الوقت- حلفاء الامس، اعداء اليوم، هذا ملخص سريع للعلاقة المحتضرة في ترکيا بين الرئيس "رجب طيب اردوغان" و حليفه السابق "فتح الله غولن". فما زال أردوغان يضع على رأس أولوياته توقيف الداعية المعارض غولن وحظر جماعته. فيحاول في اجتماع تلو الاخر مع مستشاريه نقاش كيفية إقناع واشنطن بتسليم حليفه السابق. وردا علی ذلک، أرسل له غولن بطاقة معايدة بالسنة الجديدة، على شكل رسالة سخرية و تحدي مسجل قائلا فيها "اسامحك إذا اعتذرت مني وعدت عن خطئك". فالی اين تتجه هذه العلاقة؟
المواجهة بدات بعد موضوع ملف رئيس الاستخبارات التركية حاقان فيدان، المقرب من أردوغان، والذي خيب آمال الجماعة التي كانت تنتظر أن يساعدها على إحكام سيطرتها على الجهاز. ونتج عنه تغيير أردوغان للعشرات من أفراد الجماعة في قيادات أجهزة الدولة المختلفة.
ولکن أحداث حديقة "جزي" کانت القشة التي قصمت ظهر العلاقة المتوترة بين الحزب الحاكم وظهيره الشعبي القوي. فرغم عدم مشاركة الجماعة بأفرادها في الاحتجاجات التي اكتست ثوب العنف سريعا، إلا أن وسائل الإعلام المرتبطة بها حاولت النيل من أردوغان واتهامه بالتسلط والدكتاتورية وسوء إدارة الأزمة، في مقابل تلميع صورة نائبه في الحزب والحكومة بولند أرينتش الذي يشاع أنه على صلة طيبة جدا بها.
لاحقا وبعد انتهاء الاحتجاجات وهدوء الشارع، فجر الإعلامي المقرب من الحكومة عبدالرحمن ديليباق، قنبلة إعلامية اعلن فيها امتلاكه تسجيلات تؤكد اتفاق الجماعة مع حزبي المعارضة الرئيسين حزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومية على اثارة اعمال شغب للنيل من شعبية الحزب الحاكم، ثم التحالف انتخابيا لإسقاطه في الانتخابات القادمة.
و اما الضربة القاضية والتي اخرجت الطرفين عن طورهما وصمتهما فكان الخلاف حول معاهد التحضير للامتحانات الجامعية، حين اعلنت الحكومة نيتها تغيير نظام الامتحانات وتحويل هذه المعاهد إلى مدارس خاصة ضمن مشروع تطوير النظام التعليمي. و لكون الجماعة تملك ما يقرب من ربع هذه المعاهد التي تدر عليها اموالا طائلة وتعتبر مجال استقطابها الاكبر لفئة الشباب فقد تعاملت مع الامر بحساسية، واعلنت تحديها للقرار الحكومي و الرفض والعصيان، ما اوصل الامور الی حد فقدان الثقة بين الطرفين.
بالعودة الی الحکم، والتدقيق في ميزان القوى بين الطرفين، يبدو واضحا تفوق أردوغان المسيطر على الدولة و الحكومة بكل أجهزتها، ولکن بالرغم من ذلك فان تصرفات جماعة غولن أحيانا تبدو و كأنها تتحدى حليفها السابق القضاء عليها.
المعرکة الامنية بين الطرفين لم تقف هنا، فرغم کل الاعتقالات و التحقيقات ما زالت يد غولن طويلة كما يبدو، و يظهر ذلک جليا في التسجيل الذي نشرته جماعة غولن عن تحقيق مع احدی انصارها، يفترض ان يکون سريا للغاية.
هاجس التنصت والمراقبة اللذين اشتهرت بهما جماعة غولن، کان الشغل الشاغل لاردوغان في الاعوام الاخيرة، فقد عمد الی تشييد قصر جديد اعتمد في بعض قاعات اجتماعاته علی أجهزة تشويش متقدمة لتاكيد احتفاظ الرئاسة بخصوصيتها بعيدا عن عيون غولن واذانه.
ذكاء غولن وحيطته، کبلت ايادي الرئيس اردوغان ورجاله فلم يجدوا قضية تمكنهم من توريط غولن قضائيا، سوى ملف قديم يعود إلى العام 2010، يحشر فيه وكيل النيابة كل الحيل القانونية لإظهار غولن "زعيم تنظيم إرهابي".
ومن المتوقع أن تلقي المعركة الإعلامية التي تدور حاليا في تركيا بين جماعة كولن وحكومة أردوغان بظلالها على الانتخابات المحلية، التي ستجري في نهاية آذار القادم. فتقدر الأصوات التي تتحكم فيها الجماعة ما بين اثنين وخمسة بالمائة، ولكنه ليس من المؤكد ان يلتزم جميع أعضائها بقرار عدم تاييد حزب العدالة والتنمية.
ولکن أكبر مشكلة أمام جماعة فتح الله غولن اليوم، عدم وجود منافس يمكن أن تتحالف معه ضد اردوغان. ولذا فقد تتجه إلى تأييد حزب الشعب الجمهوري أو الأحزاب الأخرى في الدوائر الانتخابية المختلفة حسب أسماء المرشحين، بدلا من تأييد حزب واحد في جميع أنحاء تركيا.
الجماعة التي تمتلك وسائل إعلام عديدة من القنوات والصحف والمجلات بالإضافة إلى وكالة الأنباء، قد تنال من شعبية أردوغان وحزبه بحملات إعلامية مكثفة، إلا أن الجماعة نفسها هي ايضا لن تنجو من التداعيات السلبية لهذا التصعيد، لان جماعة غولن التي طالما ترفع شعار "التسامح"، لأول مرة ستخوض معركة بهذه الشراسة وهذه اللهجة، ضد حكومة منتخبة حازت على ما يقارب 50% من أصوات الناخبين.
لا شک ان الطلاق السياسي بين الطرفين، تطور کثيرا في الاونة الاخيرة. حيث ظهر جليا في العمليات القضائية والامنية الاخيرة. فهل تتازم الامور الترکية اکثر من ذلک لتصل الی حدود العمليات الامنية التخريبية، من قتل و اعمال عنف و غيرها؟ ام ان النزاع السياسي سيتبدد عند صناديق الاقتراع معيدا الامور الی مجاريها؟..