الوقت- صوت مجلس الشعب التركي وفي موقف شكل صدمة لأنصار اوردغان على نزع الحصانة عن الوزراء المتهمين بالفساد، ضمن إطار أكبر فضيحة فساد في التاريخ الحديث لتركيا. غير أن نواب «العدالة والتنمية» تمكنوا من إفشال التصويت، ومنع إحالة الوزراء إلى الهيئة العليا للمساءلة. ولكن النسب كانت هي محور الحديث هذه المرة، حيث كان المتوقع، بحسب أحد أركان الحزب، أن لا تتعدى عدد أصوات «العدالة والتنمية» التي تصوت لصالح نزع الحصانة، على عكس توجيهات قيادتها، الثلاثة أو خمسة أصوات. غير أنها راوحت بين أربعين وخمسين صوتاً. وهو ما أثار حالة من الذعر، ولا سيما عند فض الأصوات المتعلقة بالوزير السابق المسؤول عن مفاوضات الانضمام إلى الاتحاد الأوربي، أغمن باغيش، الذي كانت الأصوات الداعمة له منخفضة بشكل لافت، ولا تزيد على الأصوات المؤيدة لنزع حصانته إلا بعشرة أصوات. علماً أنه هو نفسه الوزير الذي سربت له أحاديث هاتفية يسخر فيها من القرآن الكريم، ويهين الذات الإلهية.
وبالرغم من أن الرئيس التركي، رجب طيب أروغان، استطاع أن يمنع إحالة الوزراء الأربع المتورطين بفضائح الفساد إلى الهيئة العليا للقضاء إلا أن التصويت، الذي جرى في مجلس الشعب، شكل مفاجأة مزعجة له، وكشف عن عدم تحكمه بكل المفاصل في حزبه، على عكس ما يدعي، وظهرت إلى العلن مشكلة النواب «الخونة» في حزب العدالة والتنمية التركي.
وفي هذا السياق يشهد حزب «العدالة والتنمية» الحاكم في تركيا أجواء استقطاب تُعتبر سابقة، اذ دعا نواب الحزب إلى تصفية زملاء «خونة» في الحزب خالفوا تعليمات الرئيس رجب طيب أردوغان و صوّتوا لمصلحة محاكمة 4 وزراء سابقين طاولتهم فضيحة فساد كبرى،.
واحتدم السجال، لأن المطالبين بـ «تصفية الخونة وتطهير الحزب منهم»، هم من الأصوات الجديدة المحسوبة على أردوغان، فيما وُجِّهت اتهامات إلى قيادات مخضرمة أبدت تململاً من سيطرة أردوغان على الحزب، على رغم استقالته منه وانتخابه رئيساً، ما يفترض حياداً سياسياً، وفق صحيفة "الحياة".
ويقود حملة «التخوين» النائب شامل طيار المقرّب من الرئيس، على رغم انضمامه إلى الحزب حديثاً، اذ اعتبر أن «الحزب يجب أن يبقى وفياً لأردوغان، ولو بعد خروج الرئيس منه». وأضاف : « مَن صوّتوا ضد الوزراء الأربعة، إنما أعلنوا دعمهم خطة الانقلاب عليه، وهذه خيانة ويجب كشف تلك الأسماء وتصفيتها».
وأتت تصريحات طيار بعدما اعتبر زعيم الحزب رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو أن «النواب صوّتوا في البرلمان، كلّ وفق ضميره»، مضيفاً: «لا يمكن لإدارة الحزب فرض وصاية على إرادة النواب»
ورجّح مراد يتكن، رئيس تحرير صحيفة «حرييت ديلي» الناطقة بالإنكليزية، تفاقم الاستقطاب داخل الحزب في شكل يُحرج داود أوغلو في 10 شباط (فبراير) المقبل، مع بدء فترة الترشّح للانتخابات النيابية المرتقبة في حزيران (يونيو) المقبل. واعتبر أن أسماء كثيرة محسوبة على أردوغان في أجهزة الدولة، تطمح إلى دخول البرلمان وقد تتخلى عن مناصبها البيروقراطية لمصلحة الترشح، بدعم من الرئيس، ما سيحرم داود أوغلو فرصة اختيار نواب جدد لحزبه وفق رؤيته السياسية. وتابع يتكن: «ما كان يجمع نواب حزب العدالة والتنمية في الدورات البرلمانية السابقة، هو الإخلاص للقضية، لكن الحزب مُقبِل على مرحلة جديدة الجامع فيها هو الإخلاص لأردوغان».
أما الرئيس السابق عبدالله غُل فأبلغ نواباً سابقين أن تركيا «تواجه تهديدات هائلة وكثيرة»، معتبراً أن «الطريقة الوحيدة للتصدي لها تكمن في تعميق ديموقراطيتنا»، كما أوردت «حرييت». وأضاف: «نتّبع طريق الديموقراطية منذ فترة طويلة، ورُفعت غالبية القيود، لكن علينا أن نرفع المستوى قليلاً». ولفت إلى وجوب «احترام حقوق الإنسان ودولة القانون»، منبهاً إلى أن «تحقيق الغالبية لا يعني بالضرورة استقراراً سياسياً».
وفي إطار سعي الحكومة إلى السيطرة على وسائل الإعلام والإنترنت، أعدّت مشروع قانون جديد بدل الذي ألغته المحكمة الدستورية، يمنح مؤسسة الاتصالات حقّ حجب عناوين وحسابات يديرها مجهولون على موقع «تويتر»، أو حجب تغريدات إذا سرّبت أسراراً حكومية أو تطاولت على جهات رسمية. ويسود اعتقاد بأن القانون الجديد مُفصَّل من أجل التخلص من حساب على «تويتر» يديره مجهول يُطلق على نفسه اسم «فؤاد عوني»، اذ يكشف أسراراً حكومية كثيرة ويسرّب أنباء دقيقة عن عمليات دهم واعتقالات قبل تنفيذها. ويزعم مالك الحساب أنه يعمل في منصب بارز قريب جداً من أردوغان، لكنه يسرّب أسراره بسبب اعتراضه على سياساته.
في غضون ذلك، أعلن محام أن فتىً عمره 16 سنة كان سُجن لفترة وجيزة لاتهامه بإهانة أردوغان، سيمثل أمام محكمة الأحداث في 6 آذار (مارس) المقبل. وأشار إلى أن الفتى يواجه حكماً بسجنه 3 سنوات، إذا دين.
بدوره، حاول أحد الكتاب المقربين من النظام الأردوغاني، واسمه فاتح تيزجان، تعليل هذه الظاهرة بالتلميح إلى أن النواب هؤلاء تعرضوا للابتزاز عبر أشرطة جنسية تفضحهم.
من جهتها نقلت مواقع إخبارية مقربة من حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة، أن نوابه قيموا هذه الظاهرة بأنها اعتراف بارتكاب الفساد، وأنه لن تكون هناك عودة إلى الوراء بعد الآن.
ورأى رئيس حزب الحركة القومية المتشدد، دولت باهتشلي، أن نسبة التصويت هذه تعني انخفاض الثقة بالحكومة، «وهو ما يعني أنها بحكم الساقطة» على حد تعبيره.
من جهته تقدم النائب المعارض، سهيل باتوم، بشكل ساخر، بمشروع قانون يزيل الاحتيال وتلقي الرشوة وتزوير الوثائق الرسمية من قائمة الجرائم التي يعاقب عليها قانون العقوبات التركي، وذلك عملاً بأحكام المادة الثانية من الدستور، التي تقضي بمساواة جميع المواطنين أمام الدستور.
ورأى باتوم أنه باعتبار أن من يرتكبون جرائم الاحتيال وتلقي الرشوة وتزوير الوثائق، في إشارة إلى الوزراء الأربع، لم يتعرضوا للعقوبة الواردة في قانون العقوبات، فيجب أن تزال هذه الجرائم حتى تتحقق المساواة بين المواطنين.