الوقت- لا يمكن للذرائع التي ساقتها السعودية لمنع الإيرانيين من أداء فريضة الحج أن تكون مقبولة بشكل من الأشكال، ولا يمكن للمتابع لشؤون المنطقة أن يصدق المزاعم السعودية والتصريحات الصادرة عن وزير خارجيتها "عادل الجبير" بأن السعودية لا تسيس الحج ولا تحشر الصراعات السياسية في هذه الفريضة الالهية، فهذه ليست المرة الأولى التي تقوم السعودية لدواعي سياسية بالصد عن السبيل في هذه الفريضة الالهية، ففي العام الماضي منعت السعودية الحجاج اليمنيين والسوريين والعراقيين وحتى الفلسطينيين في الشتات، من أداء فريضة الحج ورفضت منحهم تأشيرة دخول، وكل ذلك لأسباب تتعلق بمواقف السعودية السياسية من الدول التي يأتي منها الحجاج.
هذا العام لن يكون بوسع الإيرانيين أداء فريضة الحج، وذلك بسبب العراقيل التي وضعتها السعودية أمام بعثة الحج الإيرانية، واجرائها تعديلات على مذكرة التفاهم السابقة التي جرى العمل بها طوال السنوات الماضية، وإضافة بنود سلبية تقضي بأن يتم منح تأشيرات الحج للإيرانيين في دولة ثالثة، ومنع الطيران الوطني الإيراني من نقل الحجاج الإيرانيين، إضافة إلى وضع قيود على عدد المستوصفات الصحية الإيرانية في السعودية وعلى نقل الادوية المستخدمة لعلاج الحجاج الإيرانيين في السعودية والمطالبة بالمعلومات الشخصية للأطباء الإيرانيين المرافقين للحجاج، وهي الشروط التي احتج عليها الجانب الإيراني.
وسائل الاعلام السعودية وتضليل الرأي العام
أما السلطات السعودية فقد نشطت آلتها الاعلامية في الأيام الأخيرة وكذلك الصحف والمواقع الالكترونية التي تدور في فلكها، بالترويج إلى ذرائع واهية تبرر منع الإيرانيين من أداء مناسك الحج، كان من أبرزها إقامة مراسم "دعاء كميل"، ومراسم "البراءة من المشركين"، وتوزيع نشرة "زائر" على الحجاج الإيرانيين، وهي الأمور التي كانت تجري خلال السنوات الماضية بعلم وتنسيق السلطات السعودية.
وزعمت السعودية أن إيران هي من تمنع مواطنيها من الحج، معلنة أن وفد شؤون الحج الإيراني رفض التوقيع على محضر اتفاق لإنهاء ترتيبات أداء مناسك هذا العام، الأمر الذي نفته منظمة الحج والزيارة الإيرانية مؤكدة أن الجانب السعودي تعمد وضع العراقيل واضافة بنود على مذكرة التفاهم التي كان يعمل بها خلال السنوات الماضية، مضيفة أن الجانب السعودي ماطل لمدة خمسة أشهر في اعطاء تاشيرة دخول للوفد الإيراني للتفاوض حول ترتيبات الحج.
وكانت صحيفة عكاظ السعودية قد استبقت وصول الوفد التفاوض الإيراني باعلان أن إيران رضخت لشروط الحج وأن الوفد جاء للتوقيع، في حين نفى" سعيد أوحدي" رئيس مجلس الحج الإيراني الأمر، مؤكداً أن الوفد الايراني وصل بناء على دعوة من وزير الحج السعودي الجديد، للتفاض حول ترتيباب الحج، وأن وزير الحج السعودي وافق على إقامة مراسم دعاء كميل وعلى توقيع مذكرة التفاهم، إلا ان السلطات السعودية أعلنت في اللحظة الأخيرة أن إيران لا يمكنها إقامة المراسم هذه المراسم لأن وزارة الداخلية السعودية قد رفضت ذلك.
وادعى الاعلام السعودي أن هذه المراسم إنما هي بدع وطقوس خطرة وشاذة وتثير القلاقل والفوضى، كما تضمنت الحملة الاعلامية السعودية الكثير من الاساءة لمعتقدات الشعب الإيراني والمذهب الشيعي بشكل عام. الأمر الذي ترى فيه الأوساط الشعبية الإيرانية، سياسة عدوانية تجاه الشعب الإيراني، خاصة بعد فاجعة منى في موسم الحج العام الماضي استشهاد مئات الإيرانيين نتيجة سوء الإدارة والتنظيم السعودي لأمور الحج.
فاجعة منى وعدم كفاءة الإدارة السعودية للحج
لم يكد الشعب الإيراني يضمد جراحه جراء فاجعة منى التي ذهب ضحيتها مئات الحجاج الإيرانيين موسم الحج الماضي نتيجة لسوء الإدراة السعودية، حتى جاء القرار السعودي بمنعه من الحج هذا العام، ليضيف على الذاكرة الإيرانية المزيد من المآسي التي تسببت بها السلطات السعودية بحق الحجاج الإيرانيين. ففي 1988 فتحت الشرطة السعودية النار على الحجاج الإيرانيين العزّل الذين رفعوا شعارات الموت لأمريكا والموت لاسرائيل خلال مراسم البراءة من المشركين، الأمر الذي تسبب بعشرات الشهداء والجرحى، وفي موسم الحج الماضي، دفع الحجاج الإيرانييون ثمن عدم كفاءة السعودية في إدارة شؤون الحج واستشهد منهم المئات بسبب التدافع، واغلاق السلطات السعودية المخارج ما أدى إلى وقوع الآلاف من الشهداء والجرحى.
دعاء كميل طقوس خطرة وشاذة!!
ومن ابرز الذرائع التي تعلل بها الاعلام السعودي لتبرير منع الإيرانيين من أداء فريضة الحج، كان "دعاء كميل" الذي وصفته صحيفة عكاظ السعودية بالطقوس الخطرة والشاذة، كما زعمت الصحيفة أن الدعاء المذكور والمنقول عن أمير المؤمنين علي عليه السلام إنما هو "بدعة خمينية مخالفة لكل المذاهب"!!، كما وصفت مواقع الكترونية أخرى الدعاء بأنه أحد "الطقوس الشيعية"!!، مصنفة الدعاء في الإطار السياسي الطائفي.
واعتبرت صحيفة عكاظ ان قراءة دعاء كميل "يخرج من إطار الممارسة الخاصة التعبدية إلى إطار الإخلال بالأمن من خلال التجمهر وعرقلة سير الحجاج، بالإضافة إلى الخروج عن النص والمظهر الأصلي والدخول في مظهر سياسي وهتافات وشعارات أصبحت تشكل خطرا ومضرة وشذوذا عن عامة المسلمين في الحج باختلاف مذاهبهم"
دعاء كميل الذي يحذر منه آل سعود: http://newsmedia.tasnimnews.com/Tasnim//Uploaded/Video/1395/03/10/139503101556225147804045.mp4
عجباً كيف يكون الدعاء أحد طقوس الشيعة وهو من أوله ليس فيه إلا مناجاة الله تعالى، دون أن يرد فيه إشارة إلى معتقد خاص من معتقدات الشيعة، بل يشمل الدعاء على معاني سامية في مناجاة الله وطلب الرحمة والعون منه، وهذا الدعاء لا ينتمي لا لدولة أو طائفة. وكيف يكون بدعة، ولم يدعي أحد أنه جزء من أعمال الحج الأيام التي تستغرق خمسة أيام، بل هو من الزاد المعنوي الذي يستزيد به الحاج خلال رحلته التي تستغرق شهراً، ولا يختلف أحد من المسلمين على استحباب الدعاء عند الحرمين الشريفين.
ثم كيف لمراسم الدعاء أن تخل بالأمن وتعرقل سير الحجاج، وهي كانت تقام طوال السنوات الأخيرة بجانب المسجد النبوي الشريف بالتنسيق مع السلطات السعودية ودون ترديد أي شعارات سياسية، ولم يحصل أن سجلت أي حادثة وقد أثنى حينها وزير الحج السعودي السابق على انضباط المراسم وتنظيمها. وأين هي المعاني المنحرفة في الدعاء، فهل أتعب كاتب المقال نفسه بقراءته، ليدلنا عن المفاهيم المنحرفة التي بداخله، ولكن لا شك بأن الكثير من القراء الذين لم يسمعوا بدعاء كميل من قبل قد اطلعوا عليه بعد الجدل الذي أثاره الاعلام السعودي حوله، وقد علق العديد من القراء على مقال صحيفة عكاظ السعودية بالتأكيد على أن الدعاء ذو معاني سامية وأنه لا يصدر إلا من نبي مرسل أو صحابي جليل.
اعتراض سعودي على مراسم البراءة من المشركين
وفي سياق تبريره لمنع الحجاج الإيرانيين من الحج، هاجم الاعلام السعودي مراسم "البراءة من المشركين" وزعم أن هذه المراسم تمثل انحراف منهجي عن معاني الحج وأن الامام الراحل الخميني (قد سره) قد ألزم الإيرانيين بها عبر هتافات طائفية لا تخلو من التأجيج والصراخ والعويل.
والسؤال أين هو التأجيج والطائفية في شعارات يرفعه الحجاج الإيرانيون في صبيحة يوم التاسع من خيامهم في عرفة، ينادون فيها "الموت لأمريكا، الموت لاسرائيل، يا أيها المسلمون اتحدوا اتحدوا.." أم أن الخوف هو على تأجيج المشاعر ضد السيد الأمريكي والشريك الاسرائيلي. وكيف تصبح هذا المراسم انحرافاُ عن معاني الحج وهي تشكل تجلياً واضحاً لنص القرآن الكريم: براءة من الله و رسوله الى الذین عهدتم من المشرکین (1) فسیحوا فى الارض اربعة اشهر و اعلموا انکم غیر معجزى الله و ان الله مخزى الکفرین (2)و اذان من الله و رسوله الى الناس یوم الحج الاکبر ان الله برىء من المشرکین و رسوله فان تبتم فهو خیر لکم و ان تولیتم فاعلموا انکم غیر معجزى الله و بشر الذین کفروا بعذاب الیم (3)
الأسباب الحقيقية لمنع الإيرانيين من أداء فريضة الحج
رئيس منظمة الحج الإيرانية "سعيد أوحدي" قال: مشكلة السعودية ليست دعاء كميل، الأمر هو إن السعوديين أجلوا المفاوضات خمسة أشهر ويضعون العوائق امام زيارة الحجاج لبيت الله الحرام. وأشار إلى أن السعوديين اشترطوا في مذكرة التفاهم بأن الحجاج الإيرانيين لا يحق لهم إقامة أي طقوس دينية في الفنادق، ولم يتمكن السعوديون من تبرير ذلك.
من الواضح أن السعودية تريد استغلال الحج لتصفية حساباتها الشائكة مع إيران، وتوظيف الحج لممارسة ضغوط على الدول والشعوب بما يخدم مصالحها، كما حصل مع اليمن الذي يمنع للعام الثاني على التوالي من الحج، وهي ما تزال تصر على التعبئة المذهبية والطائفية ضد الجمهورية الاسلامية وقد يكون أحد أسباب اصرارها على منع إقامة دعاء كميل في جانب المسجد النبوي، أن إقامة هذا الدعاء تسهم في إظهار الجانب الروحي والمعنوي للشعب الإيراني والشيعة الذين تسعى السعودية لشيطنتهم، والترويج على أنهم يتوسلون بالقبور ولا يناجون الله ولا يطلبون حوائجهم منه.