الوقت- شكلت الخطوة الروسية مفاجأةً لجميع الأطراف الإقليمية والدولية. في حين بدأ المحللون بالحديث عن موازين الربح والخسارة، في الميدان العسكري بعد الخطوة، وما يلحق بها من الناحية السياسية. لكن الجميع اتفق على أن الخطوة التي يبدو أنها مُنسقة بين موسكو ودمشق، ساهمت في نزع ورقة الإبتزاز التي كانت تستخدمها الأطراف المعارضة للنظام السوري، متهمةً إياه بخرق الهدنة. في وقتٍ يمكن القول بأن روسيا تسعى لإخبار العالم، بأنه لا خطة (ب) في سوريا. فماذا في الخطوة الروسية؟ وما هي دلالاتها؟
الإعلان الروسي
جاء إعلان الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين"، سحب جزء من قواته الجوية في سوريا، كمفاجأةٍ ثقيلة حلَّت على المنطقة والعالم. فقد أوعز "بوتين" إلى وزير الدفاع الروسي "سيرغي شويغو"، بالبدء بسحب الوحدات الروسية من سوريا اعتباراً من اليوم، بعد انتهائها من تنفيذ مهماتها. وقال، خلال لقاء مع وزيري الخارجية "سيرغي لافروف" والدفاع بأن "المهمة التي كلفت بها وزارة الدفاع والقوات المسلحة قد نفذت بشكل عام، لذلك آمر بالبدء بسحب الجزء الرئيسي من وحداتنا العسكرية في الجمهورية العربية السورية اعتباراً من يوم الثلاثاء". وأعرب "بوتين" عن أمله بأن بدء سحب القوات الروسية من سوريا سيشكّل دافعاً إيجابياً لعملية التفاوض بين القوى السياسية في جنيف. كذلك كلف "بوتين" وزير الخارجية بتعزيز المشاركة الروسية في تنظيم العملية السلمية لحل الأزمة السورية. الإعلان الروسي جاء بعد مكالمة هاتفية بين الرئيسين الروسي والسوري، اتفقا خلالها على الإنسحاب، وهو ما أعلنته الرئاسة السورية، في بيانها، مُرجعة السبب إلى النجاحات التي حقّقها الجيش بالتعاون مع سلاح الجو الروسي في محاربة الإرهاب، وعودة الأمن إلى مناطق عديدة في سوريا، وارتفاع وتيرة المصالحات ورقعتها في البلاد. ورغم إعلان الانسحاب الروسي، وبدء سريان مفعوله اليوم، أشار "بوتين" إلى أن القوات الروسية ستبقى في ميناء طرطوس وفي قاعدة حميميم الجوية.
دلالاتٌ وتحليل
لا شك بأن الخطوة الروسية شكَّلت مفاجأةً لجميع اللاعبيين الإقليميين والدوليين. لكنها جاءت لتدعم التالي:
- شكلت الخطوة الروسية إعادة خلطٍ للأوراق، أو ما يمكن وصفه بإعادة التموضع الروسي دولياً. وهنا فإن أهم ما يجب الوقوف عنده هو مسألة التوقيت. فالقرار جاء بعد إطلاق عملية سياسية في جنيف، تراهن عليها موسكو كخطوةٍ تأتي دعماً للهدنة التي تمَّ التوصل إليها منذ أيام في سوريا. وهو ما أشار المحللون الى أنه قد يكون محاولة روسية لفرض معادلاتٍ جديدة، تساهم في دعم الحلول السلمية، وتمنع الطرف الأمريكي أو الحليف له، بالقيام بأي خطوةٍ تحت عنوان الخطة (ب). مما يعني بأن موسكو قامت بخطوةٍ إستباقية داعمة للهدنة و وقف إطلاق النار.
- جاءت الخطوة بسحب القوة الجوية الرئيسية، بعد أن أنهى الطرفين الروسي والسوري ما يجب إنجازه في الميدان العسكري. وهنا فإن قلب المعادلات في الميدان، أسهم بتأمين الأوراق لمرحلة المفاوضات في جنيف، وبالتالي ظهرت بوادر التقارب بين الأطراف كافة، حول ما يُعرف بخريطة فيينا أي الحكومة الموسعة، والتعديلات الدستورية، الى جانب الإنتخابات التشريعية والرئاسية، وهو ما استطاع الطرف السوري فرضه على الجميع.
- بالشكل العام، ساهمت الخطوة الروسية، في دفع العملية السياسية بإتجاه الأمام. فيما يُنتظر من الأطراف الأخرى وبالتحديد واشنطن، إكمال الخطوة لصالح المحادثات. ولعل أبرز نتائج خطوة موسكو، كانت نزع فتيل الورقة التي طالما تسلحت بها الأطراف المعارضة للنظام السوري، أي ورقة خرق الهدنة. مما عرَّى هذه الأطراف، وجعلها تخضع للمعادلات الجديدة.
إذن استطاعت موسكو الدفع بإتجاه التمسك بالهدنة والعمل على تكثيف الجهود الدبلوماسية للتوصل إلى تسوية. خصوصاً أن الخطوة المُنسقة مع دمشق، فاجأت جميع الأطراف. فيما تجد الأطراف المعارضة للنظام نفسها، أمام أزمةٍ جديدة تتعلق بفقدان الأوراق التفاوضية. في حين يؤكد المراقبون، بأن ما سيأتي رهنٌ بردات فعل الأطراف كافة. أما بالنسبة للخطة (ب) فلم تعد تجد أرضية لها. مما يجعل الطرف الأمريكي وحلفاءه الإقليميين، رهن الخطوة الروسية، والسير بالهدنة لإنجاحها.