الوقت- لا يختلف إثنان على خطر تنظيم القاعدة في جنوب اليمن، لا بل إعتباره الأخطر بين مختلف التنظيمات التكفيرية التي تدين بالولاء للقاعدة كجبهة النصرة في سوريا.
لم يفوّت هذا التنظيم الإرهابي الفرصة على نفسه منذ بدء العدوان في آذار/مارس 2015 حيث عمل على تقوية صفوفه وتوسيع رقعة نفوذه الذي بسطه على محافظات عدّة خارج حضرموت كشبوة أبين وعدن ولحج.
السعودية، ومن منطلق عدو عدوّي صديقي، عملت على دعم القاعدة في الفترة الأولى للعدوان حيث كانت اللجان الشعبية تتواجد في محافظة عدن، إلا أنه وبعد إنسحاب الجيش واللجان من المحافظة الجنوبية، فشلت قوات "هادي" في المحافظة على المدينة التي تعاني من فراغ أمني وسياسي وعسكري، وفق ما أوضح رئيس الحكومة السابق "خالد بحاح" بالأمس خلال المقابلة التي أجراها مع فناة الـ"بي بي سي" البريطانية.
التوسّع القاعدي في الجنوب اليمني، والذي حصل إبتداءً بغطاء سعودي، غدا في المرحلة اللاحقة مأزقاً كبيراً، ليس للشعب اليمني وكافة القوى العسكرية المتواجدة هناك فحسب، بل حتى للعديد من الدول الإقليمية والدولية، الأمر الذي دفع بالإمارات للطلب من واشنطن الدعم لمواجهة القاعدة في الجنوب.
فرنسا والقاعدة
تعد فرنسا من جملة الدول الخاسرة مباشرةً من التوسّع القاعدي في جنوب اليمن، الأمر الذي دفع بالاستخبارات الفرنسية لتزويد الإمارات بكل المعلومات عن الأشخاص الذين ينتمون إلى تنظيم القاعدة، مما أسهم في اعتقال قيادات بارزة في تنظيم القاعدة خلال الأيام الماضية، تم نقلها لاحقاً من حضرموت إلى الإمارات وفق بعض المصادر.
السؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق: ما الذي يدفع فرنسا للعمل الإستخباراتي ضد القاعدة في اليمن، خاصّة أن إعتقال قيادات عسكرية أمثال لطفي اليزيدي الملقب بـ "العم صالح"، وعبدالله عمر عاشور "أبو يونس"، و "أبو صهيب"، وسرور العبيدي وغيرهم، قد يولّد ردّات فعل عكسية ربّما تصل إلى باريس وشارل أبيدو؟ فهل جاء هذا التعاون من مبدأ مكافحة الإرهاب الذي تعزّز بشكل كبير في اليمن بسبب العداون؟ أم أن هناك سبباً آخر يقف خلف هذ التعاون؟
عند البحث في الإجابة على هذه الأسئلة، تتعزز الفرضية الأخيرة بوقوف أسباب آخرى خلف هذا التعاون الكبير بين الإمارات وفرنسا، ومع التدقيق مليّاً يظهر أن القطاع النفطي الذي غادرته فرنسا بسبب تدهور الأوضاع الأمنية التي تشهدها اليمن، يتربّع على رأس هذا التعاون الإستخباراتي مع الإمارات.
فرنسا والنفط
تعد شركة توتال الفرنسية أكبر مستثمر أجنبي في قطاع النفط والغاز باليمن وتقود تحالفا دوليا لتشغيل مشروع الغاز الطبيعى المسال بنسبة 39.62% وهو أكبر استثمار فى تاريخ اليمن، وكان إنتاج الشركة قد انخفض إلى 10 آلاف برميل يوميا عام 2014 بعد أن كانت تنتج 80 ألف برميل قبل سنوات.
اليوم، لم يعد العدوان الذي أيّدته فرنسا في صالحها، فقد أكدت مصادر مطلعة في وزارة النفط اليمنية، في وقت سابق، ان عدد من الشركات النفطية من المساهمة في مشروع الغاز بحقل بلحاف باليمن، من جملتها شركة توتال الفرنسية، قد اصدرت تهديدات خطيرة الي وزارة النفطية اليمنية برفع قضية دولية ضدهما ومطالبتهما بالتعويضات القانونية جراء توقف إنتاج وتصدير الغاز من مشروع بلحاف باليمن وذلك بموجب الاتفاقية المبرمة مع اليمن والتي تنص بان تلتزم اليمن بنصوص هذا الاتفاقيات بينهما.
لا ندري الجهة التي تريد محاسبتها الشركة الفرنسية، هل هي القاعدة أم وزير مستقيل ومنتهي الصلاحيات في بلد خسر بنيته التحتية والألاف من أبنائه بسبب دعم دول أمثال فرنسا للعدوان السعودي على اليمن؟
في الواقع إن كافّة الخسائر التي تكبّدتها الشركات النفطية الفرنسية في اليمن، جاءت بسبب العداون الذي حظي بتأييد باريس، ولعل التكلفة الإستخباراتية التي تدفعها اليوم فرنسا للعودة إلى مرحلة ما قبل العداون من الناحية النفطية تعد جزءاً من خسائرها إثر تأييدها للعدوان الذي عجز عن تحقيق أهدافه خلال أكثر من سنة ونيّف.
فرنسا تدفع اليوم جزءاً من تكاليف دعمها للعدوان، إلا أن الجزء الأكبر يتوجّب على الشعب اليمني فرضه عبر منع الإستثمارات النفطية الفرنسية، وربّما مقاطعة بضائعها.