الوقت - بعد ثلاثة عشر عاماً على اجتياح أمريكا وبريطانيا للعراق دون غطاء دولي وبناءاً على كذبتي أسلحة الدمار الشامل وتعاون صدام حسين مع القاعدة، لا يزال العراقيون عاجزين عن تفكك دولتهم تارة بالجغرافيا كما حصل في كردستان وأخرى بالارهاب الذي يفتك بالبلاد والعباد، المنقسمين حول كيفية التعاطي معه ومرة ثالثة بالشرخ السياسي والطائفي الحاد، ومرة رابعة بالفساد والأوضاع الاقتصادية الخطيرة. ولأن العراقيين عجزوا عن بناء دولتهم وتوحيدها، فان أبواب العراق الذي لقب يوما ما بالعظيم مشرعة لكل من هب ودب، هنا الارهاب يقتل البشر والحجر والتاريخ والحضارة، وهناك تركيا التي تخترق الحدود تحت ذريعة مقاتلة أعضاء حزب العمال الكردستاني، وهناك السعودي والخليجي المتوجس من التقارب الايراني الأمريكي بعد الاتفاق النووي الكبير خصوصا على الأراضي العراقية. وبين هذا وذاك تعود أمريكا لاعطاء دروس في الديمقراطية بعد أن خلفت كل تلك الويلات. ناهيك عن الکيان الاسرائيلي الذي يجاهر ويفاخر أنه هو الذي ساهم في تفكيك العراق ومساعدة الكرد وأنه لن يسمح بقيامه مرة ثانية وفق ما تؤكد وثائقه الكثيرة.
الآن يدور النقاش حول حكومة تكنوقراط قدمها رئيس الوزراء حيدر العبادي الى البرلمان، قد تمر وقد تفشل ولكن السؤال يبقى هل أن في الأمر فعلاً مشكلة حكومة أم مشكلة نظام ومشكلة بلد؟ أين العراق اليوم ؟ ولماذا معارضة مشاركة الحشد الشعبي في معركة تحرير الموصل؟
على الصعيد السياسي
معضلة سياسية وأزمة حكم تواجه العراق الصامد حتى الآن، فمن اعتصامات سياسية في الشارع الى اعتصامات في البرلمان مشهد جديد يضاف الى مسرح السياسة في العراق، متظاهرون يخرجون كل يوم الى الشارع محتجين على سوء الأوضاع الأمنية والسياسية والاقتصادية مهددين باستهداف الرئاسات الثلاث في البلاد، حيث ضاق العراقيون ذرعاً من الأوضاع المتردية في البلاد، انتفاضة الشارع تجاوب معها عدد لا يستهان به من البرلمانيين بحسن نية أو بأخرى أعلنوا اعتصامهم في المجلس وصوتوا لأجل عدنان الجنابي كرئيس مؤقت للبرلمان بعد اقالة سليم الجبوري في حين طعن نواب آخرون بشرعية هذه القرارات وعدم دستوريتها. الرئيس العراقي فؤاد معصوم الضامن لدستور البلاد دعى الى جلسة استثنائية لحل أزمة رئاسة مجلس النواب. وعلى الصعيد الحكومي ينتظر العراق حكومة رئيس الحكومة الحالية العبادي والرئيس فؤاد معصوم التكنوقراطية أن تشهد النور خلال الأيام القادمة من أجل مواجهة الأزمة السياسية والفساد الذي يعصف بمؤسسات الدولة.
على الصعيد العسكري
ساعة الصفر لمعركة الموصل قد قربت، حيث تكتمل معها معالم "المؤامرة" الداخلية والاقليمية والدولية التي تحاك ضد "الحشد الشعبي" ومنعه من خوض الاستحقاقات الأمنية والعسكرية المرتقبة في الموصل. الحشد الشعبي الذي كان له الفضل في تحرير أكثر من ثلث الاراضي التي سيطر عليها تنظيم داعش الارهابي في العراق، بل كان له تأثير كبير على ايرادات وميزانية تنظيم داعش الارهابي حيث حرمه ايضا من نصف ايراداته النفطية. فما هي اسباب اقصاء الحشد من معارك الموصل؟
1-ان القوى والتشكيلات المقترحة كبديل عن الحشد الشعبي في تحرير مدينة الموصل انما تسعى الى تقليص دور الحشد الشعبي وإعادة سيطرة "البعث الصدامي" على تلك المناطق التي يمثل غالبية سكانها من مؤيدي النظام السابق.
2- قائد قوات البيشمركة الكردية في محور بعشيقة بمحافظة الموصل "حميد افندي" أشار في تصريح له أن "تحرير الموصل من داعش سيكون على يد قوات البيشمركة وليس على أية قوات اخرى حتى الجيش العراقي". و يتبين من هذا التصريح ان حكومة اقليم كردستان تريد حصر عملية تحرير الموصل بقوات البيشمركة للاستفادة من ذلك مستقبلا في تقرير مصير كركوك ومن ثم اعلان الاستقلال.
3- تحفظ أمريکا على مشاركة الحشد الشعبي في تحرير الموصل إلى ما وصفه بـ "اختلاف الغايات وتشظي القوى واختلاف النوايا وغياب الحس الوطني الجامع بين الأطراف المشاركة" يبين الخشية الامريكية من زيادة قدرات الحشد الشعبي لأنها لاتريد ظهور نسخة ثانية من حزب الله العراق.
أمام هذا المشهد المعقد أمناً وسياسة واقتصاداً وارهاباً وفساداً يبقى الأمل معقوداً على صحوة الضمائر، عراق الخير يستحق تسوية سياسية توقف التفكك، عراق دجلة والفرات والحضارات يستحق أن يقفز ساسته فوق المذاهب والطوائف ويأتلفوا في حكومة تضرب الارهاب وتؤسس لتقسيم عادل وتوحد الجيش. وحين قيل للشاعر العراقي محمد مهدي الجواهري لماذا تنطق اسم العراق بضم العين وتقول العُراق قال لأنه يعز عليّ كسر عين العراق فهل تكسر عين العراق فعلا؟