الوقت- داعش .. التنظيم الذي طرح توسعه وانتشاره المفاجئ , ابان اندلاع الأحداث السورية , تساؤلات عديدة أثارت شكوكا كثيرة , ما زالت الاجابة حولها مبهمة . فوفق منطق يقول أن القوة والتجهيز والاستقطاب والتأسيس لأعداد بشرية تفوق الآلاف بهذه السرعة المباغتة, لا بد لتوفر امكانات مادية وبشرية هائلة تتمتع بالكفاءة والتجربة والقدرة الكافية تقف وراءها.
فمن يملك تجربة انشاء تشكيلات الفية منتشرة بين الدول , في ظل وجود استخبارات عالمية بغاية التأهب والاستنفار ؟؟ الجواب لن يكون تنظيم القاعدة سابقا بأمرائه فقط ولا بقايا جهاز أمن حزب البعث , ولا ايمن الظواهري الذي يختفي عن الاعلام اليوم وفق تساؤلات كبيرة حول غيابه , ليحتل أبو بكر البغدادي وابو محمد الجولاني الحدث .. فتنظيم بحجم داعش يهدد العالم بأسره ويشغل استخبارات الكون كله , لا يتقبل العقل افتراض وجوده بشكل تلقائي وبهذه السرعة , ويمارس نشاطا على الأرض ويتواصل مع الالاف من افراده , رغما عن الدول العظمى التي ما زالت تكتفي بتهويل وتخويف كبير من داعش ومشروعه مقابل مئات الغارات التي تستهدف اماكن لم يسمع فيها من قبل , لتؤدي بقصد عملا خجولا بنتائج لا تذكر!!
حرب صاخبة , يقودها التنظيم , يحتل فيها مساحات جغرافية واسعة من العراق وسوريا مخلفا مجازر ودمارا وقتلى , وعمليات امنية ارهابية تطال الدول الأوروبية والغربية والعربية , والغريب أن أمريكا واسرائيل على الأقل حتى اللحظة ليست في مهب الاستهداف أو حتى المحاولة أو حتى التهديد !!
في المقلب الآخر من الحرب .. هناك فكر مشوه تتبناه هذه التنظيمات السلفية التكفيرية , تأخذ منها تشريعاتها وتوجهاتها التي تحكم سياساتها , فهي تعمل وفق هدف تجاهر فيه وهو اقامة خلافة اسلامية في العراق وسوريا كخطوة أولى تمهيدا لاقامة حكم عادل يشمل العالم كله وفق معتقدات التنظيم.
ولهذا يعمل التنظيم بنشاط كبير جدا على تحقيق هذا الهدف , عبر حرب مسلحة يشنها وحرب ثقافية موازية تستهدف الاستقطاب ونشر المعتقدات والتسويق للتنظيم , ويظهر نفسه بصورة المخلص العادل الحاكم باسم الله والدين , الذي سيزيل حكم الملوك والرؤساء الدكتاتوريين العملاء للغرب , ليقيم حكم الامراء والمجاهدين المؤمنين بالله الواحد .
هي حرب في الجغرافيا , حيث يمتلك داعش تواجدا حول العالم عبر المجموعات والسرايا المسلحة في مناطق القتال المباشر , أو عبر مجموعات بشكل خلايا نائمة تنتشر في كل أرجاء العالم مستفيدة من وجود عوامل عديدة ساهمت في صناعة الفرص التي يستغلها هذا التنظيم وابرزها تواجد للمسلمين السنة في كل الأماكن حول العالم ..
هذا الانتشار العالمي للمسلمين , يحوز على اهتمام وأولوية كبرى عند التنظيم الذي لم يحصر جبهته بالجغرافيا التي يقاتل فيها ومحيطها , فهو يستفيد من تجنيد مناصرين حول العالم , لتشكيل خلايا نائمة.
لكن المفارقة أيضا , أن هذه الخلايا ونشاطها , لا يستهدف اسرائيل ولا امريكا ولا استعادة فلسطين ولا معاقبة السعودية والاعراب على بيع مقدسات المسلمين وخيانتهم العظمى بتسليم فلسطين والتطبيع .. انما تثأر من أوروبا لنشرها صور مسيئة للرسول (ص) عبر صحف مدسوسة الهدف ايضا , وتقتل اليهود ليس في فلسطين حيث ساحة الصراع المحق , بل في فرنسا لتساهم في تهجيرهم الى أين ؟؟ الى فلسطين , وتعطي لاسرائيل ذريعة استعطاف المجتمع الاوروبي وابتزازه ...
فلا فلسطين في وجدان داعش تحيا , ولا اسرائيل وامريكا العدو .. إنه صراع المذاهب الذي صنعت من أجله داعش بأيد يظهر من قراءة المشهد بوضوح من هي , تقوم بتمويل وتغذية فكر قطع الرؤوس , المادة الاعلامية الكافية لهتك ما تبقى من صورة اسلام سلمي حضاري عاش , صار يشكل البديل الحقيقي لفراغ يعيشه الغرب بعد تهاوي الانظمة الاقتصادية الاشتراكية والرأسمالية فالليبرالية.
هي لعبة خبيثة يظهر فيها مسلح مسلم أصولي يغار على الدين والرسول (ص) اكثر من المسلمين , يحمل خنجرا , يقطع رأسا , يفجر سيارة , يجهز انتحاريا , ليقمع الحريات ويكتم صوت " الاعلام الديمقراطي المقدس عند الشعوب الغربية " , ليشوه ويلوث جراء حركته المشبوهة , صورة مسلم مسلح اخر في هذا العالم يملك حق المقاومة بحضارية ويدافع عن وطنه المسلوب وحقوقه المهدورة في فلسطين والمنطقة من قبل اسرائيل والأطماع الغربية .
اللعبة بإخراج الاعلام الغربي المأجور والمسير , تساوي بين الحركتين ليصير الارهاب والاسلام واحد . فيكون الناتج اسلام محمد الارهابي الذي لا يمكن ان يتعايش مع البشر , يهدد أمن اوروبا وبنفس المظلومية يقتل حمام سلام يهودي مستهدف , فليس أمامه الا أن يهاجر ليعيش بأمان في اسرائيل , ومن يحمي أمنه في اسرائيل المظلومة, لئلا تتكرر المحرقة , المطلوب استمرار التعاطف والدعم الاوروبي , فكيف السبيل .. داعش الحل الأمثل !!!
هذا ليس فيلما مدبلجا , إنها حقيقة نقرأها ونشاهدها بأم العين .. ومن يشكك , فلينظر حوله وليستطلع العالم الغربي الذي كنا قد بدأنا نتلمس تعاطفه مع قضية غزة وفلسطين , حيث المظاهرات التي جرت بشكل واسع في الدول الاوروبية ضد اسرائيل وسط كره متزايد لاسرائيل العنصرية , اجتاح المجتمعات الغربية وأخذ بالتزايد في اخر حرب على غزة .
هو اليوم يعاد توجيه الرأي العام الأوروبي من جديد قبل أن يصبح كره اسرائيل ظاهرة تجلب لها العزلة , فتعود اسرائيل عبر التسويق لحادث استهداف الرهائن في المتجر اليهودي الذي جاء في صدفة ليست تلقائية بل مدبرة , في وقت متقارب مع استهداف صحيفة ساخرة ديمقراطية تلطف اجواء العيش الاوروبي , الذي يهتم بالابتسامة والاعلام والحريات . ليتساوى اليهود والشعوب الاوروبية في المأساة والضحية هم , والمستهدف لهم اسلام ارهابي , يريد ان يثأر لمجرد صورة لمحمد (ص).
هو المشهد بكل جلاء ووضوح , يراد صنع اسلام ارهابي , لتقرن كلمة محمد (ص) ومسلم بصور اشلاء ورؤوس وارهاب يقتل الحريات والتعبير , ويراد اعادة صياغة ايديولوجية المجتمع الاوروبي , ودفعه للتطرف والوقوف في وجه الاسلام الارهابي , والتعاطف مع اسرائيل المهددة والتي يحاصرها الارهاب !!
المنفذ المخلص لهذا المشروع , إنه داعش رأس التنظيمات التكفيرية , الذي ظهر ليؤدي هذا الدور . فبعد أن انتهت ورقة اسامة بن لادن وتنظيم القاعدة وبطولات التصريحات التي تهدد امريكا ويتبعها مفصل احداث 11 ايلول , التي اتخذتها ادارة بوش انذاك ذريعة وفرصة لحض الامريكيين على قبول مواجهة الارهاب وغطت حملتها تحت مسمى محاربة الارهاب , التي مكنتها بالحقيقة من احتلال العراق وافغانستان وبداية تنفيذ مشروع سايكس بيكو الجديد , الذي عبرت عنه السياسة الامريكية بولادة شرق أوسط جديد ..
ومع تحقق الهدف الأول بشرق أوسط جديد , غاب الظواهري وكلمة تنظيم القاعدة عن الاعلام , ليحل داعش والنصرة والتكفير ومشروع الخلافة وحلم امريكي اخر , عبر عنه جيمس وولسي الرئيس السابق للوكالة الاستخبارات المركزية CIA عام 2006 حين قال : " سنصنع لهم إسلاماً يناسبنا " .. فكانت داعش اليوم مرحلة تستكمل ما سبق من البرنامج بعد اداء القاعدة للهدف المطلوب منها..
كيف تؤدي داعش دورها الوظيفي بامتياز.. ما هي الوسائط التي تستغلها لبلوغ هذا الهدف بدقة وأمانة ... كيف يستغل أمراء داعش ودولهم الراعية دولارهم ولسانهم وذقونهم ومئات الظروف الملائمة لاستقطاب شباب نحو جنان الخلد وغداء الرسول وزواج الحور ؟؟ كيف يظهر اسلام محمد (ص) الارهابي , ليشوه صورة ثورة ايران الناصعة باسم دين محمدي اصيل , وضع العالم أمام نموذج حضاري رائد للدين والحكم الاسلامي الحضاري العصري المتعايش مع الغير الراعي للتفاهمات والتقارب والمحافظ على مبادئه وقضاياه ؟؟
الجزء الثاني من المقال يظهر حقائق حول حملة داعش الاعلامية الاستقطابية و " الرسالية " الباهرة الناشطة . فهل عباءة وخنجر وسيف وجهل ينتج اعلاماً بلغ بتقنيته وحرفيته وامكاناته مرحلة التغلب على كل اجهزة الاستخبارات التابعة للدول العظمى ؟؟ أم ان هناك كما العادة صورة لا تراها العين يدركها فقط العقل المتبصر الواعي ؟؟؟