الوقت - شكلت كلمة رئيس أركان الجيش الإسرائيلي بيني غانتس أمام معهد أبحاث الأمن القومي في تل أبيب، حول التحديات الإستراتيجية للكيان الإسرائيلي، مادةً للجدل الإعلامي والسياسي. فالرجل لم يُحدِّد فقط حجم المخاطر التي تواجه كيانه، بل دعا الى السلام، وأظهر ما يُعرف (بالدولة العبرية)، وكأنه كيانٌ هشٌ فاقدٌ للتخطيط الإجتماعي والداخلي. فيما كان كلامه حول أن "إسرائيل تُشكل خطراً على نفسها"، المفاجأة التي لها العديد من الدلالات. فماذا في كلام بيني غانتس؟ وما هي دلالاته؟
كلام بيني غانتس
أكد رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق بيني غانتس خلال كلمته في معهد أبحاث الأمن القومي في تل أبيب، والتي جاءت تحت عنوان "التحديات الإستراتيجية (لإسرائيل)"، ضرورة التوصل إلى تسوية مع السلطة الفلسطينية، وإلا فستكون العواقب وخيمة على الكيان الإسرائيلي، لافتاً إلى أن الخطر الأكبر ليس أمنياً، بل يكمن داخل المجتمع الإسرائيلي وتحديداً بسبب الإنقسامات التي تعتريه الى جانب حالة فقدان المساواة فيه.
وأشار غانتس إلى أن محاولة التوصل إلى اتفاق سلام مع السلطة الفلسطينية هو هدف يجب العمل عليه، وعلى المسؤولين الإسرائيليين الكفاح من أجله. ولم يُخف غانتس وجود مصالح مُشتركة مع الدول العربية، الأمر الذي يعني ضرورة مواصلة التعاون من أجل التوصل إلى تسوية في هذا الإتجاه، محلياً وإقليمياً ودولياً. مؤكداً على ضرورة وضع المصلحة الأمنية لتل أبيب في أولويات الأمور.
ولم يتردَّد غانتس في مقاربة الوضع الداخلي للكيان الإسرائيلي، واصفاً إياه بالخطر المُحدق بالدولة العبرية. واعترف غانتس برأيه الصريح، مؤكداً أنه أهم التحديات التي يواجهها الكيان العبري، قائلاً "إن إسرائيل هي التحدي لنفسها". حيث يجد رئيس الأركان السابق، أن إيران وحزب الله وداعش (بحسب تعبيره) الى جانب عددٍ من التهديدات الأمنية الأخرى، يشكلون تحدياً للكيان الإسرائيلي، لكنه يعتبر أن التحديات الأكبر تتمثل في التربية والتعليم والإنقسامات في المجتمع الإسرائيلي، الى جانب الشعور بحالة عدم المساواة. طارحاً وجود مخاوف من شعور المجتمع الإسرائيلي بفقدانه العدالة الإجتماعية، الأمر الذي يجعل الواقع الإسرائيلي معقداً.
دلالاتٌ وتحليل
لم يكن كلام غانتس سياسياً، أو مادةً للإعلام فحسب، بل إن المسؤول الإسرائيلي، تحدث من باب الحرص على (دولته)، وهنا يمكن الإشارة لما يلي:
- تأتي إعترافات غانتس في وقتٍ تعيش فيه المنطقة حالةً من التغيُّرات، والتي جعلت من المشهد في المنطقة، معقداً، وبعيداً عن المصلحة الإسرائيلية. فبعد أن بقيت تل أبيب عرَّابة السياسات في المنطقة، تحت إشرافٍ أمريكي وتعاونٍ عربي من قبل بعض الأنظمة، بات الواقع اليوم مختلفاً حيث لم يعد الكيان يشعر بقدرته على فرض خياراته. وهو الأمر الذي يمكن ملاحظته من خلال الحركة السياسية الحالية لتل أبيب، والتي تقتصر على التحرك في مجالات التحريض السياسي أو السعي لبث الإنقسامات، دون القدرة على التأثير بشكلٍ فعلي.
- وهنا فإن الواقع الجديد أنتجه منعطفان في المنطقة، شكلا تغيُّراً جذرياً في التوجهات المستقبلية للأوضاع السياسية، وهي الحرب السورية، وتعاظم الدور الإيراني بعد الإتفاق النووي. لذلك فإن ما أفرزته الحرب في سوريا وصولاً الى استعادة النظام قدرته على الهجوم العسكري وعودته للحياة السياسية من جديد، هو ما يُعتبر مكسباً لمحور المقاومة. والأمر الثاني يتعلق بعودة إيران للساحة الدولية وبقوة، دون أن يستطيع الطرف الأمريكي الحصول على أي تنازلات. الأمر الذي أعطى دفعاً لمحور المقاومة أيضاً.
- بالإضافة الى ما تقدم، فإنه والى جانب الشعور الإسرائيلي بالضعف أمام القدرة على فرض الخيارات السياسية في المنطقة، فإن قدرة الكيان الإسرائيلي على افتعال الحروب لم يعد أمراً سهلاً. وهو ما تبيَّن من خلال صعوبة اتخاذ الجيش الإسرائيلي لقرار الحرب تحديداً ضد حزب الله. لا سيما بعد تهديدات أمينه العام وفرضه معادلةً جديدة للتوازن العسكري. وهو ما يُسجَّل أيضاً لمحور المقاومة.
- واليوم جاءت تصريحات غانتس، لتثبت مدى الصعوبة التي تواجه الجيش الإسرائيلي في الداخل الفلسطيني أيضاً، لا سيما ضد المقاومة الفلسطينية، الأمر الذي دفعه للمناداة بالسلام مع الفلسطينيين. خصوصاً بعد أن أدت عمليات الفلسطينيين لا سيما "الطعن"، لإحداث بلبلةٍ كبيرة داخل المجتمع الإسرائيلي، بسبب ضعف القوات الإسرائيلية على مواجهتها كحالةٍ جماعية.
- وهنا فإن الرهان الإسرائيلي على بعض الدول العربية، يأتي في سياق إعادة رسم المصالح المشتركة. خصوصاً إذا ربطنا الترحيب الإسرائيلي الدائم بالدور الخليجي، الى جانب تقاطع المصالح بين السعودية والكيان الإسرائيلي في قضية جزر تيران وصنافير، والتي تحدث الإعلام الإسرائيلي منذ أيام على أنها قضية انتهت بعد تشاورٍ سعودي مصري إسرائيلي. فيما أشار آخرون الى أن ذلك يخدم الكيان الإسرائيلي.
- لكن الجديد في تصريحات غانتس، هو محاولته الإضاءة على الجانب الداخلي للمخاطر التي تُحدق بتل أبيب. والتي أسماها المخاطر الإجتماعية والشعور الداخلي بالظلم الإجتماعي. وهو ما ينقل حالة الهشاشة التي يعيشها الكيان القائم على دولة يحكمها جيش. وبالتالي فإن هذا الخطر، يؤكد حجم الأزمات التي تعاني منها تل أبيب، إذ أنها تعيش بالإضافة الى أزمة الوجود والمشاكل السياسية والمخاطر الأمنية، أزمةً إجتماعية تُعتبر في بعض جوانبها الأخطر على استمرارية الكيان الإسرائيلي.
إذن يعيش الكيان الإسرائيلي حالةً من القلق على المستقبل، والذي باتت تهديداته أكبر من المتوقع في تل أبيب. فمن الخطر الأمني والعسكري، الى الأزمات السياسية الداخلية، مروراً بالمشاكل في السياسة الدولية الخارجية، وصولاً الى الأزمات الإجتماعية المحلية. كلها بحسب بيني غانتس، تُنذر بأن الأمور لا تسير في مسارها الصحيح. بل تجعل الكيان الإسرائيلي يبحث عن سلامٍ يُريحه من حروبٍ أنهكته، ويغمز من قناة الدول العربية التي أثبتت إنتماءها للعبرية أكثر من العروبة. في حين كانت النتيجة واضحة، وهي التي استخلصها رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق. معتبراً أن "(اسرائيل) باتت تُشكِّل خطراً على نفسها".