الوقت- مضی عام ونصف عام علی انتزاع الضباط المصريين لکرسي الرئاسة من محمد مرسي والزج بأتباع إخوان المسلمین بالسجون، والآن تعود هذه الجماعة بوجوه جدیدة بعد جراحة داخلية.
إبان رئاسة مرسي مارس الأمين العام لجماعة الإخوان المسلمین في مصر محمد حسین، التهمیش بحق شباب الجماعة، فوقعوا في فخ الجماعات المتطرفة مثل داعش الارهابي. الأمر الذي حمل العقلاء في الجماعة علی إجراء تغييرات هيكلية حفاظاً علی قوة الجذب الإيديولوجي ، وتم اختیار هیئات قيادیة وبرامج جدیدة في انتخابات أجریت في مصر وقطر وتركيا وماليزيا والسودان.
وأبدت الجماعة رغبتها في التغییر في ثلاثة مجالات: التحرك نحو اللامركزية، المزيد من الاهتمام بالوعظ والدعوة والأعمال الخيرية، وإنشاء لجنة جديدة لـ"إدارة الأزمات والتعبئة". واختارت الهيكل التنظيمي لحرکة حماس في غزة نموذجاً لإعادة هیکلتها. والتغییر الأهم في هذا المجال هو تأسیس "لجنة الإدارات والحراك" التي وضعت هدفها إسقاط عبدالفتاح السیسي.
ولتحقیق ذلك یسعی الشباب الإخواني إلی إحیاء علاقاتهم مع الحرکات المدنیة التي شارکت في ثورة 25 يناير، ومن المحتمل أن یحدث اصطدام عنیف بینهم والرئیس المصري. ویتضح حجم الإجراءات القمعیة التي مارسها السیسي بحقهم من خلال 47 ألف شخص من المحتجین الذین زج بهم في السجون. ولهذا السبب فإن الإخوان الجدد سیقدمون علی إجراءات أکثر ثوریة في الرد علی السیسي.
المسؤولیة عن الهجوم على الجيش المصري في سيناء ومقتل 45 شخصاً على الأقل وإصابة 90 بجروح، ألقیت علی جماعة الإخوان، وبعد خمسة أيام حکمت محكمة مصرية بالإعدام علی183 شخصاً کانوا قد أدینوا بقتل 14 من رجال الشرطة، وبعد يوم واحد من الذكرى السنوية للثورة ضد مبارك، قتل 23 شخصاً أثناء احتجاجات مؤيدي ومعارضي الرئيس المصري في القاهرة. وکانت هذه الأحداث ذريعة لإلقاء السیسي اللوم على الإخوان واعتبارهم السبب في أعمال العنف التي وقعت في الماضي وستقع في المستقبل. ومؤخراً أجاز المتحدث باسم وزارة الأوقاف في حكومة المرسي "سلامة عبد القوی" قتل السیسي و"القادة الجناة".
لا نجد في مصر السیسي مکاناً لتوسيع نطاق الحريات أو إصلاح السلطة القضائية وأجهزة الدولة. والنمط التعسفي لحکم السیسي قد عمّق الأزمة، حیث وضع شرطاً واحداً للتصالح مع الإخوان، ألا وهو اعترافهم بـ"ثورة 30 يونيو" (یوم الإطاحة بمرسي). والیوم یقف الإخوان أمام خیارین، إما القبول باقتراح السیسي وبالتالي فقد قاعدتهم بين الشباب؛ وإما التحوّل إلی منظمة عنيفة وبالتالي تدمير جزء كبير من قاعدتهم التقليدية لدی الشعب.
وطالما تدرس جماعة الإخوان المسلمين القرارات والاستراتيجيات أو تكتيكاتها المقبلة، فإن السیسي سیدفع بمشروعه الکبیر نحو الأمام، ویرید انتزاع علم الإسلام السياسي الذي حملته الجماعة في مصر منذ حوالي 9 عقود، وعرض الإسلام عبر تفسيرات جديدة.
ففي کلمة ألقاها في الأزهر بمناسبة الذکری السنویة لولادة نبي الإسلام(ص) ورأس السنة الجديدة (2015)، دعا السیسي إلی "ثورة دينية" لإزالة القدسية من النصوص الدينية، زاعماً أن "إضفاء الطابع القدسي علی هذه النصوص والأفكار في القرون الماضية، قد جعل العالم کله عدواً لنا". وأضاف: لقد قلت مراراً وأقول مرة أخرى، نحن بحاجة إلى ثورة دينية ، وأمتنا الممزقة في تراجع وانهيار.
یشعر السیسي أن روح كالفن و لوثر الإصلاحيين المسيحيين قد تناسخت في جسده، ویجب أن یقدم وصفة جدیدة للإسلام. ویبدو أنه نسي أن أسلافه قد أصیبوا بالإحباط في معالجة القضايا المتعلقة بالإسلام.
ففي أعقاب الهزيمة في حرب عام 1967 والتي استمرت 6 أيام ، أجبر جمال عبد الناصر على الاستقالة من الرئاسة، ولم تفارقه أحزان تلك الهزیمة حتی وافته المنیة. وأما أنور السادات فقد قتل علی ید خالد الإسلامبولي العضو الشاب في جماعة الجهاد الإسلامي المصرية، بعد التوقیع علی اتفاقیة كامب ديفيد. وحسني مبارك الذي شاهد مجيء الإسلاميین مکانه في السلطة فجأة عبر الانتخابات.
یری السیسي نفسه مکلّفاً بمواصلة درب السادات ومبارك في قمع الإسلامیین، وفي الوقت عینه یسعی إلی بدء مرحلته الخاصة التي عنوانها إبداع البدیل الحکومي للإخوان والإسلام السیاسي . ولا یمکن للإخوان أن یبقوا في مأمن من هجمات السیسي من خلال تجدید الوجوه فحسب، بینما السیسي بدأ ثورته الدینیة من النخبة ورجال الدین. فعلی الإخوان أن یخلقوا أفکاراً حدیثة .
السیسي وداعش والسلفیون یهددون الأفکار الإسلامیة من ثلاث جبهات، وعلاوة علی ذلك فإن الإخوان والإسلام السیاسي في مصر عرضة للتهدید أکثر من أي شيء آخر، وذلك نتیجة جفاف روافدهم الفکریة. وفي الحقیقة إن هذه هي أقوی رصاصة أطلقها السیسي علی جماعة الإخوان المسلمین في مصر.