الوقت- تحت جنح المفاوضات تتوجه السعودية نحو المفاوضات بعد الميدان إلى حيث يرقد وفدها الذي فقد الشرعية والمشروعية من أكثر من سنة ونيّف بعد الإستقالة التي ألحقها بتأييد عدوان خارجي على بلاده، وفد يسعى لإطفاء شمعة المفاوضات، بعد أن أطفأ العدوان شمعةَ الطفولة البريئة في اليمن، وأطفأ معها ابتسامة الآباء ليلهب حرارة الشوق في صدور الأمهات.
يوماً بعد آخر تتضح معالم الخطوة الأخيرة التي أعلنها وفد الرياض في وقف المفاوضات اليمنية في الكويت حيث أظهر الإعلام السعودي، وما لفّ لفّه، خشية غير مسبوقة من قبل دول مجلس التعاون على العودة إلى طاولة المفاوضات.
دول مجلس التعاون أوفدت أمينها العام "عبد اللطيف الزياني" إلى الطاولة في الكويت حيث إلتقى رئيسا الوفد الوطني اليمني المشارك في مشاورات الكويت "محمد عبدالسلام" و"عارف الزوكا"، في قصر بيان، مشيراً إلى حرص دول مجلس التعاون على إنجاح مشاورات الكويت بما يفضي إلى تحقيق السلام في اليمن.
الزياني أظهر خلال اللقاء الذي يأتي بعد أسبوع تقريباً على لقاء الوفد الوطني بسفراء الدول الـ18 خشية خليجية غير مسبوقة مؤكداًضرورة استمرار هذه المشاورات وتجاوز أي منغصات بالحوار المباشر، معتبراً أنها فرصة تاريخية لإنهاء معاناة الشعب اليمني.
لم يكن سفر الزياني إلى الكويت ولقائه الوفد الوطني اليمني وإظهار حرصه على نجاح المفاوضات أمراً منفصلاً عن موقف وفد الرياض في نسف المفاوضات غير المباشرة، بل يمكن القول أن الموقف الخليجي يأتي في سياق مشروع عام يسعى لتمليع صورة السعودية الدموية في اليمن، عبر بوابة مجلس التعاون، فضلاً عن المضي قدماً في تشويه الصورة الناصعة التي قدّمها الوفد الوطني خلال حقبة المفاوضات بدءاً من فيينا وليس إنتهاءاً بالكويت. إختلق وفد الرياض قضيّة القاعدة العسكرية (مقر اللواء 29" ميكا عمالقة" في الجبل الأسود بحرف سفيان ) لوقف المفاوصات المباشرة ووضع الوفد الوطني عنق الزجاجة التي كشفت للرأي العالمي حقيقة الأكاذيب التي يروّج لها الإعلام السعودي حول القوى اليمنية التي، بدورها، أثبتت للوفود العربية والغربية في إطار نشاطها الدبلوماسي على طاولة الكويت حسن نيّتها إزاء الحل السياسي للأزمة.
تفسيرات الخطوة الأخيرة، بدءاً من تعليق رئيس وفد الرياض "عبدالملك المخلافي" وصولاً إلى زيارة "الزياني" وما بينهما، عديدة، وتعكس جانباً من الخريطة السعودية العامّة تجاه اليمن، ويمكن إيجازها في النقاط التالية:
أولاً: أظهر الإعلام الخليجي خلال الأيام الماضية لهجة غير مسبوقة تجاه الملف اليمني، مروّجاً لعبارات من قبيل " تسعى دول مجلس التعاون الخليجي إلى إنجاح مفاوضات السلام الجارية في الكويت بين فرقاء الأزمة اليمنية"، أو "إن دول مجلس التعاون تمارس ضغطا هادئا على وفد الحكومة الشرعية في اليمن من أجل العودة إلى المفاوضات، وعدم إعطاء الفرصة للمتمردين للانسحاب وتعليق الفشل على عاتق الحكومة ومن ورائها دول التحالف العربي، وخاصة السعودية"، عبارات تهدف أولاً وآخراً لإظهار دول مجلس التعاون، وخاصةً السعودية، في مظهر الحريص على مستقبل اليمنيين.
ثانياً، وفي السياق ذاته، إن وفد الرياض أراد من خلال خطوة تعليق المفاوضات دخول الامانة العامة لمجلس التعاون والنظام السعودي المهيمن عليها، كطرف في رعاية المفاوضات، ومنقذ عميلة السلام في اليمن، وبالتالي توجيه رسالة إلى المجتمع الدولي بعدم امكان المضي بالتسوية دون السعودية، كما أن تصلّب وفد الرياض والحديث عن ضغوط هادئة لدول مجلس التعاون تصبّ في البوتقة نفسها.
ثالثاً: تهدف هذه الخطوة لقطع الطريق على دول الـ18 للدخول أكثر في تفاصيل الأزمة، لأن ذلك سيمثّل تهديداً للسعودية التي تتنصل من إلتزاماتها، فضلاً عن إظهار الرياض، رغم الفشل الميداني، كلاعب يمتلك دور دور مؤثر في إحلال السلم والأمن في المنطقة. السعودية تسعى تكرار تجربة مفاوضات جنيف السورية بصورة معاكسة، لناحية إظهار دور مشابه للدورين الروسي والأمريكي في رعاية المفاوضات، بدل أن تكون الناسفة لها. إن هذه الخطوة تستهدف دور الدول الـ18واللجنة العسكرية التي إنبثقت عنها بعد إعلانها قبل فترة الجانب السعودي رفضها لذرائع وفد الرياض بتعليق مشاركته في المفاوضات. من خلال هذه الخطوة أيضاً، يسعى وفد الرياض لتقويد دور اللجنة العسكرية، وبالتالي الإلتفاف على قرار تثبيت وقف إطلاق النار في اليمن، الذي رفض الوفد (الرياض) التنازل عنه حتّى أجبره وفد الدول الـ18 والأمم المتحدة على ذلك.
رابعاً: تعليق المفاوضات من "المخلافي" الذي طالب بالأمس الأمم المتحدة وسفراء الدول الراعية للتسوية السياسية في بلاده لتوفير ضمانات ملزمة للطرف الآخر يهدف إلى التهرب من الرؤية الايجابية التي قدمها الوفد الوطني اليمني، إلا أنها في الوقت عينه، ولو ألحقنها بزيارة "الزياني"، تهدف لإعادة السعودية عبر البوابة الواسعة إلى ملعب المفاوضات بعد أنباء عن سحبه من قبل المجتمع الدولي.
خامساً: تسعى الرياض من خلال هذه الخطوة الشكلية تحت مسمى "انقاذ مفاوضات التسوية في الكويت" لرمي الكرة في ملعب وفدها اليمني، وبالتالي تقويض أي هامش للمساءلة والمحاسبة إزاء جرائم الحرب التي إرتكبتها السعودية في اليمن.