الوقت- أثارت التصريحات الاخيرة التي أدلى بها وكيل الأزهر الدكتورعباس شومان، الكثير من التساؤلات حول طبيعة المهام والمسؤوليات التي تضطلع بها هذه المؤسسة ومدى استقلاليتها في اتخاذ القرارات لاسيما التي تتعلق بالجانب السياسي وتطورات الاحداث على الساحة المصرية.
فخلال حوار صحفي اجرته معه مؤخراً احدى القنوات الفضائية أكد شومان أن الأزهر قام بتكوين لجنة لاختيار القيادات العليا فى مشيخة الأزهر، مشيرا إلى أن هذه اللجنة تعتمد بشكل أساسي على التقارير الأمنية فى تعيين القيادات، ولا يتم تعيين أحد إلا بالرجوع إلى الأمن لمنع عودة الإخوان المسلمين إلى قيادات الأزهر.
كما اكد وكيل الأزهر بإنه يدعم الحكومة الحالية ويساند رئيسها عبد الفتاح السيسي ويؤيد الأحكام القضائية التي صدرت ضد الإخوان، معتذرا في الوقت نفسه عن دعمه للرئيس المعزول محمد مرسي خلال فترة حكمه ونشره لتدوينات على مواقع التواصل الاجتماعي تدعم مرسي وجماعته التي أتهمت فيما بعد بالخیانة والتجسس لصالح جهات اجنبیة. واشار ايضاً الى انه لم يتمنَّ يوماً وصول الاخوان إلى الحكم، لأنه كأزهري يختلف مع فكرهم وتوجهاتهم.
وفي جانب آخر من حديثه اشار شومان الى أن هيئة كبار العلماء اجتمعت على عزل الشيخ يوسف القرضاوي، لمواقفه المنحازة لجماعة الإخوان، معتبرًا أن مؤسسة الأزهر وسطية، ولا يستطيع أن يخرجها أحد عن ذلك، على حد وصفه.
وفي وقت سابق وتحديداً خلال الانتخابات الرئاسية التي أفرزت فوز السيسي صبّ شومان جام غضبه على القرضاوي - الذي كان مستميتاً في الدفاع عن الإخوان - بسبب فتواه بتحريم المشاركة في تلك الانتخابات، واصفا تلك الفتاوى بصدورها عن أصحاب الخيال المريض، الذين يفتون دون اعتبار لمصلحة الوطن، متهماً اياه بالخروج عن شرع الله.
وتجدر الاشارة الى أن القرضاوي أدرج على قائمة المطلوبين من قبل الإنتربول الدولي بناء على طلب من السلطات المصرية بتهمة التحريض على القتل ومساعدة سجناء على الهرب والتخريب والسرقة، وهو – القرضاوي - يعد كذلك بنظر الكثيرين أحد أبرز رموز الفتنة في العالم الاسلامي.
فالقرار الأخير الذي اتخذه الازهر يعكس رغبة الدولة بعدم إعطاء مساحة من الاستقلالية لهذه المؤسسة، وهو ينسجم مع خارطة الطريق التي اقترحها القادة العسكريون بعد عزل مرسي والتي تهدف الى الغاء اي دور للإخوان في جميع المجالات السياسية والدينية.
ويعتقد المتابعون للشأن المصري بأن الأزهر لم يعد مجرد مؤسسة دينية، بل هو الآن شريك في الخريطة السياسية وله دور كبير في إضفاء الشرعية على حكم السيسي رغم الاصوات المعارضة لهذا التوجه خصوصا من قبل الشباب الا ان الصوت الاعلی لا یزال بید الکادر المتنفذ فی شؤون هذه المؤسسة باعتباره یمثل مصدر القرار الدینی الرئیسي فی البلاد.
وقد لا يعلم الكثيرون ان الأزهر كان يتمتع باستقلالية حتى صدور قانون تطويره سنة 1961م. فمنذ صدور هذا القانون لم يعد شيخ الأزهر ينتخب. بل يتم تعيينه بأوامر من رئيس الجمهورية.
ونتيجة لذلك، احتلت قضية استقلال الأزهر عن الدولة جانبا هاماً من النقاشات السياسية بعد ثورة يناير التي اطاحت بنظام الرئيس الاسبق حسني مبارك عام 2011 . فمن المعلوم أن سيطرة الدولة على الخطاب الديني وتشكيل هذا الخطاب وفقا لما يمليه الحاكم أمر خطير للغاية ، خصوصاً وإن القوانين النافذة في مصر تلزم الدولة بتوفير جميع الاحتياجات المالية للازهر.
والسؤال المطروح هنا هو: هل ان الأزهر يملك استقلالية في اتخاذ قراراته ام انه يمتثل لحكم العسكر بعد أن بات في قلب المعمعة السياسية في ظل مواقفه الأخيرة التي يرى الكثير أنها لا تتسق مع ما يجب أن تضطلع به إحدى أقدم المؤسسات الدينية في العالم الاسلامي؟
وحسب مراقبين، تسعى السلطة الحالية لإقحام الأزهر في القضايا الخلافية من خلال تأكيدها بأنها لن تسمح بعودة الاخوان الى الحياة السياسية والدينية فيما يرى البعض أنه يجب على هذه المؤسسة أن تبتعد عن القضايا التي تسبب الشقاق والانقسام داخل المجتمع، وألا تنحاز لرأي سياسي على حساب آخر وأن لا تکون تحت وصایة أحد.
ويعتقد كثيرون إن الوقت قد حان إلى ان يعود الأزهر لاستقلاليته في جميع المجالات ومنها المادية التي كانت من أهم الأسباب التي كبلت الأزهر وجعلته تابعا للدولة لفترات طويلة. فالاستقلال المادي هو أحد أهم الضمانات من أجل الابتعاد عن مؤسسة الدولة بجميع اشكالها. وهذا الامر مطلوب كي يقوم الازهر بدوره دون تدخل اي جهة سياسية لأن ذلك يسيء إلى سمعته من ناحية ويقوض دوره من ناحية اخرى، فهو ليس وزارة تدار بقرارات حكومية ولابد من عودته لممارسة دوره الطبيعي كمؤسسة دينية وعلمية تضطلع بواجباتها المطلوبة دون اي تحكم خارجي.