الوقت- مع وقوع الانقلاب في تركيا في ليلة الجمعة اصبح وهم اردوغان المتوجس دائما من الخيانة امرا حقيقيا او ربما هناك من سعى الى القول بأن الوهم كان حقيقة، وفي جميع الاحوال منح الانقلاب فرصة لاردوغان لاثبات ادعاءاته، اما التحليلات التي حاولت تفسير الانقلاب واسبابه فقد تناول معظمها جانبا صغيرا من الاسباب او انها لم تكن ناجحة في تفسير ما وقع، ونحن هنا في صدد تقديم تحليل شامل ومنهجي عن هذا الانقلاب وسنقدم في الجزء الاول من هذا التحليل اسباب وقوع الانقلابات في تركيا ونبذة تاريخية عنها وفي الجزء الثاني سنتناول اسباب فشل انقلاب 15 يوليو 2016 وفي الجزء الثالث والاخير سنتطرق الى تداعيات الانقلاب وتبعاته.
ان تركيا شهدت في الآونة الاخيرة اوضاعا متردية ومتوترة فحدثت هناك تفجيرات دامية وتحدث اردوغان عن منح حق المواطنة للاجئين السوريين ما اثار ردود افعال وتراجعت السياحة في هذا البلد بسبب التوتر في المناطق الكردية ومن ثم قدم اردوغان اعتذارا للرئيس الروسي بشكل مفاجئ، ويضاف الى ذلك كله الاوضاع الاقتصادية المتردية، وهنا يعتقد المراقبون ان تدخل الجيش لم يكن مفاجئا حيث يعتبر الجيش نفسه مدافعا عن الديمقراطية العلمانية ومبادئ اتاتورك.
لقد اختار الانقلابيون موعد تنفيذ خطتهم بدقة ففي هذا التاريخ كان رئيس الجمهورية يمضي عطلة ومعظم قادة الجيش كانوا في اسطنبول للمشاركة في حفل زفاف ابنة احد الجنرالات، وقد هاجم الانقلابيون مراكز اعلامية وحكومية في انقرة واسطنبول وتحدثوا عن تشكيل مجلس للسلام ووصفوا اردوغان بالخائن ووعدوا بمحاكمته واعلنوا حالة الطوارئ فقصفت طائراتهم مبنى البرلمان وقيل ان نائبا قد قتل وجرح آخرون، كما سيطر الانقلابيون على جسري بسفور والسلطان محمد الفاتح الاستراتيجيين، لكن الانقلاب لم ينجح، فقد وصل اردوغان الى مطار اسطنبول في الرابعة صباحا وطلب من القادة العسكريين المعارضين للانقلاب وكذلك الشعب التركي النزول الى الشوارع ومقاومة الانقلابيين فحدثت مواجهات وقتل اكثر من 240 شخصا وهرب بعض العسكريين الانقلابيين الى اليونان.
تاريخ الانقلابات في تركيا
قد اسقط العسكريون عدة حكومات منتخبة في تركيا بذريعة عدم الالتزام بروح العلمانية الموجودة في الدستور او عدم الاهتمام بالامن القومي، ويبرر العسكريون هذه الانقلابات باقوال اتاتورك الذي طلب من العسكريين قلب الطاولة كلما شعروا ان مبادئ العلمانية اصبحت في خطر لكن ينبغي عليهم ان لايقوموا بتشكيل الحكومة ويفسحوا المجال امام تشكيل حكومات مدنية.
وقبل محاولة الانقلاب الاخيرة حدثت هناك 4 انقلابات عسكرية مهمة في تركيا اولها في مايو 1960 وقد اطاح هذا الانقلاب بحكومة عدنان مندريس، وقاد ذلك الانقلاب 38 ضابطا بقيادة الجنرال جمال غورسل واعفى الانقلابيون 235 جنرالا و5 آلاف ضابط من مهامهم واعتقلوا رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية جلال بايار وعدد من الوزراء وارسلوهم الى سجن في جزيرة "يصي ادا" وفي عام 1962 وبعد سلسلة محاكمات طويلة تم الحكم بالاعدام على رئيس الوزراء و14 شخصية اخرى واعدم هؤلاء لكن الرئيس بايار نجا من الاعدام لتقدمه في العمر وبعد 18 شهرا افسح الانقلابيون المجال امام اجراء انتخابات وتشكيل حكومة قانونية.
وفي عام 1971 حصل الانقلاب الثاني ونفذه الجيش وكان السبب هو وجود توترات خارجية وداخلية فالانقلاب حصل في ذروة الخلاف السياسي بين تركيا واليونان حول جزيرة قبرص وقد تم اسقاط حكومة سليمان ديميريل وادعى العسكريون ان حكومة ديميريل لم تلتزم بمبادئ اتاتورك وكانت عاجزة عن الدفاع عن المصالح القومية التركية وعاجزة ايضا عن الوقوف في وجه مطالب المثقفين واليساريين.
اما الانقلاب الثالث فقد وقع في عام 1980 وعرف بالانقلاب الأسود وهي اشد انقلابات تركيا دموية لأنها تسببت بعمليات قتل واسعة في تركيا وهو الانقلاب الثاني ضد حكومة سليمان ديميريل وقد تم محاكمة 230 الف شخص بعد هذا الانقلاب وحكم بالاعدام على 517 شخصا وتم اسقاط الجنسية عن 16 الف مواطن وقتل 171 سجينا تحت التعذيب واصبح الاكراد واليساريون ضحية لهذا الانقلاب.
وفي فبراير عام 1997 حصل الانقلاب الرابع بطريقة ناعمة، ويعرف هذا الانقلاب بالانقلاب الابيض واطاح بحكومة رئيس الوزراء الاسلامي نجم الدين اربكان وقد استطاع الجيش اجبار اربكان على التنحي عن السلطة بدون اراقة الدماء وتم حظر حزب الرفاه الذي كان ينتمي اليه اربكان.
وفي عام 2008 بلغت العداوة بين اردوغان والجيش ذروتها وهي عداوة بدأت منذ عام 2003 وكان اردوغان يدعي بانه ضحية انقلاب يستهدفه منذ سنوات وقد استغل اردوغان هذا الامر لاعتقال الآلاف من كوادر الجيش والمحامين والصحفيين وعمد اردوغان الى زرع الضباط والعسكريين الاوفياء له مكان من تم تنحيته وذلك من اجل قطع الطريق امام حصول انقلاب عسكري جديد.
وفي عام 2010 نجح اردوغان في شن حملة تصفية اخرى في صفوف كوادر الجيش فعزل العديد منهم واحالهم للمحاكمة وهذا يعتبر نجاحا آخر لأردوغان في ملف سمي بملف ارغنكون الذي يتمحور حول منع قيام العسكريين بتدبير انقلاب وهو من اعقد واطول الملفات في تركيا واصبح هذا الملف رمزا للمواجهة بين حكومة اردوغان التي تسمى بالاسلامية وبين العلمانيين الاتراك، وقد تشكل هذا الملف بعد كشف مخزن للسلاح في اسطنبول في عام 2007، وبسبب هذا الملف نال القائد السابق للجيش الجنرال ايلكر باشبو السجن المؤبد كما نال نواب وصحفيون احكاما بالسجن لعشرات السنوات.