الوقت- رد إيران على اعتقال رجل دين شيعي في البحرين، کانت له تداعيات واسعة في الساحة الدولية، ما جعل الجامعة العربية تتهم إیران بالتدخل في الشؤون الداخلية للبحرين. ولكن هل ظهر هذا النهج الداعم للجامعة العربیة حیال الدول العربیة في جميع الحالات؟
اعتقال الشيخ علي سلمان حمل رجال الدين الشيعة والمسؤولين الإيرانيين علی إبداء ردود فعل على ذلك، ولکن ردود الفعل هذه قد أثارت قلق المسؤولين البحرينيين خاصة عندما طلب وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف خلال محادثات هاتفية مع بعض نظرائه في المنطقة، العمل من أجل الإفراج عن الشيخ سلمان.
وبعد هذه الاتصالات، أصدرت وزارة الخارجية البحرينية بیاناً أدانت فیه ما وصفته بالتدخل الإيراني في الشؤون الداخلية للبحرین، منتقدة النهج المتبع من قبل إيران في حماية الشيعة في البحرين. وجاء في البیان أیضاً: "إن هذا التدخل یناقض تماماً مبادئ الأمم المتحدة والقانون الدولي ومنظمة التعاون الإسلامي والتي یؤکد جمیعها علی احترام سيادة واستقلال الدول" .
لكن القصة لم تنته عند هذا الحد؛ إذ اتخذت الجامعة العربية موقفاً ضد إيران، مکررة مزاعم الحكومة البحرينية وداعیة إيران إلى الكف عن التدخل في شؤون هذا البلد.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه في أعقاب هذه المواقف هو أولاً هل کان هذا النهج الذي اتخذته هذه المنظمات العربية الإقليمية هو نفسه في جميع الحالات، وهل تأکیدها علی القضايا المتعلقة بالقانون الدولي وعدم التدخل تأکید حقیقي؟ وثانیاً ما هو السبب الرئيسي لقلق هذه المنظمات حیال موقف إيران تجاه البحرين؟
للإجابة على السؤال الأول لابد من الإشارة إلی أن الجامعة العربية ومجلس التعاون لدول الخليج الفارسي قد وصفتا بعض المواقف من قبل السلطات الإيرانية تدخلاً في شؤون بلد عضو، في حین أنهما لم تصمتا أمام التدخلات الفعلیة في الشؤون الداخلية لبعض الدول العربية فحسب، بل اتخذتا موقفاً مؤیداً وموافقاً لها أیضاً.
وفي هذا الصدد یمکن الإشارة إلی ذروة الاحتجاجات الشعبية ضد نظام آل خليفة في البحرين، حیث لم ینس أحد أنه في أعقاب تصاعد الاحتجاجات في هذا البلد، لعبت السعودية من خلال إرسال قواتها الخاصة، دوراً هاماً في الحفاظ على حكم آل خليفة في البحرين وقمع المحتجين، ولم نر أي رد من قبل هاتین المنظمتين إزاء هذا الإجراء.
ثم سوريا والعراق وهما تشکلان أمثلة أخرى لإثبات هذا النهج المزدوج لجامعة الدول العربية ومجلس التعاون لدول الخليج الفارسي. فمنذ بداية النزاع في سوريا، أعلنت دول مثل السعودية وقطر وتركيا موقفها الصریح الداعي إلی ضرورة إسقاط حكومة الأسد، ولم تتردد مطلقاً في تقدیم المساعدات للجماعات المتمردة ومن ثم الإرهابيين التكفيریین. ولكن هاتان المنظمتان العربيتان قد تناغمتا في العمل مع هذه الإجراءات أیضاً.
وهكذا يصبح من الواضح أن هاتين المنظمتين العربيتین قد أثبتتا مرة أخری الطابع السیاسي المحض لاتجاهاتهما ، وبرهنتا أن ما یهمهما في المنطقة هو منع انتشار النفوذ الإيراني ولیس أي شيء آخر.
ومن الواضح أنه في سوريا والعراق، الإخلال بالوضع الراهن هو الذي سیمنع النفوذ الإيراني، وفي البحرين الحفاظ على الوضع الراهن.
وأما بالنسبة إلی الإجابة علی السؤال الثاني، فتجدر الإشارة إلى أن مواقف السلطات الإيرانية لم تثر اهتمام السلطات البحرينية والبلدان الراعية الأخرى لآل خليفة، إلا بعد مكالمات ظریف الهاتفية مع نظرائه. لكن النقطة الهامة هي أن الدول الإقلیمیة تدرك أنه نظراً لتفعيل الدبلوماسية الإقليمية والدولية تحت إشراف ظریف، فإن المكالمات الهاتفية لوزير الخارجية الايراني ستجلب تزايد الضغوط علی البحرين من بلدان أخرى أیضاً. وبالتالي فمن الأفضل أن یتم انتقاد المواقف الإیرانیة ووصفها بـ"التدخل" عبر موقف استباقي، الأمر الذي سوف لن يؤثر بطبیعة الحال على حقیقة ما یجري في البحرين.