الوقت- في ظرف وجیز وقیاسي أصبح العنف عنوانا للمرحلة العربیة والإسلامیة الراھنة، وحركات الإسلام السیاسي فرخت حركات مسلحة وجھادیة تؤمن بالحتمیة الثوریة والجھادیة لإقامة دولة الإسلام ودولة الخلافة على منھج السلف الصالح، و على طريقة "كارل ماركس" في كتابه رأس المال الذي يعتبر أن الحتمية الثورية ضرورية، أنتجت المدرسة اليسارية مفهوم الحتمية الثورية. و كان الكاتب مصطفى محمود ثاقب النظرة عندما قال في كتابه الاسلام السياسي و المعركة القادمة يقول: كان خطأ الحركات الاسلامية في الماضي أنها حاولت ضرب الحاكم و قلب نظامه فدخلوا السجون بدلا من أن يدخلوا البرلمان، و قد أخطئوا بذلك مرتين، أخطئوا في حق الحاكم، و أخطئوا في حق الاسلام، فالاسلام سلاحه الاقناع و ليس الارهاب، أما الذي يقع في خانة الارهاب فهو شيئ أخر غير الاسلام.
و قد ملئت الحركات الاسلامية الارهابية الدنيا و شغلت الناس في العالم العربي و الاسلامي، و لها انعكاسات خطيرة على مجمل القارات، ففي قارة أفريقيا، انتشرت القاعدة و داعش و بوكو حرام، و في المغرب العربي، هناك الجيش الاسلامي للانقاذ و الجماعة الاسلامية المسلحة و الحركة السلفية الجهادية و جماعة الدعوى و القتال و القاعدة و تنظيم الدولة وفداء الاسلام و حزب التحرير، و في المشرق العربي، هناك جبهة النصرة و داعش و ألوية لا حصر لها من الأسماء، كلواء الرحمان و الفاروق و الخلافة ... ناهيك عن جماعات الجهاد الأفغاني سابقاً و لاحقاً تنظيم الطالبان و غيره. و برزت أيضاً حركة أكناف بيت المقدس و حركات تحارب الدول كافة في المشرق العربي و في مغربه و في الداخل الكوني و العالمي.
و مما قاله "عبد الرحمان عزام" في كتابه أيات الرحمان في جهاد الأفغان أن " الجهاد فريضة مقدسة و تحديداً في آسيا في بلاد الأفغان و الشيشان"، و للأسف الشديد هو ليس في فلسطين، و على هذا الخط الجهادي المسلح، دخلت الاستخبارات الأمريكية، و الغربية و الموساد و الاستخبارات التركية و العربية، و باتت البندقية الاسلامية في خدمة الأجندات و ليس في خدمة الأمن القومي العربي و القضية الفلسطينية تحديداً. فهل ستؤول هذه الحركات الى الأفول، هل سيعود العالم العربي الى العقلانية و الحوار و هل ستعالج السلطات العربية هذه الحركات بالنار أو بالحوار؟
لنبدأ أولاً بتقديم مقدمتين هامتين حول الموضوع، هو أن الجهاد فريضة من فرائض الاسلام أضيرت ضراراً بالغاً و تلوثت سمعتها تلوثاً شديداً، نتيجة ليس الذين ينكرونها فحسب من خصوم الاسلام، و لكن التلوث الأعظم جاء من أبناء الاسلام أنفسهم، حيث وضعوا السيف في غير موضعه و قاتلوا في المكان الخطاء و الزمان الخطاء و بالطريقة الخطاء، و قتلوا من لا يستحق أن يقتل و أسالوا دماء بني جلدتهم. أما المقدمة الثانية أن الفكرة الاسلامية قد وقعت في خطاء حتمية المواجهة و التي أدت بالاسلاميين الى السجون و ذليك لاعتقادهم بحتمية المواجهة مع الدولة و الشرطة و ما الى ذلك، و جعلت منهم منبوذون في المجتماعات العربية و العالمية، و لم توصبهم الى أهدافهم، و باعتقادهم هذا لم يحافظوا على الدعوة و لم يصلوا الى السلطة فی مصرو تونس و...
ظاهرة العنف
ظاهرة العنف التي تعتمدها الجماعات الاسلامية الارهابية تعود الى أسباب كثيرة و بغض النظر عن المشكلة في العقيدة و المفاهيم الخطاء التي تتبناها، و التي تعتبر من أبرز المشاكل التي دفعت الى العنف، تبرز مشكلة الوضع الاجتماعي و الاقتصادي و السياسي، فاذا تتبعنا مسار هذه الحركات و تطورها في العالم العربي سوف نجد أن هذه الحركات ظهرة استجابة لوقائع اقتصادية سياسية اجتماعية، فاستبداد السلطة و عجزها عن تلبية متطلبات الشعوب الاقتصادية و الاجتماعية، و فشلها في ايجاد حل للقضية الفلسطينية، و بل على العكس ببناء تحالفات مع الكيان الاسرائيلي دفع الشعوب الى بناء حركات اسلامية سياسية و التي ولد من رحمها حركات اسلامية مسلحة. و لكن العولمة الأمريكية للعالم العربي و التدخلات الصهيونية و بثها للفرقة الاسلامية تحت عنوان الطائفية، خلق من رحم هذه الجماعات المسلحة التي كانت تنادي بفلسطين، جماعات ارهابية تعكس أهداف الدول و المراكز الغربية للمنطقة العربية للأسف.
المشروع الارهابي
تسعى هذه الحركات الجهادية الى اقامة مشروع سياسي يستند الى اقامة دولة، حيث ظهر ذلك في العراق و سوريا و ليبيا و في غرب أفريقيا، و كذلك في نيجيريا و اليمن و هي نجحت فعلياً حتى الأن في بناء امارات، و قد نجحت أيضاً في الحفاظ عليها حيث تسيطر على مناطق شاسعة في تلك الدول، و تسيطر على النفط و تصدرة، و أصبح لها قنوات عالمية، و عملة نقدية و غيرها من الامور المعيشية. و بقول أحد المحللين الاسلاميين أن ما يشهده العالم العربي حالياً هو مشهد افتتاحي و تطور لهذه الجماعات.
الحل
كما ورد في القرأن الكريم، أراد ابليس أن يتوب، و عندما استحالت التوبة، قال انظرني الى يوم يبعثون، بما معنى أن النظام العربي أعمى و أصم و أبكم، و أنه لا يريد أن يتعلم، حيث ما زالت الممارسات العنفية هي هي، و الممارسات الاستخبارتية هي هي، الظلم و القمع و السجون لم تتغير بل زادة و زادة معها النفوس المريضة التي تريد التغيير و ان كان بالسلاح و العودة الى الأموية القديمة و الجاهلية الحديثة. و بذلك لا وجود للحل الا بتغيير المفاهيم الضالة و بزرع مفاهيم التعايش و التفاهم و الحوار فيما بين الأديان.
اذاً على ما يبدو أنه ليس هناك أحد في العالم العربي يريد أن يتعلم مما جرى و يجري في الامة الاسلامية، حيث لم نرى أحد من الزعماء و الحكام العرب قد أسس لجنة لدراسة "ماذا جرى"؟! لا أحد يريد أن يتعلم مما جرى من زلازل و براكين و اراقة الدماء، حتى صار الدم العربي أرخص بضاعة في العالم أجمع.