الوقت- تعد اليمن وما تملكه من موقع استراتيجي محط اهتمام المجتمع الدولي. فهي تسيطر على أحد أهم المضايق البحرية في العالم، وهو "مضيق باب المندب" الذي يقع بين اليمن والقرن الإفريقي فضلا عن كونه يتحكم بممر اساسي لناقلات النفط والسفن التجارية المتجهة لاوروبا والعالم وهو خط الملاحة البحرية لقناة السويس زد على ذلك ما يتمتع به هذا البلد من ثروات معدنية وطبيعية ليست بالقليلة.
وكأي بلد في هذه المنطقة فقد حاولت قوى الامبرالية العالمية واذنابها وعلى رأسهم ال سعود اغراق اليمن في اتون النزاعات الطائفية والارهاب المنظم بحيث يسهل لها السيطرة والتحكم به وتبقيه في حالة من الضعف والتخلف، فأحدثت فيه منذ عام 1992 وعقب عودة من عرفوا" بالمجاهدين الأفغان العرب" تنظيم القاعدة الارهابي بمساعدة القوى التكفيرية وبمباركة من شيوخ الفتنة والاجرام، ولکن بقي نشاط هذا التنظيم يقتصرعلى بعض العمليات هنا وهناك، حتى انطلاق الثورة اليمنية على نظام علي عبد الله صالح ومارافقها من حالة الفلتنان الامني في ارجاء البلاد ازداد معها نشاط المجموعات الارهابية وازداد اجرامها بشكل ملحوظ عقب الثورة الاخيرة عام 2014 ، حيث كثف التنظيم من عملياته العسكرية ضد المدنيين الامنين و الجيش اليمني والقوات الشعبية المساندة له.
أسباب ازدياد نشاط تنظيم "القاعدة" في اليمن :
عوامل شتى تکمن وراء تصاعد نشاط هذا التنظيم الارهابي من ابرزها:
أولا: استغلال التنظيم حالة الفلتان الامني الذي رافق الثورة اليمنية الاولى والثانية، وانشغال الجيش اليمني بالأوضاع الداخلية والصراع على السلطة فسارع التنظيم لفرض سيطرته على بعض المناطق في اليمن البعيدة عن العاصمة صنعاء وخاصة في محافطتي حضرموت وارحب، مما أوجد له قاعدة جيدة لانطلاق هجماته الارهابية وأماكن للتدريب والتجنيد، فانشأ معسكرات تدريبية هنا وهناك و تلقى تدريبات مكثفة على بعض أنواع الأسلحة وطريقة زرع العبوات الناسفة وتنفيذ العمليات الهجومية لترويع الناس الامنين.
ثانيا: إستغلال التنظيم من النسب المرتفعة للأمية في بعض المناطق اليمنية والحالة الاقتصادية الصعبة لبعض أبناء الشعب اليمني فسعى الى زيادة عدد منتسبيه بالتفكير الضال والمنحرف تارة وبالمال تارة أخرى.
ثالثا: تمركز تنظيم القاعدة في اليمن في الاماکن ذات التضاريس الصعبة، البؤر غير المستقرة والمساحات الشاسعة، فعمد الى استغلال طبيعة البيئة الوعرة في اليمن لتكون مظلة له من أي هجوم محتمل للجيش اليمني والقوات الشعبية المساندة له.
رابعا: إستغلال التنظيم من الاضطرابات السياسية الموجودة في البلاد عقب اندلاع الثورة اليمنية على علي عبد الله صالح، حيث حاول التنظيم الايحاء بالمشاركة في الثورة تحت مسميات مختلفة كحزب الاصلاح او الجمعيات الدينية من أجل كسب تعاطف الثوار اليمنيين، ولكن بقي السلوك الارهابي ظاهر على أعمال هذا التنظيم حيث قام بعدد من العمليات الاجرامية خلال الاحتجاجات الشعبية، خاصة في المحافظات الجنوبية حيث ينتشر التنظيم بشكل كبير، كان بعضها اشتباكات ضد قوات الدولة وعمليات اغتيال للقيادات العسكرية وعناصر الأمن.
خامسا: استطاع التنظيم الاستيلاء على كميات كبيرة من الذخائروالأسلحة والمعدات من مواقع الجيش اليمني التي هاجمها في الآونة الأخيرة في جنوب وجنوب شرق البلاد، مما جعل حركة التنظيم ومساحة نشاطه في اليمن، في أعلى معدلاتها منذ نشوئه، وفي ظل انشغال الدولة اليمنية في اوقات سابقة بمقاومة الحراك الشعبي.
سادساً: عمد تنظيم القاعدة وبعض السياسيين اليمنيين، من مشايخ ال الاحمر على وجه الخصوص، والتي تلاقت مصالحهما في ضرب الحراك الثوري الاخير الى اذكاء الروح الطائفية محاولين اصباغ الثورة اليمنية الثانية (عام 2014) بالطابع المذهبي وتصدير مقولة ان الثورة هي "تمرد للحوثين الذين يسيطرون على مساحة كبيرة من البلاد ليس الا" . فحاولت هذه الاطراف استغلال مشاركة حركة انصارالله في القتال الى جانب الجيش اليمني ضد التنظيمات التكفيرية لاثارة النعرات الطائفية التي تخدم مصالحها الضيقة. هذا الكلام كان له مروجوه في وسائل اعلام دول الخليج الفارسي التي ترى في اي حراك شعبي سلمي على الحدود هو تهديد لعرش المماليك النفطية التي تمولها.
سابعاً: العامل الخارجي ومحاولة الانظمة الخليجية والقوى السلفية وبعض الفخوذ من قبيلة "حاشد" بمبارکة الاميركيين الالتفاف على المبادئ التي انطلقت من اجلها الثورة اليمنية الاولى، من خلال ما سمي بالمبادرة الخليجية، فسعت قوى الحراك الثوري الى اعادة الثورة الى نهجها الصحيح وهذا ما لايروق للسعودية وحلفائها بطبيعة الحال فقامت باشغال الحوثيين على وجه الخصوص في شمال اليمن تارة بالاعتداءات على الحدود مع صعدة وتارة بتوظيف تنظيمات كالقاعدة وأنصار الشريعة لاستفزازهم وابعادهم عن الحياة السياسية اليمنية وابقائهم بحالة حرب متعددة الجبهات تضعف من تحراكاتهم وتشتت قواهم وتشغلهم عن المشاركة الى جانب الجيش اليمني في قتال الجماعات الارهابية هذا العمل الذي تقوم به قوات اللجان الشعبية يأتي من منطلق وطني وفي اطار ما دعا اليه اتفاق الشراكة من وضع كافة القوى الوطنية امام مسؤولياتها بحماية البلاد من الارهاب.
الى ذلك تبدو استراتيجية تنظيم القاعدة في اليمن ليست بعيدة عن فروع هذا التنظيم في العالم والمتمثلة بضرب مؤسسات الدولة تحت ذرائع وحجج كاذبة وصولا الى تشكيل دولة "الخلافة التكفيرية" الفارغة التي لم تجلب الا الدمار والقتل لاهل البلاد كما حصل في سوريا والعراق و تصدير المشروع التكفيري إلى الدول المنطقة، الذي يعد أساس أدبياته وتحرکاته. فتنظيم القاعدة في اليمن يسعى بعد الهزائم القاسية التي تلقاها من قوات الجيش اليمني واللجان الشعبية الى مبدأ الكذب الاعلامي و خلق انتصارات وهمية تكون مجرد فقاعات واباطيل كاذبة، الهدف منها هو تعزيز معنويات العناصر الارهابية التي تأتي من مختلف بلدان العالم لمساندة الفكر المتطرف هذا وفي وضح النهار وتحت رعاية الدول المتشدقة بمكافحة الارهاب.
فهذه التنظيمات الارهابية لا تمثل في الحقيقة الا مشاريع خارجية استعمارية مرتبطة بدول تدعي عكس ما تخفيه من دعم للفكر التكفيري لا سيما داعش والقاعدة، غير انها الراعي الرسمي والحصري للارهاب الذي يجتاح المنطقة من العراق وسورية وصولا الى اليمن في محولة لضرب استقرار هذه الدول.
لذلك على شعوب المنطقة عموما والشعب اليمني خصوصا الوقوف قلبا واحدا بحيث لا تترك فجوة مدمرة لهذا الخطر الوجودي وتجفيف البيئة الحاضنة له والعمل على زيادة الوعي الشعبي من الاخطار الكارثية للفكر التكفيري .والعمل على فضح الدور الامريكي والسعودي الخبيث في تاجيج عوامل الارهاب والفتنة.