الوقت ـ جميعنا نتذكر كيف كان يزعم "أحمد عسيري" المتحدث باسم ما يسمی الائتلاف السعودي، بأعلی درجة من الإستعلاء، قبل حوالي أقل من عام، عن أن هذا الائتلاف لا يمكن أن يوقف عملياته العسكرية ضد الیمنيين العزّل، إلا في حالة واحدة، تتمثل في عودة الرئيس المنتهية ولايته "منصور عبد ربه هادي" الی السلطة مجددا دون أي قيد او شرط. لكن علی ما يبدو فقد لم يكتب لهذه العنجهية والتعجرف السعودي النجاح بعد مرور حوالی عام كامل من العدوان علی الیمن. إذ فهمت السعودية أن الآلة العسكرية الضخمة التي تمتلكها لا يمكن أن تنتصر علی إرادة الشعب الیمني الذي يقاتل بسلاح بدائي لكن بعقيدة صلبة لا يجدها الجندي او المرتزق السعودي في نفسه. وبعد ما كانت تؤكد الرياض أنها لا يمكن أن تقبل باقل من تسليم العاصمة صنعاء من قبل حركة أنصارالله والجيش الیمني والقبول بعودة "هادي" الی السلطة مجددا، ها هي الیوم، باتت تبحث عن المفاوضات مع حركة أنصارالله. فيا تری ما هي الأحداث التي أدت الی إنقلاب الطاولة رأسا علی عقب بالنسبة للسعوديين، حتی جعلتهم الیوم يبحثوا عن وسيلة يمكن من خلالها إنهاء عدوانهم علی الیمنيين؟.
الكثير من المتابعين يرون أن إرتفاع أعداد القتلی بين الجنود والضباط السعوديين ووصول العدد الی حوالی 3 آلاف قتيل سعودي، هو السبب الرئيسي في جنوح السعوديين الی المفاوضات مع حركة أنصارالله، بالرغم من أن الأمر لازال مكرها بالنسبة الی السعوديين الی أبعد الحدود.
الشعور بتمريغ كرامة وهيبة الجيش السعودي علی يد المقاتلين الیمنيين، وإنبطاح آلة الحرب السعودية التي تتمتع باحدث الصناعات الغربية، بدء من طائرات الـ اف15 وصولا الی القنابل العنقودية المحرمة دوليا، يعتبر أحد الاسباب الاخری التي أجبرت السعوديين علی الجلوس مع حركة أنصارالله لبدأ مفاوضات مباشرة.
الخوف من المحاسبة بسبب إرتكاب العديد من مجازر الحرب، من قبل قادة الجيش السعودي وعلی رأسهم الملك "سلمان" وإبنه "محمد بن سلمان" بصفته وزيرا للدفاع، هي أحد الأسباب الاخری التي أرغمت السعوديين علی الاعتراف بحركة أنصارالله والجلوس معها لايقاف العدوان علی الیمنيين.
كما لابد علینا أن لا ننسی أن إستمرار الحرب لحوالي عام كامل، قد أنهك الإقتصاد السعودي بشكل كبير، خاصة في ظل انقلاب لعبة النفط التي بدءتها الرياض، لغير صالح السعودية، بعد ما كان الهدف منها ضرب الإقتصاد الإيراني والروسي. وهذه القضية أيضا أحد الأسباب التي باتت تحتّم علی السعوديين، القبول بمبدء المفاوضات مع حركة أنصار الله.
حركة أنصار الله وعلی لسان ثاني أكبر مسؤوليها ورئيس مجلسها السياسي السيد "صالح الصماد" أكدت الیوم (الاثنين) وبشكل رسمي خبر إجراء محادثات ثنائية بين السعودية و وفدا من الحركة أدت الی "تفاهمات مبدئية" نتج عنها تهدئة علی الشريط الحدودي بين حركة أنصارالله والجيش السعودي، قد تفضي هذه التفاهمات مستقبلا الی ايقاف العدوان السعودي علی الیمن نهائيا. وأكد الصماد علی حسابه الخاص في الفيس بوك أن اللقاء حصل في مناطق حدودية بين الیمن والسعودية كمبادرة إنسانية من قبل حركة أنصارالله لتسليم أسير سعودي يعاني من ظروف صحية صعبة، مؤكدا أنه "لا مانع أن تستغل مثل هذه المبادرات لإيجاد قناة تواصل مع الطرف الآخر، للاستماع لوجهات النظر، والتفاهم لإيجاد الیات قد تفضي إلى حوار بعزة وكرامة".
وبناء علی هذه المفاوضات التي نتمنا لها النجاح لانهاء معاناة الملايين من الیمنيين الذين ذبحتهم وشردتهم آلة الحرب السعودية، فان الظروف الميدانية باتت تشير الی أوضاع لم تحسد علیها السعودية وحلفاءها خاصة الإماراتيين منهم، باعتبارهم أكثر المتضررين بالنسبة لغيرهم من المشاركين في الإئتلاف السعودي ضد الیمن. وإذا ما نظرنا الی النتائج التي إكتسبتها قوات الائتلاف السعودي، بعد حوالي عام من العدوان علی الیمن، فانها تقترب من الصفر، وذلك بسبب عدم مقدرة الائتلاف علی سحق قوات أنصارالله، وعجزه في دخول العاصمة الیمنية وكذلك عدم قدرة السعودية علی إعادة "هادي" الی الیمن رغم كل ما نسمعه عن "الشرعية" التي تتحدث عنها السعودية!.
إذن لم نجد أي شيء يتعلق بالقضايا الإنسانية، من الممكن أن نعتبره في عداد الامور التي دفعت السعودية باتجاه المفاوضات مع حركة أنصارالله، وذلك بسبب أن السعودية لم تعير أي إهتمام لحقوق الإنسان، ويمكن رؤية ذلك من خلال آلاف الاطنان من القنابل والصواريخ التي قذفتها علی رؤوس الأبرياء، لا بل حتی يمكن رصد هذه الإنتهاكات الإنسانية من خلال استخدام الأسلحة المحرمة دوليا مثل القنابل العنقودية. وفي النهاية ورغم تمنياتنا بالنجاح الی المفاوضات لإنهاء العدوان السعودي علی الیمن، إلا أننا سنظل ننتظر الیوم الذي تتم فيه محاسبة السعوديين ومن شاركهم في العدوان علی الیمن بسبب ما اقترفته أيديهم من مجازر مروعة ضد المدنيين وتدمير البنی التحتیة في الیمن.