الوقت-
لم تسلم الهدنة الاخيرة في سوريا كما سابقاتها من خرق الجماعات التكفيرية لها، فمؤخراً هاجمت هذه الجماعات وبالخصوص ما يسمى جيش الفتح منطقة خان طومان في ريف حلب الجنوبي، واستهدفت أحياء حلب الجديدة ونبل والزهراء، في هذا الخصوص تفيد المعلومات ان الاسابيع الاخيرة وبالتحديد ما قبل بدء الهدنة شهدت حركة تزويد ونقل للسلاح للجماعات الارهابية من خلال الجانب التركي. في هذا المقال سنحاول باختصار وضع بعض الاسباب التي تعد من معوقات وقف اطلاق النار على الاراضي السورية.
اولاً: هناك غياب حقيقي للمراقبون الدوليين على الساحة السورية، فمجريات الامور خاضعة لتداخل ايادي متعددة اقليمية ودولية كل يعمل وفق حساباته الشخصية، يضاف الى ذلك كثرة الجماعات الارهابية المقاتلة على الارض بوجه الجيش والشعب السوري والتي تمثل كل منها مصلحة خارجية، وبناء عليه فإنه يصعب تحديد من قام بخرق الهدنة، ولهذا يستفاد من هذه الثغرة لخرقها، خاصة وان بعض الجماعات وضعت على لائحة الارهاب واستثني بعضها الاخر، هذا المستثنى هو من يقوم بخرق الهدنة وفق المعطيات المتوفرة، وتشير التقادير الى ان عدد الجماعات الارهابية التي دخلت الاراضي السورية وصل الى حوالي 1200 مجموعة.
في سياق الحديث عن لعبة المصالح الخارجية على الاراضي السورية، فإن اردوغان ابدى تحفظه على اتفاق الهدنة، فعلى ما يبدو لم يرقى له هذه التفاهمات التي لا تحقق مصالحه المرسومة فقام بتحريك جيش الفتح في ادلب ومن وراءه النصرة، فاردوغان يرى ان النصرة وداعش وبالخصوص الاخيرة قد منيت في الآونة الأخيرة بهزائم متتالية في تدمر والقريتيين وتلقت ضربات موجعة وقاسية في العديد من المناطق الاخرى. ولهذا فإن حسابات السعودي والتركي تختلف عن الامريكية وان كانت تلتقي في المصالح الاستراتيجية الاساسية.
وبحسب المعطيات فإن تورط اردوغان والسعودية وقطر واضح في الخروقات الاخيرة وبالخصوص خان طومان، حيث تم إنشاء غرفة عمليات عسكرية بإشراف خبراء عسكريين من هذه الانظمة الداعمة والممولة للإرهاب في سورية وتسيير طائرات من دون طيار فوق المنطقة تبث تسجيلاتها مباشرة إلى الغرفة. هذا وأكثر من 100 ارهابي عبروا الحدود التركية مع محافظة إدلب خلال اليومين اللذين سبقا الهجوم على خان طومان خصيصاً لخوض معركتها وأنه كان من المخطط السيطرة على مناطق واسعة في الريف الجنوبي لحلب خلال زمن قياسي لكن تماسك الجيش وحلفائه حال دون تعديل خريطة السيطرة فيه بشكل كبير. يضاف الى ذلك ان اردوغان استثنى وحدات حماية الشعب الكردية وحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري من عملية وقف إطلاق النار، واستهدف مواقعهم في شمال سوريا.
ثانياً: هناك عدم جدية من قبل الدول الداعمة للارهاب وبالخصوص امريكا في اجراء هدنة حقيقية، وفي تأمل لتصريحات وزير الخارجية الأمريكي جون كيري خلال اليومين الماضيين، وبخاصة إعلانه أمام الكونجرس عن وجود خطة بديلة إذا فشلت الهدنة العسكرية، تعكس نية مسبقة لوجود مخطط امريكي في هذا الخصوص، فالخطة الامريكية المرسومة للمشهد السوري لا يمكنها تجاوز ثقل المحور المقاوم والذي جاء الروسي كعامل متوافق معها ليس الا، ولهذا كان الذهاب الى هدنة امر تكتيكي من قبل الامريكي.
ثالثاً: المناطق التي يشملها وقف اطلاق النار ليست محددة بدقة وبالتالي جرى استغلال الارهابيين لهذه الثغرة، فعملية التحديد سهلة في الجنوب السوري وفي الشرق والشمال الشرقي، لكن غاية الصعوبة بالنسبة للشمال الغربي لسوريا، خصوصاً في أرياف حلب ومحافظة إدلب وحماة وأجزاء من اللاذقية، وعليه فإن الجماعات الارهابية تعمل على استغلال فترة وقف اطلاق النار لاعادة توزعها وتحسين الوضع والخريطة الميدانية لمصلحتهم بما يرفع من سقف شروطهم التفاوضية قبل الجولة الرابعة من جنيف المتوقع لها أن تنطلق قريباً في موعد أقصاه نهاية الشهر الجاري.
الخلاصة التي يمكن التوصل اليها ان مفهوم وقف اطلاق النار مع وجود الجماعات الارهابية لا معنى لها، فمفهوم الهدنة او ان صح التعبير اجراء اصلاحات وهي التي كانت الحكومة السورية منذ سنوات قد شرعت بها ممكن ان تثمر بعد القضاء على الجماعات الارهابية وايقاف دعمها من دول خارجية بالدرجة الاولى، فلا معنى للسلم والهدنة مع وجود الارهاب.