الوقت- ما هو المدى الذي ستبلغه الحملة التي تشنّها واشنطن على طهران رغم إلتزام الأخيرة بالإتفاق النووي؟ ما هي الخطوات الجديدة التي ستُتّخذ في الكونغرس ووزارتي الخارجية والخزانة الأمريكيتين لإستمرار العقوبات على إيران؟ أسئلة يتردّد صداها بين الأوساط الإيرانية والأمريكية على حدّ سواء، في ظل تأكيدات أمريكية جديدة صدرت عن مسؤول كبير في وزارة الخزانة حول إستمرار العقوبات غير النووية على طهران.
كل التهديدات الأمريكية، ما خفي منها وما ظهر تسعى اليوم للإلتفاف على إلتزامات واشنطن في الإتفاق النووي الموقّع بين إيران والدول الست رغم أن إيران إلتزمت بتطبيق الإتفاق النووي وفق التقرير الذي صدر قبل أيام عن وكالة الدولية للطاقة الذرية. توضح الوكالة أن ايران "لم تخصب اليورانيوم" الى مستويات يحظرها الاتفاق، كما انها لم تنتهك موجباته بشأن مفاعل أراك الذي يعمل بالمياه الثقيلة.
أمريكا وبعد الإنتهاء من الملف النووي، إنتقلت إلى ملفات عدّة مع طهران على رأسها الملف الصاروخي، فقد أوضح رئيس مجلس النواب الأمريكي "بول رايان"، الأسبوع الفائت إن أعضاء الكونغرس سيستمرون في ممارسة الضغوط من أجل فرض عقوبات جديدة على إيران، مشيرا إلى أن هذه العقوبات مرتبطة بوقف إيران ما یدعی ب"سلوكها العنيف والاستفزازي"، في إشارة إلى إجرائها عددا من التجارب على الصواريخ الباليستية.
الحزب الجمهوري الذي ينتمي إليه رايان ويعارض الاتفاق النووي الذي توصلت إليه حكومة إدارة باراك أوباما، دعا عدداً من نوابه إلى فرض مزيد من العقوبات الأميركية على طهران، وذلك بعد موافقة المجلس في فبراير الماضي، على إجراء يقيد قدرة الرئيس أوباما على رفع العقوبات بموجب الاتفاق الجديد. لم يكن الملف الصاروخي وما یسمی ب"سلوكها العنيف والاستفزازي" وراء هذه الصجة الإعلامية الأمريكية فحسب، بل وصل الامر بمجلس الشيوخ الأمريكي للتساؤل عما إذا كان تطوير الهند لميناء في جنوب إيران لفتح منفذ تجاري قد يعد انتهاكا للعقوبات الدولية في حين قال "نيشا ديساي بيسوال" مساعدة وزير الخارجية لشؤون جنوب ووسط آسيا للجانب الهندي أن الإدارة ستفحص المشروع عن كثب.
المشرعون الأمريكيون في مجلس الشيوخ طالبوا الحكومة بمواجهة ما أسموه بالحملات السايبرية الإيرانية، وقد أوضح مسؤول كبير في وزارة الخزانة الأمريكية خلال جلسة الإستماع إلى هيئة الأمور الخارجية في البرلمان أن لا توجد خطة لدى بلاده لتحرير التعامل مع طهران بالدولار. المشرعون الأمريكيون في الشيوخ قدّموا عدّة قوانين عقوبات جديدة لضمّها إلى مشروع قانون الإنفاق الدفاعي 2017، وتهدف لوضع إستراتيجية جديدة و لمواجهة إيران.
ما حصل عملياً، هو أن كل هذه التهديدات والخطوات الأمريكية كان لها غاية واحدة، وهي أن تتحوّل طهران إلى مصدر قلق لكل من يرغب في الدخول إلى أسواقها التجارية أو التعامل معها بعد الإتفاق النووي. في الواقع، تسعى واشنطن على الصعيد الإعلامي لرمي الكرة في الملعب الإيراني عبر منع الشركات من الدخول إلى إيران تارةً تحت ذريعة النظام المالي الذي لا يراعي الشروط العالمية وأخرى عبر التهديد بالعقوبات في حال ثبت لهذه الجهات التعامل مع أي جهة متواجة على لائحة العقوبات الأمريكية ومن يدرك الواقع الداخلي في إيران يعي ما تريده أمريكا تماماً، فما الذي يمنع أمريكا من إتهام أي شركة تدخل إلى الأسواق الإيرانية بالتعاون مع الحرس الثوري، فأين الدلائل التي قدّمتها واشنطن على وابل التهم النووية قبل الإتفاق؟ أين أسلحة الدمار الشمال في العراق؟
لم تقتصر الحملة الأمريكية على واشنطن وأذرعها الإعلامية فحسب حیث لاقى وزير الخارجية البريطاني واشنطن في منتصف الطريق عندما قال خلال الزيارة التي يجريها حالياً إلى دول مجلس التعاون على "نتفهم قلق حلفائنا الخليجيين بشأن إيران ونعلم أنها تحاول زعزعة الأمن فى المنطقة"، وبالتالي في حال رفعت واشنطن حملتها المسعورة ضد الجمهورية الاسلامية الإيرانية قد تلجأ طهران إلى ردود أفعال جديدة تقطع الطريق على أي إمتيازات يسعون إليها من خلال هذا الصخب الذي يثيرونه.
وعند الدخول في أسباب هذا الهجوم الأمريكي الذي يتعلّق بشكل رئيسي بالقدرات الإقليمية لطهران، وقدرتها إلى إفشال، أو الحد من المشاريع الأمريكية في المنطقة عموماً، وسوريا على وجه الخصوص، لا يمكن التغافل عن الإنتخابات الرئاسيّة حيث ترتفع أسهم الهجوم الإعلامي على طهران في البازار الإنتخابي بغية الحصول على الدعم الإقتصادي من جماعات "اللوبي" أو الضغط السياسي.
يبدو أن سياسة أمريكا في رفع الضغط على إيران إلى الحد الأقصى تجري على قدم وساق، ضاربة عرض الحائط كافّة إلتزاماتها، وسبل المواجهة التي قد تتّخذها طهران.