الوقت - لا شك أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما سيرحل بعد أقل من شهرين، تاركاً إرثاً ثقيلاً لخلفه الذي سيغرق في الكثير من الأزمات الداخلية، كما الخارجية. فيما تتصدر تلك الأزمات، الحرب العنصرية بين البيض والسود، والمطالبات الداخلية بإصلاح نظام الشرطة، الى جانب المطالبات في إصلاح الكثير من الأنظمة الداخلية. لكن الأهم من كل ذلك، هو الأساليب التي يتم استخدامها في السباق الرئاسي الحالي، لجهة أنها المرة الأولى التي يجري فيها إتهام المرشحين لبعضهم البعض، وداخل البيت الواحد، إتهاماتٍ لم نشهدها من قبل في سباق المرشحين الأمريكيين. خصوصاً تلك التي تتحدث عن فساد أو سرقة، أو خرقٍ لنظامٍ داخلي، أو تهديدٍ للأمن القومي الأمريكي، أو علاقة بدولٍ معادية أو خصمة. وهو ما دفع الخبراء للوقوف عند الحال التي وصلت لها الديمقراطية الأمريكية من الإبتذال. فكيف يمكن تحليل دلالات ذلك؟
العنصرية كدليل على فشل الديمقراطية، أولى تحديات الرئيس الأمريكي القادم
إن المهم، هو حقيقة التوصيف الذي يجب إطلاقه على الوضع الداخلي الأمريكي. حيث أن الأزمات الحالية، تكشف بأن واشنطن بعيدة كل البعد عن بلاد الحريات والديمقراطية، في حين أضحى العالم بأسره يرى حجم المشكلات التي تعصف بالداخل الأمريكي لأسباب انتقاص الديمقراطية. وهو ما جعل الكثير من المحللين، يؤكدون بأن فَشل واشنطن في مواجهة العنصرية، أبدى عدم قدرتها على التربع على عرش الدول المثالية في عالم الديمقراطية. فيما يمكن الإستدلال على سخط الصحافة الغربية من هذه المسألة، وإيلائها الإهتمام الأكبر من خلال التالي:
- أكدت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية بداية شهر تموز المنصرم، أن هناك أصوات داخلية قوية تدعو لإصلاح نظام الشرطة الأمريكي. خصوصاً بعد أحداث العنف التي انتهت بقتل الشرطة لشابين سود في مانيسوتا ولويزيانا، وما أعقبه من مشكلات إطلاق نار أسفر عن مقتل خمسة ضباط شرطة في دالاس.
- وبتاريخ 11 تموز 2016، نشرت صحيفة الغارديان البريطانية، إحصائية تتحدث بالأرقام، عن جرائم الشرطة بحق السود، حيث أكدت أن هناك 1134 مواطناً أفريقياً قتلوا على يد الشرطة الأمريكية عام 2015 بطرق عدة، و 1010 قتلوا بالطلقات النارية، و49 بإستخدام المسدس الكهربائي و41 في السجون جراء التعذيب و33 مواطناً أفريقياً ماتوا من خلال دهسهم بالمركبات.
شواهد بلسان المرشحين
يمكن القول إنه من الطبيعي تبادل الإتهامات بين المرشحين للرئاسة أو لأي منصب حسَّاس في أي بلد أو مكانٍ في العالم. لكن الجديد في السباق الرئاسي الأمريكي الحالي، كان خروج الإتهامات عن المألوف. خصوصاً بعد أن كانت تهم الفساد وتخطي القوانين الداخلية، واستهداف الأمن القومي الأمريكي، أهم تلك التهم، وداخل الحزب الواحد. وهنا بعض الأدلة:
- في نهاية الشهر الأول من العام الحالي، وقبل أيام من الإنتخابات التمهيدية للرئاسة الأمريكية في ولاية آيوا، اتهم دونالد ترامب منافسه تيد كروز، بأنه "على علاقة غرامية مع وول ستريت" بحسب تعبير ترامب، بعد أن فضح حصوله على قرض بفائدة مخفضة من بنك غولدمان ساكس الذي تعمل فيه زوجته، من أجل تمويل حملته الإنتخابية لمجلس الشيوخ عن ولاية تكساس في العام 2012. فيما رد كروز بشريط دعائي يصف فيه دونالد ترامب بأنه رجل أعمال بلا أخلاق وانتهازي، ويعارض ما يُسمى بـ "قيم نيويورك"، حيث يؤيد الإجهاض والزواج المثلي وقوانين نزع الملكية ويتهمه بالإستفادة منها لبناء الكازينوهات التي يملكها.
- بتاريخ 11 شباط 2016، اتهم ترامب منافسه الجمهوري كروز، بأنه سرق الفوز من المرشح بن كارسون، حيث قام بالغش لتجيير الأصوات لصالحه. كما أطلق عليه صفة الكذب، لإدعائه بأن ترامب يؤيد برنامج الرئيس الحالي باراك أوباما للرعاية الصحية. فيما تناقل موقع "تويتر" تغريدة لترامب، يدعي فيها أن تيد كروز فاز "بطريقة غير قانونية".
- في 9 آذار وخلال مناظرة تلفزيونية بين المرشحين الديمقراطيين هيلاري كلينتون وبيرني ساندرز، واجهت كلينتون أسئلة حول استخدامها لخادم شخصي وحساب إلكتروني خاص وهو ما يعارض القانون المتعلق بوزارة الخارجية الأمريكية، حيث أقرت بأن ذلك كان خطأً ليست قلقة تجاهه. في حين أبدت استغراباً عند سؤالها حول ما إذا كانت ستنسحب من السباق الرئاسي في حال توجيه إتهام قضائي إليها في المسألة، ورفضت الإجابة عن السؤال معتبرة أن ذلك غير وارد.
- خلال الشهر المنصرم، أشاد المرشح الجمهوري، دونالد ترامب، بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، معتبراً أنه الزعيم الأقوى في العالم، أكثر من الرئيس الأمريكي باراك أوباما. وهو ما جعل المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، تتهمه بالولاء لروسيا أكثر من أمريكا. الأمر الذي اعتبره الكثيرون كلاماً خطراً على سمعة واشنطن، لجهة أنه خرج من مرشحين لمنصب الرئيس. فيما شكَّلت دعوة ترامب لروسيا، لاستخراج 30 ألف رسالة بريد إلكتروني، تعود للفترة التي تولت فيها كلينتون منصب وزيرة الخارجية، صدمة للرأي العام الأمريكي، وجهاز السي أي إي، على اعتبار أن ترامب يحث حكومة تعتبر عدوة لواشنطن، على التجسس على الأمريكيين.
لا شك أن المستوى الذي تتصف به الإنتخابات الأمريكية الحالية، هو من الأمور التي لم تشهدها أمريكا من قبل. فالمتنافسون باتوا وكأنهم بعيدون عن قيم الخطاب السياسي. فيما كانت تصريحاتهم، محط إهتمام الخبراء، والتي جعلت بعضهم متطرفاً، كترامب الذي نطق بالكثير من العداء للإسلام، الأمر الذي لم ينطق به رئيسٌ أمريكي بالعلن. فيما كان سلوك كلينتون، والفضائح التي لاحقتها، محلَّ جدال الشارع الأمريكي، والذي وجد نفسه أمام مرشحين يتنافسون في إثبات أيٍ منهم أكثر فساداً من الآخر. وهو الأمر الذي سخرت منه الصحف الأمريكية، بطريقةٍ باتت تتحدث فيها عن إمكانية نشوب نزاعات داخلية أمريكية، ستكون من ضمن تحديات أي رئيسٍ أمريكي جديد. فيما يمكن القول إن جديد السباق الرئاسي الأمريكي الحالي، كان ضَربُ سمعة واشنطن الدولية.