الوقت- يعتبر كثيرون ان اسقالة رئيس الاستخبارات التركية "هاكان فيدان" وترشحه الى النيابة في البرلمان التركي خطوة جديدة يقوم بها اردوغان, خطوة من شانها ان تعكر علاقات تركيا بالكيان الإسرائيلي التي يعتبر "هاكان" الد اعدائه, لكن المهم ايضا" هو رغبة اردوغان تسليمه وزارة الخارجية في البلاد, مما يعني سياسة تركية خارجية ممزوجة بين الأمن والسياسية, بالاضافة الى الملف السوري الذي اخذ من "هاكان" ماخذا كبيرا" عندما كان يدعم المجموعات الراديكالية.
كان اسم "هاكان فيدان" شبه مغمور حتى في الصحافة التركية، قبل أن يصبح مديرا لـ «وكالة الاستخبارات الوطنية». ومنذ أيامه الاولى في منصبه الجديد، أصبح محط جدل واسع الاوساط التركية .
لكن من هو "هاكان فيدان"؟
ولد هاكان فيدان في العاصمة أنقرة عام 1968. درس وتخرج في مدرسة قوات المشاة المحاربة عام 1986، ومن ثم درس في مدرسة اللغات التابعة للقوات المشاة. كذلك فإن لديه خبرة عملية في ميدان الاستخبارات، وعمل بين عامي 1986 و2001، في «وحدة التدخل السريع» التابعة للحلف الأطلسي، وعمل في صفوف فرع جمع المعلومات السريعة في ألمانيا. وفي تلك الفترة نال إجازة في العلوم السياسية من جامعة ميريلاند الأميركية، قبل أن ينجز الماجستير والدكتوراه في جامعة بيلكنت في أنقرة، مسقط رأسه وهنا لا بد من وضع مجموعة من علامات الاستفهام حول دور فيدان، الذي كان «شاويشا»، وهو منصب لا مستقبل له في الجيش التركي، لأنه لن يترفع كثيرا من خلاله مهما طالت مدة خدمته، بالاضافة أيضا إلى أن فيدان ذهب للخدمة في قواعد «الناتو» لمدة أربع سنوات، وكان يُعرف عن هاكان فيدان أنه متدين، ولكن في تلك الفترة كان المتدينون يطردون من الجيش التركي، فكيف يكافئ متدينا ويرسل للعمل في أهم مؤسسات «الناتو»؟ وهنا تكثر الشبهات حول فيدان، لأن الفترة التي أرسل بها هاكان إلى ألمانيا كانت تركيا تعيش فترة انقلاب 28 فبراير (شباط)، ولهذا يبقى إرساله على أساس أنه متدين إلى ألمانيا محلا للسؤال والشك ,ولكن الذي يثير اهتمامنا أن هاكان فيدان بعد الاستقالة مباشرة بدأ العمل في السفارة النمساوية في أنقرة كمستشار سياسي. واللافت للنظر هو أن هناك شخصين مهمين الآن في تركيا أيضا كانا قد عملا مستشارين للسفارة النمساوية في أنقرة، أحدهما وزير المالية محمد شمشيك، والآخر سعاد كينيكلي أوغلو، وهو عضو في اللجنة المركزية للعدالة والتنمية وعضو برلمان عن الحزب وأيضا من أصول عسكرية.
ان دخول "هاكان" المعترك السياسي وخاصة في وزارة الخارجية له دلالت عديدة واصداء كثيرة خاصة في العلاقة مع الكيان الاسرائيلي الذي يعتبر هاكان المسؤول المباشر عن اسطول الحرية الذي ادى الى تأزم العلاقات الاسرائيلية التركية , ويعتبره الاسرائيليون مهندس تعميق العلاقة الايرانية التركية عندما كان مدير مكتب اردوغان, وتفيد المصادر الاسرائلية جزمها الدور الذي لعبه الى جانب داوود اغلو في ابرام الاتفاق النووي الثلاثي بين تركيا وايران والبرازيل الذي وقع في طــهــران فــي 17 أيــار الماضي.
لذلك قد تشهد الساحة التركية الاسرائيلية معارك مد وجذر الا انها لن تتخطى ماوصلت اليه العلاقة بعد حادثة اسطول الحرية"مرمرة" , وذلك بسبب توحد المشروعين التركي والاسرائيلي حيال الملف السوري وبالتالي توحيد الجهود الاستخبارية للخوض اكثر في تأزيم ما هو متازم في سوريا , وخاصة ان "هاكان" له باع طويلة في دعم المجموعات الرديكالة السورية.
ان اختيار "هاكان " من قبل اردوغان للترشح للانتخابات البرلمانية التركية وترشيحه لوزارة الخارجية التركية, يعكس مدى رغبة اردوغان من احكام القبض على المفاصل السياسية والامنية في البلاد, فمن خلال تولي هاكان وزارة الخارجية يستطيع اردوغان التمادي اكثر في الملف السوري وخاصة دعم المجموعات المسلحة التي يعتبر اردغان نفسه الخاسر الاكبر في الساحة الشرق اوسطية, بعد الفشل الذي مني به بعدم سقوط الرئيس بشار الاسد, ولذلك تولي هاكان هذه الوزارة يعطيه دينامكية الحركة والدمج بين السياسة والامن وهذا هو زبدة التعامل مع الازمة السورية, بالاضافة الى رغبة اردوغان الانتهاء من الملف الكردي المرتبط نجاحه بإنجاح مرحلة الحل، فإن جميع الإيجابيات ستُسجل في خانة واردوغان و فيدان، وإذا عمّ السلام في الجنوب التركي فإن فيدان سيكون من الأوفر حظا للترشيح لرئاسة الوزراء وبالتالي بقاء الاردوغانية روحا" في السياسة التركية, ولكن إذا عاد حزب العمال الكردستاني لحمل السلاح، وفشلت مرحلة الحل، إلى جانب الفشل الذريع الذي نالته الحكومة في سوريا وعلاقة الحكومة مع مصر التي لا تبشر بالتفاؤل، وبما أن فيدان لعب دوراهاما في الثلاثة محاور، فإن الفاتورة سيدفعها فيدان، أي هو الآن على كف عفريت.
اما على صعيد العلاقات التركية المصرية , فان تولي هاكان منصب وزارة الخارجية قد يؤزمها نظرا" للصراع الحاصل بين الاخوان والسلطة في مصر, ولان "هاكان" يعتبر من المقربين من الاخوان كما اردوغان , لذلك كانت الزيارة التي قام بها الى مصر قبل 15 يوما " من الاطاحة بمرسي كنوع من الاتصالات التي كانت تجريها الحكومة التركية مع الإخوان المسلمين الذين كانوا في السلطة حينئذ حيث التقى بالرئيس الإخواني لبحث الأوضاع بمصر والتي وصفها بالحرجة ،ومع ذلك فشل المسؤول التركي في إنقاذ نظام الإخوان.
لذلك فان من المحتمل على الاقل ان تبقى العلاقة التركية المصرية على ما هي عليه, لان الوضع المصري لا يسمح بالانفتاح كثيرا" على الاخوان خاصة الاتراك, لان العلاقة المصرية مع السعودية علاقة مصلحة تقوم على الدعم المالي لمصر مقابل التضييق على الاخوان, ولان المصريين ايضا " يتهمون المخابرات التركية وعلى راسهم هاكان بالوقوف وراء دعم الاخوان بعد أن تم الكشف عن كميات كبيرة من السلاح التركي بالقاهرة وعدد من المحافظات بعد ثورة 30 يونيو.
اما عن خليفة "هاكان" تدور الأسئلة حاليا حول من خليفة رئيس الاستخبارات المستقيل؟ فالمعلومات تشير إلى أن خليفة رئيس الاستخبارات المستقيل، هو أمر لا يعلمه إلا الرئيس التركي،و رئيس الوزراء وفيدان، فحسب. ولكن المؤشرات كلها تتجه نحو نائبي فيدان، إذ أنهما كانا معنيين بملف المفاوضات الكردية الجارية مع زعيم الأكراد، عبدالله أوجلان. وترجح بعض المصادر أن يتم إسناد مهمة رئيس الاستخبارات الوطنية، إلى المستشار العام والنائب لفيدان، محمد درويش أوغلو وهذا ما يتكامل مع دور "هاكان" الخارجي في الموضوع الكردي.
اذا هي مرحلة تركية جديدة وخليطة من الامن والسياسة , هدفها انجاز ملفات عالقة وساخنة مثل الملف السوري الذي لم يتقدم به التركي اي خطوة , بل قد تكون عواقبه كارثية على تركيا التي تعتبر الممر الاساسي للارهابيين, واي بوادر حل للازمة في سوريا يضع تركيا امام صعوبات كبيرة, منها السعي لاجهاض اي تسوية ممكنة او الاستعداد لتلقي سم الارهابيين الذين حتما" سيعودون عبر الاراضي التركية وهذا الكابوس سيتحمله " هاكان" , بالاضافة الى المللف الكردي وعواقبه الوخيمة في حال الفشل , ناهيك عن وضع الاخوان في مصر وما يترتب على تركيا" ومصر".فالايام المقبلة ستوضح ما ستؤول اليه الاوضاع في تركيا, السياسية والامنية.