الوقت- ان لم تستح فافعل ما شئت!! مثل ينطبق على مسيرة النفاق الوقح الذي عاشته شوارع العاصمة الفرنسية يوم الأحد الماضي.
قادة عرب و أجانب غرقوا بدماء ضحاياهم، حضروا و ساروا في مقدمة المسيرة و سار خلفهم الالاف، في صورة أبسط ما توصف به أنها وقاحة فاقت التوقعات و استخفاف بعقول شعوب بأكملها. فمن لم تتضح لديه الصورة حتى الان حول ما يجري من أحداث في العالم بسطت له الأمر مسيرة الأحد الباريسية حيث تشابكت أيادي القتل مع بعضها في صورة كان ينقصها بندر بن سلطان و زهران علوش و الجولاني لتكتمل، حتى أبو بكر البغدادي الذي بحثنا عنه بين الحضور فان لم يحضر بشخصه الا أن طيفه كان حاضرا من خلال رفاق له ساروا في الصف الأول.
كل هذا العرض كان يمكن له أن يمر مرور الكرام لولا القنبلة التي فجرها نتانياهو بحضوره شخصيا مع اثنين من وزراء حكومته متقدما المسيرة و واقفا جنبا الى جنب مع اخوته من الزعماء العرب و الغربيين. حضورا أحرج حتى الفرنسيين الذين توسلوا اليه بلغة الدبلوماسية عدم الحضور منعا للاحراج، فقد ذكرت الاذاعة الثانية الاسرائيلية أن الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند أبرق الى نتنياهو قبل سفره طالبا منه عدم الحضور منعا لتوتر الأجواء و الاحراج الذي على ما يبدو أن الرئيس الفرنسي كان قد قرأه قبل مجيئ نتانياهو، فعلى قاعدة يحق لإسرائيل ما لا يحق لغيرها، لم تجد قيادة تل أبيب حرجا من الرقص على دماء الفرنسيين، إذ كررت الدعوة علنا، إلى اليهود الفرنسيين من أجل هجرة جماعية إلى إسرائيل، على خلفية أنها المكان الوحيد القادر على توفير الأمن لهم، و مما جاء في كلام نتنياهو:( إن كل يهودي يريد الهجرة إلى إسرائيل، سيستقبل هنا بأذرع مفتوحة». وهو أيضا قال عبر التلفزيون الفرنسي: «إلى كل يهود فرنسا وأوروبا أقول: إسرائيل ليست المكان الذي تتوجهون إليه للصلاة فقط، بل دولة إسرائيل هي وطنكم).
هذا الموقف لقي ردا فرنسيا رسميا، على نحو منخفض، يدعو اليهود إلى البقاء في وطنهم، فالفرنسيون يدركون جيدا أن التعامل مع الاسرائيلي ليس كغيره، و الخطوط الحمراء الفرنسية في علاقاتها الخارجية ليست سارية المفعول مع الكيان الغاصب.
زعماء دول صنعوا داعش و أخواتها كتركيا و و دول الخليج الفارسي و الدول الأوروبية و أمريكا، شاركوا في مسيرة الأمس لكن حجم مشاركتهم لم تكن استفزازية كمشاركة أركان الكيان الغاصب الذي قام على الارهاب و تغذى على الارهاب و يتنفس الارهاب يوميا بحق الفلسطينيين و المسلمين في كل مكان.
بحث في أرشيف ضحايا الكيان الغاصب، كفيل بأن يلقي الضوء على عشرات الالاف من الشهداء و المعوقين و الجرحى و اليتامى و الأرامل و المشردين ممن هدمت منازلهم و الأسرى الذين ما يزال يعتقلهم في أصعب الظروف المعيشية، هذا اضافة الى المجازر التي ارتكبها هذا الكيان و راح ضحيتها مئات الشهداء في وقت واحد، كمجزرة قانا و مجزرة صبرا و شاتيلا، مجزرة خان يونس، مجزرة دير ياسين و غيرها الكثير مما لا يتسع الحديث لها لكثرتها.
نعم هذا الكيان الذي قتل بدم بارد 3000 طفل و امرأة في مخيم صبرا و شاتيلا ابان الاحتلال الاسرائيلي للبنان عام 1982، دون مسائلة أو محاكمة أو محاسبة أي دولة، هو نفس الكيان الذي حضر الأحد في باريس ليتباكى على جريمة ما كانت لتحصل لولا الدعم الذي قدمته اسرائيل و فرنسا و غيرها من حلفائهم لتلك الجماعات التي فقد ممولولها السيطرة عليها بعض الشيئ، وهذا ما كان متوقعا و منتظرا منذ بدأ الأحداث في سوريا، حيث أشار المرشد الأعلى للثورة الاسلامية في ايران السيد علي الخامنئي في أكثر من مناسبة الى أن الارهاب سيلتف على رقاب من صنعوه، كما أشار الرئيس الأسد الى هذه النقطة أيضا بقوله أن دعم الارهاب في سوريا سيتسرب الى دول الجوار و الدول المصدرة للارهابيين.
جدير بالذكر أن اسرائيل قدمت و ما زالت تقدم خدمات عديدة على الصعيد الصحي و اللوجستي و الاستخباراتي و العسكري للارهابيين في سوريا الذين يقاتلون نيابة عنها، فقد صدرت تقارير علنية مؤخرا حول جرحى جبهة النصرة وتنظيم داعش و الجيش الحر و غيرها من التنظيمات الارهابية، يعالجون في المستشفيات الاسرائيلية ، طبعا في غرف وعنابر منفصلة بسبب الخلافات بينهم، وأشارت التقارير ذاتها إلى أن المصابين يرقدون في غرف معزولة عن بقية المرضى في المستشفى ولا يسمح لأحد بالاقتراب منهم او التحدث اليهم، كما ان المستشفى يراعي الخصوصية الأمنية لهؤلاء المصابين فيبقيهم مكبلين لمنعهم من مغادرة الغرف . و قد انتشرت مؤخرا صور عديدة تجمع مسؤول المنطقة الشمالية بجرحى ارهابيين فروا من سوريا الى اسرائيل لتلقي العلاج.
و قد ظهر التنسيق العسكري بشكل واضح في الضربة الجوية التي نفذتها اسرائيل على أطراف دمشق حيث أن خلل تقني أظهر كيف كان المسلحون يصورون الموقع الذي ضربته الطائرات الاسرائيلية قبل قصفه في دلالة على علمهم المسبق بشأن الضربة.
اعتدنا على مشهد الزعماء العرب يقدمون الولاء الأعمى للسيد الغربي و مللنا من رؤية الاسرائيلي يقتل القتيل و يمشي في جنازته باكيا و اعتدنا على السياسة التوسعية العثمانية الطائشة لأردوغان و اعتدنا على مكر الدول الأوروبية في ازدواجية المعايير حسب ما يتماشى مع مصالحها، و الجشع الأمريكي في اختراع الحروب لضمان بقاء الهيمنة في منطقة الشرق الأوسط العائمة على الخيرات، لكن ما اشتقنا الى رؤيته، هو الوعي الذي غيبه المكر و الخداع ،الوعي و البصيرة لنميز بين المقاومة و الارهاب، بين الاسلام و التكفير بين حرية التعبير و التطاول على المقدسات..بين الحق و الباطل، فمضحك مبكى ما رأيناه بالأمس حيث وقف عرابو القتل و الارهاب ينعون قتلاهم، و كل منهم يتحسس الخطر الذي جلبه لنفسه.