الوقت - يبدو أن سلوكيات رئيس وزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" التي تثير السخرية لدى الكثير من القادة العسكريين في كيان الإحتلال ستقوده إلى نهاية محتومة وقريبة جداً، خصوصاً بعد تولي وزير الخارجية الأسبق المتطرف "أفيغدور ليبرمان" لحقيبة وزارة الحرب خلفاً لـ "موشيه يعلون" الذي إستقال من منصبه إثر خلافات داخل الإئتلاف الحكومي الذي يترأسه نتنياهو.
ومنذ إندلاع الإنتفاضة الفلطسنية الثالثة المعروفة بـ "إنتفاضة القدس" أو "إنتفاضة السكاكين" في مطلع أكتوبر/تشرين الأول 2015، والتي أدت إلى مقتل وجرح الكثير من القوات الإسرائيلية وأدخلت الرعب في نفوس المستوطنين الصهاينة، تصاعدت الأزمة بين نتنياهو والقادة العسكريين في كيان الإحتلال، وإنعكس ذلك بشكل واضح خلال تصريحات المسؤولين الإسرائيليين ومن بينهم وزير الحرب السابق "موشيه يعلون" الذي إنتقد بشدّة تصرفات نتنياهو في كيفية مواجهة الإنتفاضة الفلسطينية ووصفها بالمتخبطة وغير المجدية.
كما إتهم "يعلون" نتنياهو بأنه ساهم بإنحطاط القيم الأخلاقية في الأوساط الإسرائيلية، وتعميق حالة الخوف والهلع من تداعيات إنتفاضة القدس التي شلّت حركة الكثير من المستوطنين لاسيّما في القطّاعين الإقتصادي والسياحي.
من جانبه وصف وزير الحرب الإسرائيلي الأسبق "إيهود باراك" إجراءات نتنياهو بأنها تسببت في نشر الرعب في أوساط الإسرائيليين وعمّقت أزمة الثقة بين الحكومة والمستوطنين، وفشلت كذلك في المحافظة على علاقات متوازنة مع المحيط الخارجي لاسيّما مع الدول الغربية وفي مقدمتها أمريكا الداعم الرئيسي لكيان الإحتلال في كافة المجالات السياسية والعسكرية والأمنية منذ عقود من الزمن.
وإتهم "إيهود باراك" نتنياهو أيضاً بالسعي لثبيت نفوذه وتقوية مركزه في الحكومة الإسرائيلية على حساب الأمن العام، وهو ما أدى كذلك إلى إنعدام الثقة بين المسؤولين السياسيين الإسرائيليين أنفسهم من جهة، وبينهم وبين القادة الأمنيين والعسكريين من جهة أخرى، وبين الطاقم الحكومي بشكل عام والمستوطنين والمؤسسات الأمنية والعسكرية في كيان الإحتلال من جهة ثالثة.
وألمح "إيهود باراك" الى أن معظم القيادات السياسية والعسكرية في الكيان الإسرائيلي باتت تفكر بإزاحة نتنياهو عن السلطة بأسرع وقت ممكن، لفشله في إدارة الأزمات الداخلية من جانب، وتخبطه في مواجهة الإنتفاضة الفلسطينية من جانب آخر، بالإضافة إلى سوء تصرفاته الخارجية وتحديداً مع الإدارة الأمريكية الحالية برئاسة "باراك أوباما" التي فشلت هي الأخرى بإقناع نتنياهو بإستئناف مفاوضات التسوية المتعثرة منذ مدة طويلة مع السلطة الفلسطينية بقيادة "محمودعباس" بسبب إصرار نتنياهو على مواصلة بناء المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة بعد عام 1967، خصوصاً في الضفة الغربية التي تعد الآن معقلاً رئيسياً للإنتفاضة الفلسطينية الثالثة إلى جانب مدينة القدس المحتلة لاسيّما القسم الشرقي من هذه المدينة.
كما إتهم "إيهود باراك" نتنياهو بالسعي لإثارة الرأي العام داخل كيان الإحتلال بسبب فشله في مختلف المجالات السياسية والأمنية والعسكرية وعلى الصعيدين الداخلي والخارجي، وهو ما تسبب بإضعاف ما أسماه "الإستراتيجية الإسرائيلية" لضمان التفوق في ميزان القوى الداخلي لاسيّما بعد إخفاق نتنياهو في حسم أزمة قطاع غزة، والتي تفاقمت بشكل ملحوظ أثناء وبعد العدوان الإسرائيلي على القطاع في عام 2014، بسبب تمكن الفصائل الفلسطينية وفي مقدمتها حركتا "حماس" و "الجهاد الإسلامي" في رفع مستوى الجهوزية العسكرية لمواجهة قوات الإحتلال وتحديداً في مجال إطلاق الصواريخ المتوسطة المدى، بالإضافة إلى تمكن هذه الفصائل من حفر الكثير من الأنفاق بين القطاع والمناطق المحاذية له خاصة القريبة من المستوطنات الإسرائيلية، والتي أدخلت الرعب في نفوس المستوطنين لإمكانية إستخدامها من قبل الفلسطينيين بشكل مباغت في تنفيذ عمليات عسكرية وإيقاع خسائر بشرية ومادية في صفوف قوات الإحتلال والمستوطنين على حد سواء.
ورغم محاولات حكومة نتنياهو لكشف هذه الأنفاق وتدميرها وتمكن القوات الإسرائيلية من تدمير بعضها لازالت هذه الأنفاق تشكل كابوساً يقِضّ مضاجع الإسرائيليين خصوصاً وإنها قد حُفرت بطريقة ذكيّة وخفيّة جداً يصعب إكتشاف معظمها. وحسب التقارير المتوفرة فإن الكثير من هذه الأنفاق تم حفر بوّاباتها داخل منازل الفلسطينيين في غزة أو داخل بعض الأبنية الحكومية التي لا يمكن إكتشافها بسهولة رغم الأجهزة والمعدات المتطورة التي يستخدمها كيان الإحتلال لهذا الغرض.
وعلى الصعيد الإقتصادي تواجه حكومة نتنياهو مشاكل متعددة في مقدمتها رفض الفلسطينيين شراء البضائع الإسرائيلية في الداخل، وكذلك رفض الكثير من الدول الأوروبية مواصلة التبادل التجاري مع كيان الإحتلال بسبب مواقفه المتعنتة والمحرجة للعواصم الغربية، خصوصاً فيما يتعلق بمفاوضات التسوية مع السلطة الفلسطينية وبناء المستوطنات في الأراضي المحتلة والحصار الظالم المفروض على قطاع غزة منذ عدّة سنين.
من جانب آخر تضرر القطاع السياحي في كيان الإحتلال كثيراً بسبب العمليات النوعية التي ينفذها الفلسطينيون ضد المستوطنين من ناحية، وخوف السيّاح الأجانب من الذهاب إلى الأراضي المحتلة في الوقت الحاضر، بالإضافة إلى مغادرة قسم كبير من المستوطنين لهذه الأراضي لخشيتهم من الإستهداف الفلسطيني كما أسلفنا قبل قليل.
إلى جانب هذه الأزمات هناك أزمة أخرى تواجه نتنياهو أيضاً تتمثل بالتكتلات السياسية التي يقودها بعض المسؤولين السياسيين والعسكريين السابقين في الكيان الإسرائيلي، والتي تضم في صفوفها عدد من الحاخامات التي تحرّض بدورها ضد نتنياهو، خصوصاً بعد فشله في السيطرة على الإنتفاضة الفلسطينية الثالثة وإخفاقه في تهويد الكثير من المناطق المقدسة في الأراضي المحتلة لاسيّما في القدس الشريف.
ويعتقد زعماء هذه التكتلات بأن نتنياهو فشل في كل شيء ونجح في جانب واحد فقط وهو جرّ الكيان الإسرائيلي إلى مزيد من الأزمات بسبب سياسته الرعناء ومحاولته إسترضاء العناصر المتطرفة في كيان الإحتلال لاسيّما وزير الخارجية الأسبق، وزير الحرب الحالي "أفيغدور ليبرمان".
من خلال قراءة هذه المعطيات يتبين بوضوح أن نتنياهو بات يقترب كثيراً من نهايته وباتت هزيمة حكومته التّامة وشيكة جداً في ظل التذمر العام من سياساته في شتى المجالات ورغبة الكثير من القيادات العسكرية والسياسية والحاخامات اليهودية بإستبداله خوفاً من إنفراط العقد السياسي والإجتماعي والأمني برمته، تحت وقع الأزمات المتفاقمة والضربات المباغتة والموجعة التي توجهها الإنتفاضة الفلسطينية الثالثة في عمق هذا الكيان المتهاوي، رغم محاولة نتنياهو ومعه عدد من القيادات الإسرائيلية بالتظاهر بالتماسك والتحدث بأسلوب يهدف إلى إيهام الرأي العام بأن كيان الإحتلال لازال قادراً على إحتواء هذه الأزمات، ولكن وكما يقال في المثل المعروف "لا يمكن تغطية الحقيقة بغربال".