الوقت- في الظل, حيث يغيب الاعلام, وبعيدا عن دوي المدافع والرشاشات والحرب الصاخبة. في المقلب الآخر من المواجهة حرب صامتة تخوضها اسرائيل عبر جهاز استخباراتها الموساد الاسرائيلي العامل خارج حدود الكيان الصهيوني, حرب لها طابع خاص ولها مكانها وزمانها وظروفها وأهدافها وأدواتها التي تتصف فيها, فحيث يعجز الرصاص الصارخ تجد زوايا لصمت الظاهري- في مواجهة لا تعرف الصمت أبدا- تتخذ فيها المواجهات الخطيرة صخبا بدون صدى, منها ما يجري الحديث عنه في الاعلام بعد حصوله, ومنها ما يبقى في دفاتر مؤرخات الاجهزة الاستخباراتية الى حين أو الى الأبد!!
طبيعة اليهود التجسسية والغادرة:
إن هذه الحروب الامنية بشتى اشكالها, ينشط فيها الموساد الاسرائيلي بشكل كبير حول العالم, ويعود هذا الاسلوب من العمل الامني الى سلوك متأصل قديم في القبائل اليهودية, في فترة ما قبل وبعد ظهور الاسلام. حيث يعبر القرآن الكريم, عن هذا الطابع الذي اتسم فيه يهود ذاك الزمان. أما المنشأ البسيط لهذا النوع من الأعمال الذي ينشط اليهود في استخدامه هو أنهم ليسوا على استعداد لبذل الارواح وتحمل تبعات المواجهات المباشرة مع العدو لأن جيشهم أعجز من أن يستطيع تحقيق أي من أهدافه لانه يعاني من طبيعة جنوده ومستوطنيه الجبانة التي تفتقد شجاعة المواجهة المباشرة, فتستبدل المواجهة المباشرة بالحرب الامنية حيث التفوق التقني الكامل والكلفة الأقل ماديا وبشرياً وامكانية تسخير وتجنيد الغير للقيام بهذه المهمات, وفي زماننا خصوصا, بعد الكوارث الخطيرة التي تتكشف لهذا العدو في كل معركة عسكرية يخوضها ويخرج منها منهزماً!!
السجال القائم بين المقاومة واسرائيل:
الحرب الامنية القائمة بين المقاومة واسرائيل, حرب تتسم بالدقة والاحترافية يستهدف فيها الموساد قيادات المقاومة وجمع واستطلاع قدراتها وخططها وانتشارها وقدراتها التي تعرف بالمفاجآت, وبالمقابل تستهدف فيها المقاومة, قيادات العدو الاسرائيلي والقيام بعمليات رد على اعتداءاته الأمنية وكذلك جمع واستطلاع حول امكاناته وعملياته وانتشاره..
هي حرب أمنية , تلعب فيها الوسائل التقنية والفنية والامكانات البشرية دورا كبيرا جدا, فهي معقدة وبغاية الحساسية وأهدافها دائما تكون أهدافا ذات قيمة كبرى, وعناصرها البشرية من أمهر وأدق العناصر الذين يقومون بمهمات معقدة أغلبها خلف خطوط العدو والهدف فيها حساس جدا وعلى مستوى عال من الأهمية.
ابرز محطات هذه الحرب:
في عرض موجز لسجال طويل, من المواجهة الأمنية بين اسرائيل وحزب الله, وعلى امتداد مسيرة المقاومة بالعموم, سجل اسود من الاغتيالات قام بها الموساد الاسرائيلي, مستهدفا العديد من القيادات التي كانت تؤدي عملا جهادياً يستهدف الكيان الغاصب الاسرائيلي. ففي ما يخص الصراع بين اسرائيل وحزب الله, قامت اسرائيل باغتيال العشرات من قيادات المقاومة الاسلامية وغيرها من الحركات المقاومة حيث فتح السجال مع حزب الله, عبر اغتيال الشهيد الشيخ راغب حرب في عام 1984 في بلدته جبشيت, وتبعها اغتيال أمينه العام السيد عباس الموسوي في عام 1992, ليتبعها اغتيال القيادي في حزب الله علي حسن ديب أبو حسن سلامة وأبو علي رضا ياسين, ومن ثم تواتر العمليات الأمنية واغتيال الشهيد علي صالح في أغسطس (آب) عام 2003 بتفجير سيارته في منطقة الكفاءات في الضاحية الجنوبية لبيروت, كما اغتيل المسؤول الأمني في الحزب الشهيد غالب عوالي، إثر تفجير عبوة ناسفة بسيارته لدى مغادرته منزله في ضاحية بيروت الجنوبية، في يوليو (تموز) عام 2004, وبعدها عملية اغتيال القيادي البارز في الحزب عماد مغنية في فبراير- شباط 2008, ومن ثم مؤخرا اغتيال الشهيد حسان اللقيس عبر اطلاق النار عليه من مسافة قصيرة قرب منزله العام الحالي 2014.
وما بين هذه الاغتيالات عمليات عديدة قام بها الموساد استهدفت مقاومين خارج حزب الله أبرزها عملية اغتيال نجل الأمين العام لـ«الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة» جهاد أحمد جبريل في عام 2002, إضافة إلى اغتيال القيادي في «حركة الجهاد الإسلامي» محمود المجذوب وشقيقه نضال في صيدا بتاريخ 26 مايو (أيار) 2006 ومن ثم اغتيال المسؤول العسكري في حركة حماس الجعبري...
هذا فضلا عن عشرات عمليات الاغتيال التي فشلت, حيث لا يخفى على أحد الجهود الكبيرة التي تقوم بها اسرائيل لتتبع ورصد تحركات قيادات الحزب واستهدافها, بدءا بأمينه العام السيد حسن نصر الله المتخفي عن الجمهور منذ نهاية حرب ال 2006, والذي تتشارك في محاولة اغتياله العديد من اجهزة الاستخبارات العربية والدولية في تنسيق كامل مع الموساد الاسرائيلي حيث قام الحزب بافشال العديد من هذه المحاولات التي تورطت فيه اجهزة أخرى ساعدت الموساد الاسرائيلي.
في الجبهة الأخرى من الصراع الأمني وفي موازاة الحرب الهجومية الأمنية المعروفة بالاغتيال والتصفية الجسدية, تقوم اسرائيل بعمليات أمنية عديدة وتخوض حربا معلوماتية واسعة مع حزب الله لرصد وتتبع حركة التسلح وأماكن الانتشار والتطور العسكري -النوعي والكمي- ونشاط الحزب مع الفصائل الفلسطينية وحركات المقاومة الأخرى والاحزاب السياسية, بهدف جمع أكبر قدر ممكن من المعلومات للبناء عليها في أية عمل أمني تريد القيام به أو عند اندلاع أي مواجهة قد تنشأ بين المقاومة واسرائيل فيما يسمى بعملية تغذية بنك الاهداف الاسرائيلي, وكذلك لاستطلاع نمو القدرة العسكرية للمقاومة وهذا ما تستفيد منه اسرائيل في غاراتها الجوية التي تطال احيانا شحنات اسلحة تزعم أنها تصل لحزب الله عبر الاراضي السورية, حيث قامت باستهداف مناطق داخل الاراضي السورية ادعت أن فيها شحنات سلاح متطور ستصل الى حزب الله.
حركة الموساد حول العالم وبين قصور الحكم:
وفي زاوية مهمة جدا ايضا, وفي اطار الحرب الامنية فإن الموساد الاسرائيلي واللوبي الصهيوني المنتشر حول العالم يخوض حربا من نوع اخر يستهدف التجار والمتمولين الذين لهم مصالح واعمال خارج لبنان وبالاخص في مناطق أفريقيا, حيث يتم الاعتداء والتضييق على مصالح هؤلاء, عبر اتهامهم بأنهم يمدون الحزب بالمال ويشترون الاراضي والممتلكات بناء لمصلحة الحزب وطلبه, وقد توسع هذا النوع من الاعتداء في السنوات الأخيرة وطال العديد من المتمولين الشيعة المقربين للحزب حتى ولو على مستوى الولاء فقط, وللاسف فإن بعض دول الخليج الفارسي تعاون اسرائيل على هذا الاعتداء, عبر ما عرف في الفترة الاخيرة بطرد المتمولين اللبنانيين الشيعة واجبارهم على مغادرة وتصفية اعمالهم.
هذا فضلا عن مهمات استراتيجية يقوم بها الموساد, تتمثل بعملية تجنيد داخل الدول الاخرى, تصل الى الطبقات السياسية بهدف ايجاد حكومات بكاملها وزعماء تعمل مقابل المنصب لخدمة هذا العدو, والمساهمة في اخماد أو قمع اي حركات شعبية وتحركات في وجه هذه الانظمة وفق مصالح السياسة الاسرائيلية.
الفارق التقني والامكاناتي بين الموساد و المقاومة:
إن الموساد الاسرائيلي يسخر لهذا النوع من المعارك كل امكاناته المادية والبشرية, ويستفيد من تفوقه التقني والفني وامكاناته الوافرة التي يتفوق فيها على المقاومة, فضلا عن تجاربه الواسعة في هذه الحروب, انطلاقا من حروبه الطويلة مع الفصائل الفلسطينية والحركات المقاومة. وكذلك يستفيد من انتشار وتعدد القوميات والجنسيات التي يتشكل منها المجتمع المصطنع الصهيوني ومكامن نفوذ وقدرات اللوبي الصهيوني المنتشر حول العالم, وتسخير الدول الغربية وبعض الدول العربية كل قدراتها واستعداداتها للتعاون معه. كما يعتمد على الوسائل التقنية والفيزيولوجية, حيث يمتلك منظومة تكنولوجية وتقنية هائلة ويحافظ على تطويرها لتبقى تسابق متغيرات المقاومة بهدف التنصت والرصد والتعقب والجمع. اضافة الى العامل البشري,عبر السعي الدائم والدؤوب لتجنيد قيادات وافراد وعناصر في المقاومة أو من بيئتها المحيطة مستفيدا من عوامل الضغط النفسي والعاطفي والمشاكل الاقتصادية وغيرها, لاداء مهام في العمق - حيث يعجز هو وتضعف وسائله الفنية - تستهدف المقاومة وما يتركه هذا الفعل على مستوى النتيجة الدقيقة التي يحصل عليها الاسرائيلي أو على مستوى الأثار النفسية العكسية في مجتمع وبيئة المقاومة.
هذا وتعتمد المقاومة في مواجهة هذا النوع من الاعتداء وهذا الشكل من الحروب,على استراتيجية الكيل بالمثل, حيث تحاول المقاومة دائماَ - تماما كأدائها في الحرب الصاخبة - الحفاظ على معادلة ردع في وجه الاسرائيلي ضمن معادلة توازن الرعب.
في مسارين عملياتيين, الأول هجومي يهدف للرد على أي اعتداء اسرائيلي في عمليات أمنية مماثلة ينتخب فيها المكان والزمان والهدف المناسب بهدف ردعه عن القيام بالاغتيال وجره لدفع اثمان لم يكن يستعد لدفعها, أما بتحويل العمل الامني الى عمل عسكري ميداني يهابه مثل القيام بعمليات عسكرية ميدانية أيضا تجعل العدو يدفع الثمن وتعيده الى الميدان في مواجهة مباشرة عادة ما يتحاشاها.
أما الثاني فهو الحرب الدفاعية, التي تقتضي من المقاومة تحصين ساحتها الداخلية عبر اجهزة امن تهدف الى مكافة التجسس وتسد الطريق على الاسرائيلي لتجنيد اي من عناصرها وتحصن جسدها الداخلي أو عبر التطوير في منظمتها الفنية والاستفادة من التكنولوجيا ايضا ضمن الامكانات المتاحة لها, لمنع والحد من القدرة الاسرائيلية او القيام بعمليات جمع مماثلة تطال العدو والاستفادة منها في العمل المقاوم بشتى اشكاله.
المقاومة تصنع الانجاز رغم طبيعة الحرب وفوارق الامكانات:
في هذا المخاض الصعب, يسجل نجاحات كبرى للمقاومة في عمليات كشف التنصت على شبكات الاتصال الخاصة بها, او في الكشف عن العديد من شبكات التجسس الاسرائيلية المتمثلة بوسائل فنية كالكاميرات التي تزرع في مناطق استراتيجية كاشفة, والنجاح في اختراق العمق الاسرائيلي من خلال إرسال عناصر إلى داخل فلسطين حيث تم اعتقال بعضهم ومنهم فوزي أيوب وجهاد شومان والألماني سميراك, وكذلك عبر عمليات تجنيد طالت ضباط في داخل الجيش الاسرائيلي التي يتكتم عليها العدو بشدة, وعملية استدراج الضابط الحنان تننباوم الذي خرج في عملية تبادل جرت بين الحزب واسرائيل..
إن هذه الحرب بين المقاومة واسرائيل سجال مفتوح ستستمر في ظل عدم يأس اسرائيل من محاولة التجنيد دائما داخل جسم المقاومة التي تقوم بعمليات ممثالة تستهدف ضباط وافراد داخل الجسم الاسرائيلي, وتجهد في تحصين جهازها الامني الداخلي لمنع حصول هذه الاختراقات المتوقعة والتي يتم اكتشافها بجهود وعقول أمنية مجاهدة لها مع العدو الجبان حساب مفتوح لن يختمه الا زاوله, كل هذا يعكس أن الامكانات والتفوق العسكري والأمني الاسرائيلي تجده عاجزا عن تغيير أي شيء على ارض الواقع في معادلة الردع القائمة بينه وبين حزب الله, فلا هو قادر على ايقاف مطر صواريخ الحزب في اية مواجهة ولا هو قادر على تصفية قادة الحزب الشاب المتجدد الذي يعتمد على دماء شهدائه الزكية لاستمرارية تدق الطاقات والتجدد, ولا هو قادر على الحد من انتشارالسلاح في غزة والضفة ووصول الدعم الايراني بايد أمينة هي يد حزب الله, ولا هو يمتلك أي قدرة على تحقيق تغيير فعلي في مستوى الصراع القائم بينه وبين الحزب وحركات المقاومة ككل, وقد جرب هذا النوع من الاغتيالات في فلسطين وايران وسوريا والعراق عبر تصفية العقول والقيادات ولم يحصد الا مزيدا من الخناق الذي يطال عنقه خلف جدار الفصل العنصري الذي سينتهي خلفه!!!