الوقت - تسير الأزمة السورية بشكلٍ متسارعٍ في الميدان. فيما تستمر المفاوضات دون إحراز أي خرقٍ يُذكر، على الرغم من دخولها اليوم الأول من الأسبوع الثاني. ففي وقتٍ يسعى فيه المبعوث الأممي للحديث عن الإنتقال السياسي، يجد الوفد الحكومي برئاسة الجعفري الوقت مُبكراً لذلك. بينما ظهر وللمرة الأولى، تحذيرٌ روسي، لواشنطن، بإمكانية قيام روسيا بهجماتٍ أحادية على كل من يخرق الهدنة، في حال استمر الطرف الأمريكي في غض النظر عن المنتهكين. فماذا في آخر مستجدات الوضع السوري؟
جنيف السوري
لا تزال محادثات "جنيف 3" تراوح مكانها، فيما خرج كالعادة المبعوث الأممي للتحذير بأن لا خيار بديل عن المفاوضات. فقد كشف اليوم الأول من الأسبوع الثاني من مفاوضات جنيف، بأن المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا لم يستطع ردم الهوة بين الطرفين، وإيجاد صيغةٍ عملية مُشتركة، بين مطالب وفد الحكومة ووفد معارضة الرياض. من جهته وصف رئيس الوفد الحكومي بشار الجعفري، المباحثات مع الموفد الأممي إلى سوريا، ستيفان دي ميستورا، بالمهمة، حيث تطرق الطرفان خلالها وبشكل معمّق إلى قضايا تشكّل أولوية كمكافحة الإرهاب. وشرح الجعفري للمبعوث الأممي مخاطر قيام بعض الدول بدعم الإرهاب وتصديره إلى سوريا، عبر تركيا، تحت مُسميات عديدة. ورأى الجعفري أن دمشق لم تتلقّ، حتى الآن، إجابةً على ورقة عناصر "الحل السياسي للأزمة"، التي قدمها وفده لدي ميستورا، مشيراً إلى أنه "لا يعلم من الذي يمثل وفد المعارضة... وهذه عقبة كبيرة أمام الحوار"، مستغرباً الأحاديث غير المسؤولة حول الإنتخابات التشريعية، لافتاً إلى أن ما يتحدث عنه وفد السعودية حول مقام الرئاسة كلام لا يُستحق الرد عليه، باعتبار أن هذا الموضوع ليس موضوع نقاش، ولم يرد في أي جزء من الحوار.
بدوره، أعرب دي ميستورا عن قلقه من بطء التقدم في المباحثات، مؤكّداً أن الإنتقال السياسي هو شرط أساسي للحفاظ على الهدنة وتسليم المساعدات الإنسانية. وقال إن الجعفري أبلغه "بأن من المبكر جداً مناقشة الانتقال السياسي"، وهو ما أكّده دي ميستورا نفسه، محذّراً من أنه لا يوجد خطّة بديلة إذا فشلت المحادثات. كما حذر دي ميستورا من أنه "من دون البدء في حوار بشأن الإنتقال السياسي سيكون من الصعب الحفاظ على اتفاق وقف الأعمال القتالية وتسليم المساعدات".
روسيا تحذر أمريكا من غض النظر عن خرق الهدنة
من جهةٍ أخرى، أعلنت وزارة الخارجية الروسية للمرة الأولى منذ بدء تطبيق اتفاق الهدنة في 27 شباط الماضي، أن موسكو قد تتحرك بشكل أحادي ضد المتشددين الذين ينتهكون اتفاق وقف القتال في سوريا، إذا لم تتوصل موسكو إلى اتفاق مع واشنطن بشأن آلية رصد ومنع انتهاكات الهدنة. وأوضحت الوزارة، في بيان لها، أن الإتفاق، الذي تم إعداده بواسطة روسيا وأمريكا، متماسك إلى حد بعيد، لكنها أضافت أن البلدين أخفقا حتى الآن في الإتفاق على بنود منع كل الإنتهاكات لوقف إطلاق النار، وهو ما يبعث برسالة خاطئة إلى "أعضاء المعارضة، الذين لم ينأوا بأنفسهم بوضوح كاف عن جماعات إرهابية معروفة". وأضافت الخارجية بأن هناك انخفاضاً ملحوظاً في مستوى العنف. وقد تزايد بشكلٍ ملحوظ عدد جماعات المعارضة المسلحة التي ترفض القتال وتختار طريق المصالحة، ومع ذلك، أظهرت معلومات الرصد الدقيق أن هناك عدداً من الميليشيات التي تتحرك بعيداً عن التقيد بوقف إطلاق النار وتقوم بخرقه، وتتعاون مع جبهة النصرة.
وأوضحت وزارة الخارجية أن روسيا عرضت على الأمريكيين وضع آلية مشتركة مناسبة، من شأنها أن توفر تبادل المعلومات وتسجيل انتهاكات وقف الأعمال العدائية، الأمر الذي قد يليه صيغة لمعاقبة المسؤولين عن هذه الإنتهاكات. كما أن هناك اتصالات مع الأمريكيين بشأن هذه المسألة منذ فترة طويلة. ومع ذلك، فهذه الإتصالات لا تسمح بعد بالإنتقال لصياغة بنود متفق عليها بين واشنطن وروسيا، للحد من حوادث انتهاك الهدنة. وهو ما يؤدي بحسب موسكو الى إرسال إشارات خاطئة لمجموعات المعارضة التي لم تنضم لوقف إطلاق النار ولم تبتعد بشكل واضح عن المجموعات الإرهابية المعروفة.
وكانت هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية اقترحت عقد اجتماع عاجل مع ممثلي واشنطن، للإتفاق على آلية مراقبة وقف إطلاق النار في سوريا، محذرة من أنها ستتحرك بشكل أحادي بدءاً من اليوم (أي أمس) إذا لم تتلقَّ رداً، لكنها شددت على أنها لن تستخدم القوة ضد المدنيين أو الجماعات الملتزمة بالهدنة.
من جهتها رفضت واشنطن دعوة الجيش الروسي، معتبرة أن مخاوفه يجري التعامل معها بالفعل بشكل بنّاء. وقال مسؤول أمريكي، لوكالة "رويترز" في جنيف، "أطلعنا على التقارير الإعلامية الخاصة بمخاوف روسيا بشأن انتهاكات وقف القتال. أياً كان من يدلي بهذه التصريحات هو مضلل، لأن هذه المسائل تم بحثها بشكل مطول بالفعل وما زال يجري بحثها بشكل بنّاء". الأمر الذي جعل موسكو تُصرِّح بأن "المماطلة خطيرة وتؤدي إلى نتائج عكسية"، وأنها ستعود إلى استهداف منتهكي الهدنة، إن لم تضع واشنطن حدّاً لمجموعات المعارضة.
إذن، تستمر الأزمة السورية، وسط نفاقٍ أمريكي في التعاطي مع الجماعات المُسلحة. فيما تسعى موسكو لتثبيت وقف إطلاق النار. بينما تسير مفاوضات جنيف بلا أفقٍ سياسي. فالمعارضة المُشرذمة، لم تُجب بعد على أسئلةٍ الوفد الحكومي. وبين كل تلك الأحداث، يستمر الشعب السوري في معاناته التي تنتظر حلول المستقبل.