الوقت- يبدأ الملك السعودي "سلمان بن عبد العزيز" زيارة رسمية إلى مصر اليوم الخميس تستمر خمسة أيام يبحث خلالها مع الرئيس "عبد الفتاح السيسي" العلاقات بين البلدين ومختلف القضايا الإقليمية. الزيارة التي تحمل طابع إقتصادي حيث ستوقّع مصر نحو13 قرضًا مع الجانب السعودي، إضافةً إلى 24 اتفاقية ومذكرة تفاهم بقيمة إجمالية حوالي 2 مليار دولار أمريكي، تصدّرت إهتمام دوائر الإعلام والقرارالتي تساءلت عن جوهر العلاقات المصرية السعودية بصرف النظر عن الحفاوة الإعلامية التي قد يحصل عليها الملك السعودي ًفي قصر الإتحادية أو خلال حضوره في البرلمان المصري يوم الأحد وفق برنامج الزيارة.
قد لا يختلف إثنان على الخلاف المصري السعودي في مختلف الملفات الإقليمية، بدءاً من اليمن حيث رفضت القاهرة المشاركة في العدوان، مروراً بالعلاقة مع تركيا العدو الأبرز للنظام المصري الحالي، وصولاً إلى الأزمة السورية التي تشكل عائقاً إستراتيجيا على طريق العلاقة بين البلدين، إلا أن المتتبع لسير العلاقات يدرك جيداً أن القاهرة تعلم من أين تؤكل كتف الرياض.
إن متابعة الإعلام المصري خلال العام الفائت وقصف المتبادل مع نظيره السعودي بزعامة "جمال خاشقجي"، تكشف جوهر العلاقة بين البلدين خاصّة ان النظام المصري إعتاد في الفترة السابقة على الذراع الإعلامية غير الرسمية لتوجيه رسائل سياسية يصعب تمريرها عبر القنوات الدبلوماسيّة. ما إعتاد عليه النظام المصري أيضاً هو العوز الذي تردّد على لسان "السيسي" منذ اليوم الأول، بل حتى قبل ذلك وتحديداً في الجزء الثاني من حواره كمرشح رئاسي.
بعيداً عن العوز المصري التي وجدت فيه السعودية ضالّتها، وفيما يخص جدول أعمال الزيارة وأهدافها الذي يتم وسط حالة من التكتّم الجديد، لاشكّ أن القمّة بين "السيسي" و"سلمان" في قصر الاتحادية ستتطرق إلى جملة من الملفات السياسية الإقليمية سواءً لناحية العلاقة مع إيران، أو الأزمتين السورية واليمنية أو العلاقة مع تركيا. مصادر إعلامية رسمية، توضح أن الزيارة التي تسبق قمة التعاون الإسلامي المقرر عقدها في اسطنبول بتركيا الأسبوع المقبل، سيتم إستغلالها من قبل الملك السعودي لإيجاد مصالحة تركية مصرية تفضي إلى تحالف إقليمي جديد يضم مصر إلى جانب كل من السعودية وتركيا.
إن القراءة المعمّقة للعلاقات المصرية السعودية التي توصف بالإستراتيجية، من قبل البعض، رغم إختلاف الرؤى الإقليمية، في حين أن البعض الآخر يجدها أقل من عاديّة، تؤكد أن كلا البلدين يحتاج إلى الآخر، مصر تحتاج إلى الدعم الإقتصادي السعودي، مقابل سعي الرياض للحصول على الدعم السياسي المصري، والعسكري إذا كان الأمر متاحاً، وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى النقاط التالية:
أولاً: على الصعيد السوري، يختلف الموقف المصري الذي يعتبر أن مصير الرئيس "الأسد" يكمن في يد الشعب السوري، مقابل تعنّت سعودي لتنحيه. مصر رفضت التدخل العسكري الذي تحدّثت عنه الرياض بالمشاركة مع تركيا، مشدّدة على الحفاظ على المؤسسات السورية وبخاصة الجيش، فأين "إستراتيجية العلاقة" في الملف السوري؟
ثانياً:على الصعيد العسكري، برز خلاف كبير بين القاهرة والرياض إثر القوتين العسكريتين "العربية المشتركة" و "التحالف الإسلامي"، وهذا ما سيتطرق إليه الملك سلمان عبر مطالبة مصر بتعزيز مشاركتها في التحالف الإسلامي، إلا أن الرئيس "المشير" لن يفوّت فرصة الرد بالمثل عبر تجديد مبادرته لتشكيل قوة عربية مشتركة، لنعود إلى نقطة الصفر من جديد، فأين الإستراتيجية في العلاقة العسكرية؟ الرئيس "السيسي" أكّد خلال الإجتماع الذي ضمه إلى مجموعة من المثقفين المصريين أن بلاده لن تتدخل عسكريا في اليمن أو سوريا أو ليبيا.
ثالثاً: لا ريب في أن توفير الإمدادات النفطية والمالية تشكّل شبكة أمان للقاهرة في اللحظات الحرجة التي قد تعصف باقتصادها الهش، إلا أن هذا لا يعني أبداً شراء قرارها السياسي عبر عبر معادلة "الدم مقابل المال"، فشعب مصر ليس "بلاك ووتر". لماذا يحق للسعودية ان تحاور أنصار الله في الرياض إلا أنها تثير إمتعاضها عند إستقبال القاهرة لوفد مماثل؟
إن عهد "سلمان" يختلف عن سلفه "عبدالله" الذي دعم مصر مقابل تركيا وجماعة الإخوان، كما أن الإنخفاض الفادح في أسعار النفط والعجز الحاصل في الموازنة السعودية يصب في الخانة نفسها، إلا أن "السيسي" لن يتوان عن سدّ العوز عبر التلويح بـ"مسافة سكّة" جديدة حضرت في خطاب إعلامي يتيم، وغابت عندما أرادتها السعودية في اليمن وسوريا. "السيسي" إستبق زيارة "سلمان" التي تهدف لإستثمار القرار المصري عبر مبادرة "حسن نيّة" تتماهى مع الحملة السعودية على حزب الله عبر حجب قناة "المنار" عن قمر الـ "نايل سات" التابع للشركة المصرية للأقمار الاصطناعية قد ترتفع بعد أيام من إنتهاء الزيارة، لأن دولة بحجم مصر ومكانتها وتاريخها من غير الممكن أن تتلطى تحت الجناح السعودي وتلتحف موقف الرياض التي تريد أن تمضى مصر خلفها كالبحرين. في حسابات "أم الدنيا" هناك خطوط حمراء لا يمكن تجاوزها، وأما بالنسبة لـ"الرئيس" فسيحتفل بسلمان وأمواله، ولسان حاله يردّد: "سلمان" هنا اليوم ..وغداً يوم آخر.