, لكن هذه النقاط التي ذكرها كالتدخل في الشأن السوري وحماية النظام والعلاقات مع ايران, والمحور الايراني والفلسطينين وقرار السلم والحرب كلها نقاط يضعها الحريري في منطقة ثابتة, ويخرجها بصورة تظهر انه يتعالى عن هذه الخلافات بما فيه مصلحة عليا للبنان وشعبه, ويذهب لحوار يجنب لبنان مستقبلا خطيرا جدا ويبعده عن شبح الازمة السورية التي يعيش لبنان ارهاصاتها
أيضا قدم الحريري في خطابه ما يشبه التبرير لموقف المستقبل من قبول الحوار, توجه فيه للعديد من السياسيين الحلفاء, وللقاعدة الشعبية, لحملها على تقبل مسار العلاقات القادمة بين المستقبل وحزب الله, وتحضيرها لتقبل النتائج بما يضمن سلامة البلد والعيش ولكن ضمن بقاء الخصوصية في الرؤية حول الموضوعات التي ذكرها وأكد عليها عبر ملامة الحزب فيها.
وتعتبر الاشارة التي وجهها في خطابه, الى ان الحوار مع الحزب هو حاجة وضرورة في هذه المرحلة، هو حاجة إسلامية لاستيعاب الاحتقان المذهبي الذي لم يعد من الحكمة التغاضي عنه، وهو ضرورة وطنية لتصحيح مسار العملية السياسية وإنهاء الشغور في الرئاسة الأولى, وهذا هو لب ما اراد الحريري ايصاله لجماهيره, تمهيدا لمراحل اخرى ينتقل اليها الطرفان بعد اتخاذ خطوات عملية على الارض تستكمل التمهيد للوصول الى الاهداف المرجوة من الحوار.
نقول, ان خطاب الحريري كان يعبر عن التوجه السعودي في مقاربة الازمة اللبنانية بامتياز, ويعكس استمرار وجود قرار سعودي وغربي بتحييد لبنان عن صراعات داخلية, ومنع تحوله الى امارة سلفية تكفيرية على شاكلة سوريا حتى الان.
الخطاب ادى ما عليه من دور حول تأمين ارضية تجهز لنتائج قادمة ستنبثق عن الحوار, مثبتا نقاطا خلافية في التوجهات السياسية يتمتع بها كلا الطرفين المتحاورين, ومؤكدا على حكمة وأهمية الحوار وضروته الاستراتيجية, لما يجنب لبنان فتنة خطيرة واشار الى اتفاق المتحاورين على مواجهة التكفير والتسويق للوسطية, والوقوف خلف الجيش لتنفيذ خططه الامنية على كامل الاراضي اللبنانية.
حوار حزب الله وحزب المستقبل لا يعني ان الطرفين يريدان الوصول الى تفاهم يشبه ذاك الذي حصل بين حزب الله والتيار الوطني الحر, ولا يعني ايضا ان التحاور سيزيل كل الخلافات والتعارض في التوجهات بين الحزبين, ولا يعني ايضا ان حزب الله اصبح تيار المستقبل ولا العكس.
فالخطاب كان متوقعا, وما اثارته النارية والحماسة التي القي بها الخطاب ليس الا صخبا يهدف الى تأمين التفاف آمن للسياسة الجديدة للمستقبل التي تمهد للعب دور مواجهة التيارات التكفيرية التي تهدد لبنان وأمنه, عبر الوصول الى الحكومة من جديد وتولي هذه المهمة وفق الدعم من قبل حزب الله والجيش اللبناني والمؤسسات الامنية اللبنانية.
فهل نرى رئيسا للجمهورية اللبنانية بعد فراغ طويل قريبا, يليها انتخابات نيابية تسووية يتبعها سعد الحريري رئيسا للحكومة اللبنانية, وفق خطة سياسية داخلية لبنانية, تنتج مشروعا متكاملا يجنب لبنان عاصفة تذهب بما تبقى فيه من وطن وشعب في مهب الريح الفتنوية العاصفة في العالم العربي, ويسجل بذلك ضربة سياسية باهرة لحزب الله والمستقبل برعاية وقبول اقليمي واضح !!؟؟