الوقت- جاء إعلان مسؤول أمريكي كبير أمس السبت حول نيّة الإدارة الأمريكية زيادة عدد جنودها من القوات الخاصة الموجودين في سوريا، ليكشف اللثام عن واقع المشروع الأمريكي حيال الأزمة السورية. واشنطن التي جدّدت دعواتها أكثر من مرّة لموسكو بالإنسحاب من سوريا، لوّحت بهذه الزيادة الجديدة التي تهدف للقيام بالمزيد مما تقوم به القوّة الحالية المؤلفة من 50 شخص والمتواجدة على الأراض السورية منذ الخريف الماضي.
الحديث عن القرار الجديد يأتي في سياق وقف إطلاق النار، الذي لا يشمل مناطق سيطرة تنظيم داعش وجبهة النصرة الإرهابيتين، رغم العديد من الخروقات التي تنفّذها الجماعات المسلحة الآخرى بشكل مباشر أو غير مباشر عبر التعاون مع جبهة النصرة لاسيّما في ريفي حلب وإدلب.
الخطّة الأمريكية في سوريا تتماهى مع موقف البيت الأبيض من العراق أيضاً، فقد كشف الجنرال "جو دانفورد" رئيس اركان الجيوش الأمريكية مؤخرا ان البيت الابيض و وزارة الدفاع يناقشان احتمال تعزيز الدعم العسكري الأمريكي للقوات العراقية حيث وينتشر حاليا نحو 3900 جندي أمريكي في العراق. لا ريب في أن هذه الخطوة تطيل امد الازمة السورية، إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه، ماذا حقّق الـ50 الاوائل حتى ترسل واشنطن هذه الإضافة؟
عند الدخول في تفاصيل القرار الذي جاء بعد أيام على إنتهاء جولة من المفاوضات بين وفد الحكومة السورية و وفد الرياض تجدر الإشارة إلى النقاط التالية:
أولاً: تسعى واشنطن من خلال الزيادة الأخيرة للقوات الخاصة المتواجدة على الأراضي السورية وتقوم بدور الارتباط بين قوات التحالف ومجموعات المعارضة المسلحة، تسعى لتعزيز قدرات جماعاتها هناك لاسيّما أن الجيش السوري حقّق في الفترات السابقة نتائج ملموسة في العديد من المناطق المحسوبة على واشنطن، فضلاً عن تنظيم داعش الإرهابي وجبهة النصرة.
ثانياً: تعزّز هذه القوّات الأمريكية قدرات قوات سوريا الديمقراطية الكردية والمدعومة أمريكيا، كما أن هذه الزيادة في سوريا والتي يشهدها العراق تميط اللثام عن مشروع أمريكي لتسريع وتيرة تقسيم المنطقة، خاصّة أن مشروع "فدرلة سوريا" بات يطرح بشكل جدّي من قبل بعض الأطراف الكردية. هنا تجدر الإشارة إلى أن معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى المؤثر في القرار الامريكي قد قام قبل فترة بجولات ميدانية بمرافقة "ولاهور طالباني"، رئيس مخابرات كردستان العراق.
ثالثاً: إن دعم امريكا للقوات الكردية يعدّ رسالة قويّة لتركيا التي تعتبر هذه القوّات في نفس الخانة مع تنظيم داعش الإرهابي ما يعزّز الصراع التركي الأمريكي حيال الملفات الإقليمية لاسيما الأزمة السورية والأكراد، وهذا ما لمسناه في قمّة الأمن النووي مؤخراً حيث أنه رغم اللقاء الذي تمّ بين "أردوغان" و"أوباما"، فقد أفادت الرئاسة الأميركية، قبلها بأنه "من غير المقرر أن يعقد "أوباما" لقاء ثنائياً مع "أردوغان" على هامش القمة".
رابعاً: يأتي هذه القرار بالتزامن مع قرار موازي يهدف لإعادة تدريب قوّات لمعارضة السورية الذي فشل في الفترة السابقة. "الصحوات السورية" الجديدة على غرار الصحوات العراقية، تهدف وفق واشنطن لمواجهة تنظيم داعش الإرهابي، إلا أن العديد من المصادر السياسية تؤكد أن هذه الجماعات تهدف لمواجهة الجيش السوري، ووضع موطئ قدم لها بالدولة السورية.
خامساً: ترى واشنطن نفسها مضطّرة لرفع حجم تدخّلها البري في سوريا بعد ما كشفته مؤخراً صحيفة "ذي لوس أنجلس تايمز" عن مسؤولين أميركيين تأكيدهم أن "عدّة اشتباكات دارت بين الميليشيات التي تسلّحها وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إي) وتلك التي يسلّحها البنتاغون في سوريا"، مشيرين الى أن حدّة الاشتباكات بين الأطراف المدعومة أمريكياً "إزدادت في الشهرين الأخيرين في المنطقة الممتدة بين حلب والحدود التركية". حصلت إشتباكات في مارع وأعزاز وحيّ الشيخ مقصود بين مجموعة "فرسان الحق" التي تسلّحها "سي آي إي" و "قوات سورية الديمقراطية" المدعومة بالمال والسلاح من البنتاغون.
سادساً: تحمّل هذه الزيادة العسكرية رسالة واضحة المضمون إلى روسياً بالدرجة الأولى حول إستمرار واشنطن في مشروعها سوريّاً، وإلى المعارضة التي أعلن منسق مؤتمر وفد الرياض "رياض حجاب" أن امريكا لاترغب بحل الأزمة والانتقال السياسي في سوريا.
في الخلاصة، يأتي هذا القرار الذي يعتبر بشقّ كبير منه إعلامي بإمتياز بسبب فشل الضبّاط السابقين، ويتزامن مع جولة جديدة في تدريب لمعارضة السورية المسلّحة ليصب في صلب المشروع الأمريكي تجاه سوريا، ولعل ذريعة داعش التي تستفيد منها أمريكا لتلميع صورتها الدموية، ستسمح لواشنطن بتعزيز قدراتها على الأراضي السورية بغية تحقيق الأهداف التي فشلت في تحقيقها بإستثناء إزاحة الرئيس "الأسد" الذي بات من الماضي. ولكن هذا القرار يشير بشكل أساسي إلى مدى ضعف ضابط الإستخبارات الأمريكي ومن أرسلوه من مخطّطي الحرب في تأدية دورهم المشبوه في سوريا.