الوقت - أصبحت ملاعب كرة القدم في مختلف أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على مدار السنوات العديدة الماضية ميادين معارك للحقوق السياسية والجنسانية والعمّالية، فضلاً عن قضايا الهوية الوطنية والآيديولوجية والعرقية.
وتأسست معظم نوادي كرة القدم في المنطقة وهي تحظى ببعض التوجهات والميول السياسية أو الآيديولوجية، سواء كانت مؤيدة للإستعمار أو مؤيدة للملكية أو قومية أو غير ذلك.
وفي مصر، هناك ناديان يتمتعان بنفوذ هائل - وهما الأهلي والزمالك. وقد كان الأول مستقطباً للطلاب الذين أصبحوا ثوريين في وقت لاحق؛ بل إنتهى الأمر أن يتزعم الرئيس المصري الأسبق جمال عبدالناصر النادي بنفسه. وفي مقابل ذلك كان الزمالك مرتبطاً بالحركات المؤيدة للملكية والمؤيدة للإستعمار.
واليوم قد تغيرت ديموغرافيا القاعدتين الجماهيريتين للناديين بقوة. فعلى سبيل المثال وصف لاعب الكرة المصري الشهير "إبراهيم حسن" في مقابلة عام 2010 نادي الزمالك بأنه "نادي الملوك"، رغم أن هذا اللاعب وُلد عقب الإطاحة بآخر ملوك مصر بسنوات.
كما أن الإتجاهات في ملاعب كرة القدم يمكن أن تكون مؤشراً على الأحداث المستقبلية. ففي الأردن، إكتسبت التصريحات المنتقدة صراحة لفساد العائلة الملكية زخماً في ملاعب كرة القدم.
وفي مباريات كرة القدم السعودية، يواجه العديد من الأمراء بصيحات الإستهجان، ويُرشقون بمختلف الأشياء، ويرغمون على مغادرة الملاعب في بعض الأحيان. وربّما كان عزل رئيس "إتحاد كرة القدم السعودي" العام الماضي المرة الأولى التي يُرغم فيها عضو من العائلة الملكية على الإستقالة من منصبه بسبب ضغوط جماهيرية.
ويتطلع قادة بعض الحركات الدينية في المنطقة إلى فرق كرة القدم كأداة للحشد. وترتبط العديد من المساجد بأندية محددة، كما أن الشخصيات المعروفة أمثال "أسامة بن لادن" مؤسس تنظيم القاعدة، والسيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله، والقيادي في حركة "حماس" إسماعيل هنية، يفهمون الدور الذي تلعبه الرياضة في كسب وإستقطاب المؤيدين وتسهيل العلاقات فيما بينهم.
وفي الوقت نفسه، لا تزال هناك خلافات قوية بين الجماعات المتطرفة والتكفيرية حول ما إذا كانت التعاليم الدينية تجيز تشكيل فرق لكرة القدم. فمن ناحية، فكّرت جماعة "الإخوان المسلمين" في مصر بتشكيل نادي خاص بها في عام 2011، كما أن لـ "حزب الله" وغيره من الحركات الإسلامية في لبنان فرقهم الرياضية الخاصة، وهم يعملون على إدارتها منذ زمن طويل. من ناحية أخرى، يُعرف عن ما يسمى "حركة الشباب" في الصومال بأنها تقتل الناس لمجرد مشاهدتهم مباريات لكرة القدم.
وباتت رياضة كرة القدم ميدان معركة للمطالبة بحقوق المرأة في السنوات الأخيرة. فقد عملت "سحر الهواري" إبنة أحد حكّام كرة القدم المصريين، على تفكيك المعارضة الإقليمية لكرة القدم النسائية بإقناع العائلات والنوادي والحكومات على السماح للنساء بتنظيم فرقهم الخاصة. كما أقامت شراكة مع "الأمير علي بن الحسين" في الأردن لإقناع الدول الأعضاء في "إتحاد غرب آسيا لكرة القدم" بإعلان أن المرأة لها حق متساوٍ في إتخاذ كرة القدم كمسارٍ مهني.
صعود "الألتراس" في مصر
في الفترة بين عامي 2004 و 2006 ، تَواصَل مشجعو كرة القدم في الشرق الأوسط مع نظرائهم في جميع أنحاء العالم خصوصاً ممن لديم ولاء مطلق لأنديتهم والذين يُطلق عليهم إسم "الألتراس"، ونظروا إلى اللاعبين والمدربين كإنتهازيين أو فاسدين؛ وقد دفعتهم هذه النظرة إلى تكوين شعور قوي بالمُلكية على أنديتهم.
إنّ النفوذ المتنامي لـ "الألتراس" قد شكّل تحدياً لسلطة بعض الأنظمة، لكنه قدّم لها فرصاً كذلك. فقد سعى رؤساء مثل الرئيس المصري السابق حسني مبارك والرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي إلى توثيق إنتماءات الجماهير بفرقهم القومية من أجل حشد شعبيتهم الهائلة. وعلى وجه الخصوص، إستغل نظام مبارك الرياضة لصرف الإنتباه عن سوء الإدارة الحكومية وإستغلال العواطف الوطنية.
في الوقت نفسه، طالبت جماعات "الألتراس" في مصر بالحصول على المُلكية على أنديتها، وبحلول عام 2007 كان "الألتراس" يتصادمون مع قوات الأمن بشكل أسبوعي، سواء في ملاعب كرة القدم أو مكان آخر. وبحلول عام 2011، مثّلوا عشرات الآلاف من الشباب من أصحاب المستويات التعليمية الضعيفة والعاطلين عن العمل الذين كانوا مستائين من النظام.
وما أن بدأت الثورة الشعبية في مصر مطلع عام 2011 حتى لعب "الألتراس" دوراً جوهرياً في كسر حاجز الخوف لدى الجماهير التي لم تكن تجاهر بمعارضتها للحكومة، ودفعتها للمشاركة في المظاهرات في "ميدان التحرير" ومواجهة قمع قوات الأمن.
بطولة كأس العالم المقررة في قطر عام 2022
بينما تتقدم الدول الأخرى بعروضها لإستضافة بطولة "كأس العالم" من أجل إبراز نفوذها وخلق فرص لمواطنيها وتحسين البنية التحتية، تُركز قطر على سعيها لإستضافة هذه البطولة في عام 2022، وهي مبادرة كانت وراءها دوافع أمنية، فـ"كرة القدم" باتت تمثل عند الكثير من الحكومات أداة للقوة الناعمة وللأمن الوطني.
فبعد غزو العراق للكويت عام 1990، علمت قطر أنه لا يمكنها الإعتماد على السعودية للدفاع عنها. ورغم إستيرادها كميات كبيرة من الأسلحة وضمّها أفراد أجانب للمشاركة في قواتها المسلحة، إلاّ أن هذه الإمارة الصغيرة لا تزال تفتقر إلى القوة المطلوبة للدفاع عن نفسها.
وتعرضت حملة قطر لإستضافة "كأس العالم" لتدقيق وتمحيص مكثف. وعلى الرغم من أنها تواجه قضايا داخلية كبرى، لا سيّما فيما يتعلق بالعمالة الأجنبية، إلاّ أن الكثير من الجدل الذي أحاط بعرضها لإستضافة البطولة نبع من التحيّز. فالقطريون لم يتوقعوا الإنتقاد الواسع الذي تعرضوا له. وعلى كل حال، فقد لاذ العديد من أفراد المجتمع الدولي بالصمت لسنوات بشأن المخاوف المرتبطة بالعمال الأجانب في قطر؛ كما إن الإتحادات التجارية الدولية القوية لم تبرز نفسها إلاّ بعد أن إكتسب العرض القطري زخماً. ولهذا تحاول الدوحة معالجة مخاوف العمالة من خلال إقامة شراكة مع دول أخرى بينها سريلانكا وبنغلاديش لتأكيد عدم إستغلال المهاجرين على يد الوسطاء.
في غضون ذلك، فإنّ الحضور الضعيف للغاية في ملاعب كرة القدم القطرية دعا إلى مناقشة مسألة الإصلاحات. وحيث يعلم العمال الأجانب الذي يتواجدون بأعداد ضخمة في قطر بأنهم ليسوا إلاّ مجرد مقيمون مؤقتون، لذا تقل إحتمالية أن يصبحوا مشجعين شغوفين، كما إنّ العديد من المواطنين غير مهتمين بدعم أندية كرة القدم المملوكة للحكومة. وقد أثار هذا الأمر جدلاً عن مناقشة نقل الملكية من الدولة إلى الشركات المملوكة للقطاع العام، وعلى نطاق أوسع. وربّما تكون الحكومة القطرية أول حكومة تحاول بناء صناعة الرياضة كاملة من القمة إلى القاع - وتشمل هذه الصناعة الطب الرياضي والأمن الرياضي، وبقيامها بذلك تكون قد ربطت الرياضة بالهوية الوطنية الناشئة لهذه الإمارة.
إنّ الإصلاحات الجاري مناقشتها في قطر ربّما تنتشر في النهاية إلى دول مجلس التعاون الأخرى التي تواجه تحديات ديموغرافية مشابهة، ومع ذلك سوف يظل الجدل قائماً في الوقت الراهن حول دور كرة القدم في هذه الدول، وربّما يكون "الإتحاد الدولي لكرة القدم" قد أخطأ بتعيين "الشيخ سلمان بن إبراهيم آل خليفة" من البحرين رئيساً لـ "الإتحاد الآسيوي لكرة القدم" رغم قمعه للرياضيين الذين شاركوا في إحتجاجات مناهضة للحكومة، ومع ذلك لم تكن هناك خيارات بديلة لهذا المنصب.