الوقت- عبر شاشة تلفزيون العدو، يقف مستوطن اسرائيلي في احد شوارع مدينة حيفا الفلسطينية المحتلة، بعد ان هرب مع عائلته من مستوطنة المطلة المتاخمة لبلدة كفركلا، لقد سمعت نتنياهو يدعونا للعودة الى منازلنا..ولكننا نحتاج الى سماع السيد حسن نصرالله، منه نعرف ان كنا سنعود ام لا، نعم لم المسؤولين عندنا من يقرر.. السيد نصرالله هو من يقرر.
كل المعطيات التي تناولت العملية البطولية التي نفذها مقاومو «حزب الله» ضد موكب عسكري للاحتلال الاسرائيلي داخل مزارع شبعا اللبنانية المحتلة، تؤكد ان السيد حسن نصرالله، وحين اطلع على كامل الوقائع الميدانية التي سبقت موعد التنفيذ، اختار المكان الاصعب والتوقيت الاصعب والهدف الاصعب، وبالرغم من ذلك، كانت كل الامور تسير بدراسة وافية.. لان الوضع لا يتحمل خطأ.. وفي حالة لحالة «حزب الله» الذي يخوض معركة تُقلق الاحتلال منذ تحرير معظم مناطق الجنوب في ايار العام 2000، وتنامى هذا القلق مع الهزيمة التي سجلت في العدوان على لبنان في العام 2006، ومع ما تحمله عملية مزارع شبعا من معان وما ستعطيه من رسم لخارطة المعادلة الجديدة، فان الخطأ ممنوع، فاجمع كبار المحللين الاستراتيجيين في مؤسسات العدو، العسكرية والامنية والاستخبارية، على انها ضربة تشير الى ان من مجموعة المقاومين الذين نفذوا العملية، محترفة في العلم العسكري ومحاطة بكل ظروف وخصوصية المنطقة، فضلا عن انها تتمتع بخبرة، شأنها شأن معظم الوحدات العسكرية في المقاومة، الا ان الخصوصية الاستثنائية للعملية فرضت ان تكون الضربة قادرة على رسم معادلة جديدة، تجعل من العدو يترحم على المرحلة التي سبقت عدوانه على "مزارع الامل".
وبرأي عدد من المحللين العسكريين الصهاينة، فان تظهير المعادلة التي حددتها صواريخ المقاومة التي استهدفت الموكب العسكري الاسرائيلي، جاءت في خطاب «شهداء القنيطرة» للسيد نصرالله.
عند ُاطلق الصاروخ الاول من قاذف الكورنيت، على آلية قائد السرية الصهيوني في لواء جفعاتي، في مزارع شبعا، جاء في اول تعليق عسكري اسرائيلي «يبدو ان هناك حدثا امنيا هاما».. من دون الاشارة الى نوعيته، وهو ما المح اليه امين عام «حزب الله» السيد حسن نصرالله..حين قال « بدأت العملية وانتهت، والاسرائيليون لا يعرفون شيئا». والاخطر ما كشفته الصحافة الصهيونية، نقلا عن ضباط في اجهزة الامن، ان لـ «حزب الله» القدرة المعلوماتية التي تمكنه من معرفة المكان الذي يجلس فيه قائد الكتيبة الاسرائيلية داخل سيارته، وهي من نوع « ايسوزو»، ويعتقد الاسرائيليون ان «حزب الله» اراد من استهداف الموكب الاسرائيلي بصواريخ «الكورنيت» الستة، ان يصيب اكبر عدد ممكن من الضباط والجنود، لقد اراد ابادة من في الموكب، والاخطر عند الاسرائيليين، تقديرات الاجهزة الاستخبارية الصهيونية، التي تتحدث عن ان هناك مخاوف من ان «حزب الله» لن يكتفي بالهجوم على مزارع شبعا، ولهذا ابقى جيش الاحتلال على كامل جهوزيته واستنفاره في مزارع شبعا وعلى طول خط الحدود مع لبنان، تحسباً لهجمات جديدة قد يشنها حزب الله.
نصرالله وضع قواعد جديدة للحرب
اعتبر المحلل العسكري في صحيفة «اسرائيل هيوم» الصهيونية، ان عودة الحدود الشمالية لتشكل ساحة «إرهابية» نشطة هي بشرى سيئة بالنسبة لإسرائيل. ومع كل الإحترام لغزة والضفة الغربية، إلا أن المواجهات في الشمال هي أمر مختلف تماما.
لقد انصت الاسرائيليون جيدا لخطاب السيد حسن نصرالله، يقول محلل الشؤون العسكري في القناة الثانية الاسرائيلية روني دانيئيل الذي اضاف «ان ما قام به نصر الله هو تحديد لقواعد جديدة للحرب، وفي الكيان الاسرائيلي ، بات الحديث اليوم، عن توازن ردع جديد مقابل التفوق العسكري الاسرائيلي.
ومعادلة «شهداء القنيطرة»، ليست فقط برد على كل هجوم اسرائيلي على الأراضي اللبنانية، بل أيضا برد على كل هجوم يتم على الأراضي السورية، ويضيف.. في لبنان القواعد تبدو واضحة، إذا هاجمت اسرائيل، فـ «حزب الله» يرد إنطلاقا من وظيفته كـ «حامي لبنان». فطبيعة الرد استُوحيت من عمق الضربة، وعمق الرد استوحي من قوة الخشية من التصعيد. هذه هي قصة حياتنا مقابل «حزب الله» دائما، مع عدة سنوات من الهدنة تلت حرب لبنان الثانية فترت قوتها مؤخراً بوتيرة طبيعية لكن مقلقة.
لم يكن «حزب الله» يحتاج لاجراء فحوصات عن حال التأهب والجهوزية والاستنفار عند الاحتلال الاسرائيلي، بل كان على معرفة وافية ودقيقة، بكل منطقة الجليل الاعلى مرورا بالمنطقة الحدودية مع لبنان، وصولا الى الجولان السوري المحتل وتخومها في مزارع شبعا اللبنانية المحتلة، وكلها تحولت الى مجمعات عسكرية مستنفرة، ورغم ذلك جاءتهم «جهنم» في وضح النهار، ليصبح لسان حال كبار قادة الكيان الصهيوني، السياسيين والعسكريين، ومعهم جيش من المحللين والاخصائيين في العلوم الاستراتيجية، ان «حزب الله» فرض معادلة جديدة، واجبر اسرائيل على ذلك.. وهو اليوم اكثر جرأة واستفزازية، يقول الخبير في شؤون الصراع العربي ـ الاسرائيلي اور هيلر.
لو اراد نصرالله ان يفتح الحرب فبامكانه ان يفعل ساعة يشاء
وينقل المحلل العسكري لتلفزيون العدو بار شالوم، عن مصادر امنية صهيونية وصفها بالرفيعة، في المؤسسة الامنية الصهيونية رأت في خطاب السيد نصرالله خطابا حربيا، ونصرالله لو اراد ان يفتح الحرب فبامكانه ان يفعل ساعة يشاء، ويقول: في حال نفذت الكيان الاسرائيلي اي عملية في هضبة الجولان،فان «حزب الله» سيرى نفسه حرا للعمل في مزارع شبعا، وهذه تعتبر سابقة خطيرة، وان هامش المناورة العسكرية للحزب بات واسعا،فيما الهامش عند الاسرائيليين تقلص بشكل كبير، لان ليس لديها المزيد من الادوات للرد على الحزب، لعدم الانجرار الى حرب شاملة تخشاها اسرائيل، اما المحلل العسكري للقناة العاشرة التابعة لتلفزيون العدو ألون بن دافيد، فقال ان هذا الاسبوع كان اسبوعاً اضطر فيه البيت الاسرائيلي والبيت الأبيض لاجتياز اختبار الاحتواء في الحدود الشمالية، وبرأي المحلل العسكري الاسرائيلي يوآف ليمور، فان ما حدث أثبت مدى عدم جهوزية الكيان الاسرائيلي لاحتمال حصول تصعيد في الشمال، ويقول بشيء من السخرية والتهكم.. «في المؤسسة الأمنية على ما يبدو لن يحبوا قراءة ذلك، لكنهم مدينون لـ «حزب الله» بشكل كبير على أنه وفر لهم حاليا فرصة كبيرة لمعالجة سلسلة أمور كان قد تم تأجيلها حتى الآن لأسباب مختلفة»، وينصح ليمور الجيش الاسرائيلي بتغيير أساليب عمله على طول الحدود مع لبنان.
خلاصة ما خرج به قادة الاحتلال، ان إيران وسوريا و «حزب الله» انتقوا سياسات هدفها خلق جبهة جديدة في الجولان.. فهل قامت فعلا هذه الجبهة.. مع اول قذيفة «كورنيت» اطلقت باتجاه الموكب العسكري الاسرائيلي؟
محمود زيات-الديار