الوقت- لم يقفل الجولان السوري المحتل دفاتر رسائله النارية , فما يزال البريد الوارد من احداث الجولان ساخنا رغم ثلوج المرتفعات وصقيعها, وباتت منطقة الجولان واحداثها تتصدر المواقع الاخبارية ووسائل الاعلام الدولية والمحلية.
هضبة الجولان, بما يحمله الموقع الجغرافي والتاريخ الماضي والحاضر, عن هذه المنطقة من اثار استراتيجية, تركت في أسطر التاريخ أحداثا ومواجهات مهمة جدا لم تغب يوما عن الصراع العربي الاسرائيلي, بل خفتت زمنا لتعود وتطل مع الازمة السورية الى الواجهة فتتصدر مؤخرا المشهد الاعلامي.
الجولان الخاصرة الضعيفة لفلسطين المحتلة, المنطقة التي اصبحت مع امتداداتها على الحدود اللبنانية في جبال الحرمون " مزارع شبعا وجبل الشيخ " منذ انتهاء حرب ال 2006 تحت اعين ورصد المقاومة التي تعتبر المنطقة منطقة حساسة جدا وعارضا جغرافيا مهما جدا يؤمن للمتواجد فيه السيطرة بالرؤية والنيران, على جزء كبير جدا من شمال فلسطين.
بداية الصراع في الجولان: أتت التدخلات والاعتداءات الاسرائيلية عقب بداية الازمة السورية لتعطي سوريا وحلفائها الحق والحجة في فتح جبهة جديدة, وكان سابقا محور الممانعة قد حذر الكيان الاسرائيلي بعدم التدخل في الازمة السورية عبر ايقاف التنسيق والدعم والرعاية للجماعات المسلحة والتكفيرية وايقاف الاستهدافات العسكرية التي يقوم بها الكيان على الاراضي السورية بشكل متكرر, الأمر الذي لم تتجاوب معه تل ابيب, لتبدأ العمليات العسكرية في الجولان عبر عبوات تستهدف دوريات اسرائيلية والقاء قذائف وصواريخ مجهولة المصدر.
بعد توالي الاحداث الساخنة المتتالية في الجولان, تحولت المنطقة الى ساحة حرب حقيقية ذات طابع حساس جدا وأصبح دوي أحداث البقعة الصغيرة يفوق حدود المنطقة, لتصبح الهضبة واطرافها شعلة قد تشعل حربا كبيرة تجر المنطقة بأسرها للاقتتال.
الأحداث الأخيرة في الجولان وتداعياتها:
جولة من الاحداث الساخنة حملتها الفترة الاخيرة, تحدث عنها الاعلام وما زالت تداعياتها تتدحرج يوما بعد يوم, ففي اليومين الماضيين سقطت من الاراضي السورية صواريخ على الاراضي الفلسطينية المحتلة, حدث قابلته اسرائيل بغارات على مواقع للجيش السوري في المنطقة في ادعاء يدعي فيه الرد على مصادر الصواريخ.
الاحداث الاخيرة تؤكد مسعى اسرائيلي واضح بأن الكيان الاسرائيلي لا ولن يسمح للمحور المواجه له بفتح جبهة الجولان وأن موقفه صارم في عدم الاستعداد لتقبل اي نشاط للمقاومة في تلك المنطقة, وهذا ما حملته الغارات التي استهدفت موكبا قياديا لمحور الممانعة واستشهاد عدد من القاومين من بينهم مسؤول عسكري كبير في الحزب, وقائد في الحرس الثوري الايراني, ما فتح سجالا كبيرا بين الكيان الاسرائيلي ومحور الممانعة في صراع يهدف الى اعادة تحديد سقف لمعادلة الردع وقواعد الاشتباك بينهما, وسط تمسك واصرار اسرائيلي بايصال رسالة حاسمة بعدم قبول أي نشاط للمقاومة في الجولان, يقابله اصرار محور الممانعة لجر الكيان الاسرائيلي للالتزام بعدم التدخل في الشأن السوري وتخليه عن دعم المسلحين وايقاف الاعتداءات التي تطال اهدافا داخل الاراضي السورية, عبر تثبيت معادلة تقضي بكف التدخلات الاسرائيلية مقابل عدم تفعيل المقاومة في منطقة الجولان !!
دلالات مهمة جدا حملها التدخل الاسرائيلي المباشر في الجولان, ليحمل في طياته فشل الرهان الاسرائيلي على المجموعات المسلحة التكفيرية في المنطقة, حيث نشط مؤخرا جيش العدو في دعمه وتوجيهه للمسلحين لدفعهم للسيطرة على الجولان والمحيط في محاولة لتكرار تجربة جيش لبنان الجنوبي الذي كان يشكل خطا دفاعيا اوليا لاسرائيل, فما التدخل الاسرائيلي المباشر الا دليل عجز في تنفيذ المخطط واضطرار الكيان الاسرائيلي العدو الاصيل للتدخل العلني لتثبيت معادلات عجز عنها العدو الوكيل من الجماعات التكفيرية.
تطورات الساعة الاخيرة:
ومع جديد التطورات التي حملتها الساعات الاخيرة, حيث نفذ حزب الله عملية عسكرية معقدة طالت رتلا من الاليات العسكرية الاسرائيلية كان يتوجه لتدعيم القوات الاسرائيلية في منطقة جبال الحرمون الامتداد الجغرافي للجولان المحتل, استهدفها الحزب في عملية وصفت بالمعقدة حيث تم استدراج الجيش الاسرائيلي لدعم تلك المنطقة بعد بث اشاعات ورسائل صاروخية ومعلوماتية من قبل المقاومة, اوهمت الاسرائيلي بأن عملا عسكريا بريا سيقوم به الحزب في المنطقة , وما رافق هذا الاستدراج من رصد دقيق لمناطق العبور الممكنة للاليات الاسرائيلية والعتاد, وتنفيذ كمائن محكمة على هذه المعابر , أدت صباحا الى استهداف الرتل العسكري في منطقة تعتبر ضمن الاراضي اللبنانية المحتلة, في رد واضح وقاس جدا من قبل الحزب , الذي تبنت مجموعة له حملت اسم " شهداء القنيطرة "العملية النوعية التي فاجأت اسرائيل في مكانها وحجمها وألحقت خسائر كبيرة جدا في صفوف وحدة غولاني النخبوية في الجيش الاسرائيلي من بينهم ضباط وأصحاب رتب عالية.
لم يتأخر الرد على الكيان الاسرائيلي التي قامت باعتداءات القنيطرة, مطلقة ساعة الصفر في الصراع المفتوح, دفع الحزب للقيام برد يعيد قواعد الاشتباك لصالحه ويشكل ردعا للكيان الاسرائيلي عن القيام بمثل هذه الاعتداءات, ويرسم قواعد اشتباك جديدة تنطلق هذه المرة من الجولان.
لحظات من الضياع والتشت والهلع, تعيشها الاوساط الاسرائيلية، التي ومنذ اعتداء القنيطرة تعلن الاستنفار الامني والعسكري, وتعيش حالة من الاضطراب والتأهب الهستيري وتترقب الرد القادم وتحاول السيطرة على طبيعته عبر ادخال وساطات دولية مع ايران وحزب الله تطلب منها عدم الرد بشكل يجر المنطقة الى حرب.
العملية النوعية الأخيرة للحزب هل تعتبر تصفية حساب كامل متراكم بين الكيان الاسرائيلي والمقاومة, أم أنها دفعة أولى من فاتورة كان على الكيان دفعها؟؟
كثر الحديث في ساعات الحادثة الأولى عن تداعيات العملية التي قد تجر المنطقة الى حرب, لكن طبيعة الهدف ومنطقته المنتخبة بدقة وذكاء من قبل الحزب رغم قوتها من جهة, ووضع وسلوك الكيان الاسرائيلي الحالي المقبل على انتخابات داخلية من جهة اخرى, لا يرجح اشتعال حرب في المنطقة, تعيد خلط الاوراق بشكل غير محسوب في ظروف دقيقة جدا, في حين يظهر عدم استعداد الاطراف- ولو لزمن قصير مستقبلي - لخوض غمار الحرب, فالاحداث الأخيرة تستهدف ترسيم حدود جديدة لمعادلة قائمة في الصراع بين اسرائيل ومحور المقاومة, لإعادة ترتيب قواعد اشتباك كانت الاحداث السورية قد أجرت بعض التغييرات فيها, وما المواجهات الاخيرة الا اعادة صياغتها وتثبيتها وفق المتغيرات.
حزب الله نجح في ايصال رسالة قاسية جدا للكيان الاسرائيلي, قد يعيد رسم خطوط جديدة لسلوكه وتعامله مع الملف السوري ولجم تجاوزاته, وايقاف دعم المسلحين في مناطق الجنوب السوري, وهذه اهداف يريد الحزب الوصول اليها لتثبيت معادلة تقضي بأن هدوء الجولان منوط بوقف الغارات الجوية والدعم الاسرائيلي للمجموعات الملسحة في الجولان في المقابل الكيان الاسرائيلي الذي اراد أن يثبت للحزب الذي بدأ يكثف نشاطاته في تلك المنطقة , أن الجولان واللعب في ورقته هو خط أحمر.
الحزب وفق رد ذكي جدا وثقيل لم يعتد عليه الجيش الاسرائيلي الذي تلقى ضربة نوعية تحمل في طياتها لمسات من مقاومين راكموا خبرات كبيرة جدا في القتال منذ بداية الازمة السورية وطوروا اداءهم القتالي الذي ظهر بوضوح في العملية الضخمة, من تخطيط واداء ونتائج على المستوى العسكري تكاد تصل لحدود مقتلة أصابت الجنود المعتدين على السيادة اللبنانية في مزارع شبعا !! هذه الاحداث, ستترك صدا كبيرا في الوسط الاسرائيلي وتسلب نتانياهو ما كان يريد قطافه الى جانب رسالته العسكرية لمحور الممانعة, عبر استعراض للقوة يتبعه استثمار انتخابي.
أتت العملية لتترك بصمات ثقيلة على الجيش الاسرائيلي الذي بات يدرك أن حزب الله بعد سوريا ليس كما قبلها بل أقوى, وستثبت العملية اصول الاشتباك في الجولان لصالح المقاومة , ليعيد الكيان الاسرائيلي بذلك حساباته الف مرة في حال اراد الاقدام على اي عمل يطال الاراضي السورية كلها , ويمكننا القول أن الحزب سدد ركلته القاسية وسيراقب السلوك الاسرائيلي بعد العملية, ليلتزم الهدوء ان قابله الاسرائيلي بالتزام عدم خرق قواعد الاشتباك الجديدة أو يعيد تسديد لكمة أكبر وأقوى لن تكون حدودها محدودة بالعمل العسكري ضمن اطار اللعبة التقليدية هذه المرة بل ستتعداها الى ما هو اكبر وأقوى وأوسع !!
