الوقت- يدور الحديث في وسائل الاعلام عن ازمة حكومية داخل كيان العدو الصهوني نجح نتنياهو في ايجاد مخرج لها عبر الدعوة الى انتخابات مبكرة تدل المؤشرات الاولية ترجيح فوز نتنياهو نظرا لسيطرة النهج المتشدد في الوسط الاسرائيلي على مستوى الجمهور مما يعكس ضعف التأييد لاحزاب الوسط واليسار, هذا ما يضع الساحة الداخلية الاسرائيلية والفلسطينية والأقليمية والدولية أمام محطة مهمة لها تداعياتها على الواقع السياسي الدقيق الذي يمر به والعالم ومنطقة الشرق الاوسط بالخصوص.
إن تحالف نتنياهو مع قوى واحزاب متشددة ستنقله من موقع يمين الوسط الى موقع اليمين المتشدد الداعي الى اقامة الدولة اليهودية بما يعنيه من الغاء وعدم اعتراف بالاقلية العربية وتشجيع التمدد الاستيطاني.
هذا الفوز سيؤدي الى تداعيات على القضية الفلسطينية بخاصة والصراع العربي الاسرائيلي بعامة بالاضافة الى تداعيات على علاقة الكيان الصهيوني بالمجتمع الدولي وحلفائه.
ففيما يخص الانعكاسات على القضية الفلسطينية :
لقد مرت القضية الفلسطينية بمراحل مختلفة, وخضعت لتجاذبات متعددة وفقا لتغير مواقع السلطة في الكيان الصهيوني, و لكن الثابت خلال هذه المسيرة هو التكتيك الجامع بين سياسات كل الحكومات الصهيونية المتعاقبة الذي يقضي باطالة عمر التفاوض مع السلطة الفلسطينية لهدفين اولهما ابعاد شبح الدولة الفلسطينية التي اقرت في اوسلو وهذا ما لوحظ فعلا اذ استمر مسار التفاوض غير المجدي منذ السبعينيات وحتى تاريخه مع الاقرار بتواطؤ فلسطيني رسمي في هذا التأخير وذلك لاسباب يتشابك فيها المحلي والاقليمي والدولي والثاني الهاء المجتمع الدولي لرفع حرج اسرائيل من تأخير تطبيق الاتفاق الذي جرى برعاية دولية عموما واميركية خصوصا.
إن العودة الجديدة لنتنياهو ستقوض اي حلم للسلطة الفلسطينية باقامة دولتها، مما يضعها في مأزق خطير: اما الاستمرار في التواطؤ والمشاركة في لعبة المماطلة اما الاعتراف بعدم جدوى المفاوضات من اساسها وهذا بذاته اعتراف بصحة رؤية الاطراف الاخرى المعارضة للمفاوضات مما سيطيح بمبررات وجود هذه المفاوضات بل حتى بوجود سلطة فاشلة في تحقيق شعار التحرير وبناء الدولة او تامين الامن حتى لفلسطيني السلطة في رام الله والضفة الغربية على الاقل!
هذا على صعيد طرح الدولة الفلسطينية, اما في ما يخص المواجهة بين الكيان الصهيوني وفصائل المقاومة فان مجيء نتنياهو بثوبه اليهودي المتشدد سيكون فرصة تاريخية لتنمية وتعميق الفكر المقاوم والممانع , وسيتصدر العمل المقاوم الواجهة على حساب الفكر التفاوضي , كما ان تشدد حكومة نتنياهو سيكون خير مصداق على صحة منطق فصائل المقاومة التي تعتبر الصراع مع العدو صراع وجود لا صراع حدود, ولا يمكن حله الا بانتفاء وجود احد طرفيه اي بالمقاومة والنضال لا بالتسويات التي تضيع القضية وتحرف الصراع عن طبيعته الجوهرية.
هذا ما يجعلنا نتفاءل بمحطات نضالية هامة وحاسمة ستمر فيها القضية الفلسطينية, تجعل تحريرالارض واقامة الدولة الفلسطينية الحقيقية على كامل تراب ارض فلسطين هدفا واقعيا قريب التحقيق, تؤكده المواجهات اليومية التي تدورفي القدس المحتلة والضفة الغربية وجريان التسلح الفلسطيني في الضفة الذي اشار اليه الاعلام مؤخرا وتحدث عنه قائد الثورة سماحة السيد علي الخامنئي حيث اشار الى اننا امام مرحلة جديدة في الصراع يجب فيها الانتقال الى دعم وتسليح فلسطينيي الضفة الغربية لمواجهة الاعتداءات الاسرائيلية المتزايدة, كل هذا يشكل فرصة لاعادة بلورة العمل المقاوم على اسس وقواعد جديدة ابتداءا من توحيد الجهود, مرورا بتامين الارضية الشعبية الداعمة في كل الظروف, وصولا الى تنظيم القوى العسكرية التجهيزية واللوجستية المناسبة لكل الاحتمالات.
أما على الصعيد الاقليمي :
بيد ان وجود الكيان الصهيوني في محيط جغرافي معاد شعبيا لم يمنع قيام تحالف رسمي بينه وبين الانظمة الرسمية العربية انطلاقا من تقاطع المصالح , هذا اذا لم نفرض وجود رغبة عند بعض الانظمة للعب دور الخائن للأمة التي فقدت شرعية تمثيلها فيها او الانتماء اليها, بعد ما تبوأت مواقع الحكم والسلطة بدعم من قوى الاستعمار عبر خلق كيان جغرافي وسياسي لها او عبر تامين شبكة من العلاقات الدولية والاقليمية والداخلية لتثبيت دعائم حكمها. فأضحت هذه الحكومات والأسر الحاكمة المتسترة بلباس العروبة, دمية في يد صانعيها اوعميلة في خدمة أسيادها لتشاركهم بل تسابقهم تولي مهمة اذلال الشعوب العربية وضرب حركات التحرر.
إن مواقف وسياسة نتنياهو السابقة الرمادية ومراوغته, كان يسمح لهذه الانظمة بتمويه هذه العلاقة وإلباسها لبوس المصلحة القومية المتسترة, مما سمح بتمرير هذه المشاريع التآمرية.
اما بعد فوز نتنياهو في الانتخابات القادمة وانتقاله كليا الى معسكر الصقور الجارحة فإنه سيؤدي الى تضييق هذه المساحة وسقوط القناع عن اغلب هذه الانظمة, مما سيضعها في مأزق وامام حلين لا ثالث لهما :
اما الاعتراف بحقيقة الصراع وبخطئهم في التقدير, والتوجه للتصحيح والمعالجة لرفع التقصير اذا لم نقل الخيانة, وبالتالي تحمل التبعات وردة فعل الجماهير وحكمها في تقبل التراجع والعفو أو لا واعادة اعطاء الثقة لهذه الانظمة او عدمها, او الانتقال كليا وبشكل سافر الى جانب العدو وداعميه كما حصل فعلا مع بعض دول الخليج وهذا ما سيجعلها تدفع ثمنا باهظا امام جماهيرها التي خدعت بزيف شعاراتها القومية والاسلامية, كما أن هذا سيفقد هذه الانظمة هامش المناورة وسيقوض فرص نجاح مشاريعها التي تخدم العدو وحلفائه وسيظهر عجزهم بل نفاقهم في تبني قضية استعادة الحقوق الفلسطينية وفشل سياساتهم في الحصول على ادنى مستويات التنازل الاسرائيلي عبر ايقاف تمدد المستوطنات في القدس والضفة ولو مؤقتا هذا ان لم نقل انتزاع الاقرار بالدولة الفلسطينية , وهذا ما أصبح حلماً في ظل نجاح نتنياهو القادم . كل هذا سيوضح الصورة الحقيقية لهذه الأنظمة أكثر فأكثر ويظهرها أمام الرأي العام العربي ويكشف زيف وحقد اهدافها التي خلقت من اجل تحقيقها خدمة لصانعيها وداعميها الخارجيين وهي الانخراط الحاقد في مشروع تفتيت المنطقة لمحاربة مشاريع المقاومة التي تثبت يوما بعد يوما صوابيتها على مستوى القدرة والتوجهات والوقوف امام ما يسمونه التمدد الايراني عبر هذه الحركات التحررية بحكم ان الجمهورية الاسلامية الايرانية هي المتبني الوحيد والداعم الحقيقي لكل لهذه الحركات وقضاياها في المنطقة, وذلك بالاسهام بزج المنطقة بالتعاون مع اسيادهم في صراعات طائفية حاقدة وتزكيتها بهدف حرف الصراع الاصيل وإدخال المنطقة في اتون حروب مذهبية مدمرة تؤمن للاسرائيلي الراحة والفرصة ليعمل على بناء قدرته وتمتين سيادته على مستوى العالم العربي الجديد الغارق في حروب طائفية بعد فشله في حروبه امام حركات التحرر وتصدع قوة الردع امام وقع الهزائم المتتالية التي مني بها في الاعوام الماضية.
أما على الصعيد الدولي :
فمن الواضح بعد فشل اسرائيل في حرب تموز 2006 في لبنان وما اعقبها من اخفاقات في الحروب التي تعاقبت على غزة وما خلفته من شهداء بصفوف المدنيين ودمارفي البنى التحتية في القطاع, بدأ المزاج الدولي الداعم للكيان الصهيوني بالتغير تدريجياً مع تزايد حرج هذه الدول أمام تعاظم تعاطف شعوبها مع الشعب الفلسطيني والتي تجلت بالمظاهرات الداعمة له في عواصم اوروبية وامريكا اللاتينية وباعتراف بعض مجالسها النيابية بحقوق هذا الشعب .
كما ان هذه الدول التي اختلقت هذا الكيان وتعهدته بالرعاية ولا تزال, شخصت ضعف وهشاشة قدرة اسرائيل على حماية نفسها وفقدانها الفاعلية على مستوى الاقدام والردع مما طرح تساؤلات حول مبررات وجود هذا الكيان بعدما تحول من رأس حربة تؤمن وتحقق مصالح هذه الدول في الشرق الاوسط الى دولة متسكعة طفيلية غير قادرة على حماية نفسها, وبقاؤها مرهون للحماية الدولية فأضحت مغرما لامغنما وهذا الامر سمح بنشوء تفكير جدي لدى بعض عواصم القرار بضرورة تحقيق سلام عبر الاعتراف بالدولة الفلسطينية وانهاء الصراع في الشرق الاوسط وفق منظورهم وتوقعاتهم.
لكن يبقى موقف الحليف الاساسي, اميركا,والتي تحاول ان تعيد البريق الى صورتها بعد تراجع ادارة اوباما عن عدة قررات تتعلق بالمنطقة وفشلها وتخبطها , حيث باتت تسعى بشغف وراء تحقيق انجاز يعيد تحسين صورتها قبل الاستحقاق الانتخابي القادم فجهدت سعيا وراء ايجاد حل لقضية مهمة جدا شكلت جوهر الصراع في الشرق الاوسط , حيث فشل فيها كلينتون " والبوشيين" سابقا ً , مستغلة وجود مناخ تفاوضي مع الجمهورية الاسلامية الايرانية وروسيا فيما يتعلق بالملف النووي والصراع السوري واوكرانيا , لكنها اصطدمت بتعنت حكومة نتنياهو وبعنصرية هذا الكيان الغاصب والتي وصلت الى حد التعامل بصلافة مع وزير خارجية دولة تقتات على فتات حمايتها , وما جرى في الزيارات الاخيرة لنتنياهو ودخوله الكونغرس الاميريكي حيث قوبل بالتصفيق والترحيب الحار من اعضاء الكونغرس في رسالة استفزت الرئيس اوباما الذي يعتبر شخصية نتنياهو شخصية متطرفة خشبية مستفزة وما حملته من رسائل سياسية لأوباما من قبل نتنياهو.
فاذا كان هذا هو الحال مع نتنياهو ممثل يمين الوسط فكيف سيكون مع نتنياهوالمتحالف والمدعوم بأصوات اليمين المتشدد ؟
لاشك بأنها ستكون علاقة مأزومة ستؤثر على بنية الكيان السياسية لجهة حدوث انقسامات بين مؤيد لمواقف نتنياهو من حيث قيام الدولة اليهودية والقضاء على فكرة الدولة الفلسطينية في مهدها مهما كان الثمن وبين تيارات واحزاب الوسط واليسار المنادية بضرورة قيام الدولة الفلسطينية لما سيترتب عن ذلك من تحقيق للسلام وابعاد اسرائيل عن دائرة الخطر الوجودي الذي تعانيه واخراجها من مأزق الهزائم المتتالية التي تمنى بها في كل جولة حرب وبالتالي فك عزلة اسرائيل ودمجها في محيطها وقطع الطريق على حركات المقاومة المتنامية.
المراقب للمشهد القادم وللوهلة الاولى , يقرأ مما تقدم ان الانتخابات في الكيان الغاصب سترمي بظلالها القاتمة على المنطقة وستزيد الوضع سوءا", لكن المتابع لمجريات الاحداث بدقة الذي يعي طبيعة الصراع مع اسرائيل يجد ان حكومات اليسار او يمين الوسط كانت تتسبب بكوارث وبأزمات في الساحة الفلسطينية والعربية حيث انها كانت تؤدي سياساتها الالتفافية الى تمييع الصراع وتعويم الحلول التسووية في الساحتين الفلسطينية والعربيبة والمراهنة على المسارات التفاوضية بديلاعن استراتيجيات المواجهة التحررية وتغطي تعامل الأنظمة العربية وتعطي التفاوض اللامجدي الاستمرارية والشرعية .
لقد كانت هذه السياسات مبضعا شقت الصف الفلسطيني وخنجرا في خاصرة القضية القومية لذا, فإن صعود التيار المتشدد الى سدة القرار , سيشكل فرصة لسد منافذ الرهان على التسوية وخيار المفاوضات, وستضع "المعتدلين" والتفاوضيين أمام خيار واحد وهو البقاء على طاولة المفاوضات للاستفادة من الضيافة والاستجمام فقط , والاعتراف بشكل طوعي او قسري بصوابية خيار المواجهة والانكفاء امام حركات المقاومة الكفيلة بايجاد الحل الجذري لهذه الازمة التي باتت على مفترق طريق حساس ونهائي, وهذا ما أكدته التجربة الفعلية أن الدولة التي تعتمد في وجودها على قوتها وتفوقها العسكري لتحقيق أمنها هي اضعف واوهن من أن تستطيع ان تقهر غزة المحاصرة التي تصنع من ضعفها قوة وتقاتل بلحمها العاري وتتمسك بخيار المواجهة في زمن التآمر فكيف بلبنان الذي ذاق فيه الاسرائيلي اول معاني نهاية الحلم وسوريا التي خيبت اوهاما عاشها الاسرائيلي في السنين الماضية حيث أن سقوط النظام السوري الممانع بات جزءا من وهم عاشته اسرائيل ومن يقف الى جانبها !!
للاسف, لطالما كان استمرار الصراع والمواجهة مع العدو الاسرائيلي يعود الى طبيعة العدو العنصرية الاستيطانية الالغائية التي لا تتقبل الاخر كما هو بل تريد اخضاع كل دول المنطقة لسيادتها واذلال كل الشعوب العربية , لا الى اخلاص الانظمة العربية التآمرية او بعض الفلسطينيين الحالمين بكراسي الحكم في شبه دولة ولهذا فإن مجيء نتنياهو هو بشرى لحركات التحرر في المنطقة وشرعية اضافية وفرصة للالتفاف وراء خيار المقاومة الوحيد الذي سينتزع الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ويضع حلا عزيزا لأزمة اختلقها الغرب الا وهي الوجود السرطاني للكيان الصهيوني.