الوقت- لا يخفى على أحد في لبنان والعالم أن تسليح الجيش اللبناني هو الفرصة الوحيدة التي تحول دون وقوع لبنان في المحظور، وتتنافس حالياً ست دول إيران، والسعودية، والولايات المتحدة، وروسيا، وفرنسا، وبريطانيا،على تسليحه.
زادت الأزمات الإقليمية المتلاحقة الأعباء الملقاة على عاتق الجيش اللبناني في مجالي الدفاع والأمن، خاصة أن حجم هذه الأعباء لا يمكن مقارنتها على الإطلاق بقدراته الحالية، عديدًا وسلاحًا وعتادًا، رغم ذلك نزل كلام نائب مساعد وزير الدفاع الأميركي لشؤون سياسة الشرق الأوسط ماثيو سبينس برداُ وسلاماً على بعض السياسيين اللبنانيين، حيث نقل تحذير "واشنطن" من التعاطي مع حزب الله كـ«شريك» في مكافحة الارهاب والتكفيريين، مشيراً الى إمكان تأثير ذلك على الدعم الأميركي لأن "حزب الله يعرقل مشروع الدولة التي تحميها المؤسّسة العسكرية" حسب تعبيره. فما هي خلفيات هذا القرار وما هي أبعاد تداعياته على سيناريو العلاقات الأمريكية-اللبنانية؟
الشروط الأمريكية ليست جديدة على الجيش اللبناني كما أن التلويح "بحزب الله" لوقف المساعدات ما هي الا شماعة أمريكية يتم توظيفها لتحقيق الأهداف الأمريكية المنشودة والتي تتمثل "بالكيان الصهيوني"، وهذه التهديدات لا تختص فقط بالجيش اللبناني بل تتعداه الى دول المنطقة كافة وخاصةً الدول المحاذية للكيان الصهيوني، فعلى سبيل المثال لاالحصر نشرت صحيفة "فاينشيال تايمز" البريطانية الصادرة في لندن يوم 16 اغسطس الماضي بأن الرئيس الأمريكي باراك أوباما حذر رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان من أن الموقف التركي حيال كل من إسرائيل وإيران يمكن أن يقلص فرص انقرة في الحصول على أسلحة أمريكية، مع ادراكنا جميعاً عمق العلاقات التركية-الاسرائيلية.
سبينس الذي لم يحظى في زيارته الثانية منذ بداية العام الجاري بفرصة لقاء رئيس الجمهورية، لم يترك طرفاً سياسياً أو أمنياً إلا قابله، واكد أن " نجاح الجيش في معاركه ضد المجموعات المسلّحة في عرسال يعود فضله إلى الولايات المتحدة التي تعرف ما يريده الجيش تحديداً في حربه، عكس الهبات التي تكون أحياناً كمّاً فائضاً بعيداً عن الأنواع المطلوبة".
نعم "فائضا" و"الأنواع المطلوبة"، كلمات لطالما تكررت في مباحثات تسليح الجيش اللبناني أمريكياً كان أم لم يكن، كلمات تؤكد أن للقرار الامريكي بعداً واحداًعنوانه "أمن الكيان الصيهوني"، ولو عدنا الماضي القريب لعلمنا حقيقة النوايا الأمريكية تجاه الجيش اللبناني ومدى حدة الصراع بين الطرفين.
اسرائيل خظ أحمر
لطالما كان تزويد الجيش اللبناني بالأسلحة والعتاد العسكري الأمريكي مراعياً للتحفظات الإسرائيلية، التي حددت أن عملية التزويد تتم في سياق تعزيز قدرات الجيش اللبناني بما يجعله قادراً على شن المواجهات ضد الفصائل المسلحة في لبنان، وفي نفس الوقت يكون عاجزاً وغير قادر على الدفاع عن الحدود الدولية اللبنانية .فبعد مواجهات العديسة في العام 2010 بين الجيش اللبناني والكيان الصهيوني، سارع الكونغرس الأمريكي الى وقف المساعدات العسكرية للجيش اللبناني إلى حين معرفة نتائج التحقيق، مشترطاً تقديم ضمانات للتأكد من عدم استخدام الجيش اللبناني للأسلحة الأمريكية ضد الإسرائيليين، وما قرار تعليق التسليح الأمريكي للجيش اللبناني الا لأنه وقع في خطيئة التصدي لاعتداء إسرائيلي!!
الهبة الايرانية:
أما التطور الثاني المهم والذي تسبب بهذا القرار هو دخول إيران علي خط أزمة تسليح الجيش اللبناني بابداء رغبتها في أن تقوم بتسليح جيش لبنان، فالجمهورية الاسلامية الايرانية التي دعمت اللبنانيين منذ ثمانينات القرن الماضي عبر تقديم الدعم العسكري للمقاومة في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي، قدمت في الآونة الأخيرة مشروع "هبة عسكرية" غير مشروطة للجيش اللبناني مع حرصها المسبق على اختيار أسلحة معينة خشية استصدار اسرائيل قرار في مجلس الأمن الدولي يمنع الجيش اللبناني من قبول الهبة الايرانية، الا أن الضغوط الأمريكية القديمة-الجديدة تؤكد رفض واشنطن قبول لبنان للهبة الإيرانية خدمةً لعيون الكيان الصهيوني.
الهبة السعودية:
لو صرفنا النظر عن هدف السعودية من دعم الجيش اللبناني في هذا الوقت تحديداً، مع العلم أنها لم تقدم أي دعم للجيش في ظل تواجد الكيان الصهيوني على الأراضي اللبنانية وفي ظل الحملات التي تعرض اليها مسبقاً من قبل التيارات التكفيرية، تأتي الضغوط الأمريكية على الجيش بعد توقيع العماد جان قهوجي وممثل عن الشركة الفرنسية لتصدير المواد العسكرية، ملحق اتفاقية تنص على تسليح الجيش اللبناني ضمن هبة سعودية بقيمة نحو 3 مليارات دولار، مع حرص فرنسا والسعودية المسبق على أن لا تتضمن هذه الصفقة تجاوزاً للخط الأحمر الاسرائيلي، الا أنها تعتبر "فائضاً" بالنسبة للأمريكيين وهذا ما يرفضه الكيان الصهيوني جملةً وتفصيلاً.
اذا نلاحظ أن الجهد الدبلوماسي الأمريكي ينسجم ويتماشى مع الجهة العسكرية الإسرائيلية، و لا يخفى على القاصي والداني ان مضمون الهبات الأمريكية لم يتجاوز الخطوط الحمر التي ترسمها "اسرائيل" لضمان امن الكيان الغاصب، ولكن السؤال الى متى سيبقى لبنان رهينة لضغوط "أصدقاء" الكيان الصهيوني؟ وإلى متى سيكون الجيش مقيدا بهذه الضغوط ليقدم خيرة شبابه شهداء على مذبح الوطن؟