الوقت- مع سقوط الموصل بيد داعش، بلغ التنظيم الارهابي ذروته في التوسع والتمدد، وغصّت الصحف والمواقع الالكترونية آنذاك بالتحاليل والتقارير حول تداعيات هذا التمدد على دول الجوار، إلا أن الوقائع اليوم تشهد وضعاً مغايراً، في ظل فشل التنظيم الارهابي في الحفاظ على المناطق التي سيطر عليها في العراق والتقدم الذي أحرزته قوات الجيش العراقي والحشد الشعبي، التي استعادت أكثر من 60 بالمئة من مناطق سيطرة داعش، الأمر الذي يستدعي اليوم البحث حول تداعيات أفول نجم داعش وتراجعه الميداني في العراق على دول المنطقة بشكل عام وعلى سوريا بشكل خاص.
تقول المعلومات إن داعش الإرهابي خسر حتى الآن غالبية المناطق التي احتلها في محافظات العراق الغربية، وتحديداً في ديالى وتكريت وكركوك وأجزاء كبيرة من نينوى وسط تقدم كبير للقوات العراقية.
فبالإضافة إلى تحرير ديالى بالكامل شمال شرق بغداد، خسر التنظيم جرف الصخر في بابل، وامرلي وبلد والضلوعية وبيجي في صلاح الدين، كما أنه فقد ربيعة وسنجار وكل القرى الكردية في نينوى.
وأصبحت القوات العراقية على مرمى حجر من تحرير الموصل التي تحشد لها القوات العراقية من الآن، وذلك بعد التقدم الذي أحرزته قوات البيشمركة في مناطق كثيرة هناك، وبالتحديد في قضاء تل عفر وجبل سنجار، وصولاً إلى القيارة جنوب الموصل وقسم كبير من مناطق ربيعة، كما أن فرص هزيمة داعش كبيرة جداً نظراً للروح المعنوية المتدنية لدى مقاتليه مع خسارته أكثر من نصف قادته، على رأسهم، أبو مسلم التركماني وهو نائب أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم.
ويشير مراقبون أن التطورات الأخيرة في العراق ستضع داعش أمام خيار وحيد، وهو نقل مركز ثقله من جديد إلى سوريا بدلاً من الموصل، الأمر الذي سيكون له تداعياته على أحداث الأزمة في سوريا وسيؤدي إلى بروز واقع جديد ونتائج عديدة، نذكر منها:
أولاً: إن تراجع داعش في العراق سيؤدي إلى كسر هيبة التنظيم الارهابي أمام شعوب المنطقة، والتي حاول جاهداً أن يكرسها على مدى سنوات من خلال أعماله الدموية المتوحشة وصدم المجتمع من خلال العنف الشديد والسادية التي يمارسها على المواطنين المدنيين العزّل في المناطق التي يسيطر عليها، وسيحد ذلك من قدرة داعش على تجنيد المزيد من المحاربين وجذبهم إلى ساحة المعركة.
ثانياً: سيبرهن هذا التراجع على أهمية دور المقاومة الشعبية المتمثلة في العراق بقوات الحشد الشعبي، في محاربة الارهاب، وسيكرس معادلة واضحة بأن دحر الارهاب لا يمكن أن يتم دون الاعتماد على القدرات المحلية والحضور الميداني وتكاتف أبناء الشعب الواحد لمواجهته، وأن التدخلات الخارجية بما فيها الضربات الجوية التي تنفذها قوات التحالف تبقى محدودة التأثير، وأن العامل الأساس في هزيمة الارهاب هو الوحدة الوطنية والمقاومة الشعبية.
ثالثاً: لا شك أن هزيمة داعش في العراق ستؤدي إلى رفع الروح المعنوية لدى الجيش السوري وقوات الدفاع الوطني، وزيادة إيمانه بقدرته على مواجهة الارهاب ودحره بعيداً كما فعل الشعب العراقي.
رابعاً: سيصبح محور المقاومة أكثر تفرغاً لساحة المواجهة السورية، مما سيتيح لحلفاء سوريا تخصيص المزيد من الدعم للدولة السورية، والوقوف إلى جانبها في القضاء على الارهاب.
خامساً: من ناحية أخرى ستصبح سوريا ساحة الصراع النهائية بين قوى التكفير ومحور المقاومة، والذي يضع سوريا بشعبها وجيشها وحكومتها أمام استحقاق كبير، حيث سيعمل داعش على نقل مركز ثقله إلى الأراضي السورية، وستقبل سوريا على مشهد معقد من حيث تعدد الأطراف المعارضة للنظام السوري وتعدد الدعم الاقليمي لهذه الأطراف، الأمر الذي يستدعي من سوريا أن تكون على أهبة الاستعداد لمواجهة المرحلة القادمة، والبقاء يقظة إلى أقصى حد ممكن.
فسوريا بموقعها الاستراتيجي الهام، قدرٌ لها أن ترسم مستقبل المنطقة والعالم، وأن تكون على أرضها معركة الفصل مع قوى الارهاب في المنطقة، المعركة التي ستنتصر فيها لامحالة، بعد الصمود الأسطوري الذي سطّره أبناءها طوال السنوات الماضية من الحرب الكونية التي أدارتها قوى أقليمية ودولية ضدها، خاصة وأن لسوريا أصدقاء اقليميون أوفياء يتمثلون بالجمهورية الاسلامية وحزب الله وبقية أركان محور المقاومة.