الوقت- الموجة الأولی للتطورات في البلدان الإسلامیة والتي سمیت بالصحوة الإسلامیة أو الربیع العربي، أدت إلی تغییر بعض الحکومات في البلدان العربیة، وأوجدت الفوضی والصراعات الداخلیة في بعض آخر. والسؤال الآن هو إن الانخفاض المستمر لأسعار النفط، سیطیح بأي حکومات أو یشیع الفوضی في أيّ منها؟
العدید من الخبراء في شؤون بلدان غرب آسیا وشمال أفریقیا، علاوة علی الجذور الإیدولوجیة والسیاسیة، یعتبرون التحولات الاجتماعیة والاقتصادية في بعض البلدان العربیة مؤثرة في ظهور التحولات السیاسیة السریعة في السنوات الأخیرة في هذه المنطقة.
یرتبط اقتصاد العدید من بلدان هذه المنطقة بالنفط، وقد حاولت بعض البلدان المصدرة للنفط أثناء تحولات السنوات الأخیرة، من خلال الاعتماد علی العوائد النفطیة واستخدامها لتنفیذ البرامج والخطط الاقتصادیة والرفاهیة الاجتماعیة، حاولت الحیلولة دون حدوث عدم استقرار داخلي، وفي حالات مثل مصر استطاعت موارد مالیة لعدد من البلدان العربیة الأخری مثل السعودیة والإمارات العربیة المتحدة التأثیر علی التحولات الداخلیة لهذا البلد.
والیوم تواجه المنطقة سؤالاً أساسیاً ألا وهو هل سیؤدي هذا الانخفاض الشدید في أسعار النفط وبالتالي انخفاض قدرة بلدان المنطقة علی استخدام الأدوات الاقتصادیة لکبح جماح الاحتجاجات الداخلیة، إلی وقوع موجة جدیدة من التحولات أم لا؟
یری المحلل الأمیرکي کنت مورس وهو الخبیر في قضایا النفط والغاز، أن الموجة الثانیة من التحولات في الطریق، وستکون اکثر اتساعاً من التحولات التي شهدتها البلدان العربیة خلال السنوات الأخیرة.
ویقول مورس إن مدراء البنوك التي کان علی تواصل معهم في باریس وفرانكفورت، یرون أنه من الضروري الاهتمام بتقییم المخاطر المترتبة علی هبوط الأسعار، ویشعر بعض من أهم اللاعبین في السوق بلندن بقلق تجاه آثار انخفاض أسعار النفط، ولکن القضیة الأهم حسب رأئه هي أن بعض المسؤولین في دبي یتخوّفون من حدوث الموجة التالیة للتحولات في البلدان العربیة.
ویری مورس أن عدداً من بلدان منطقة شمال أفریقیا وغرب آسیا قد استطاعت من خلال تقدیم حوافز اقتصادیة، أن تمنع تأثیر الموجة الأولی من التحولات علیها، حیث خصصت هذه البلدان الجزء الأکبر من میزانیتها للخطط والبرامج الاجتماعیة والدعمیة، ومنعت حدوث أو اشتداد الفوضی وعدم الاستقرار الذي کان یمکن أن یغیر مصیر هذه البلدان.
ولکن قد اتضح الیوم أن تلك البرامج لم تحقق نتائج بناءة، وبشکل موجز، إن الإجراءات التي تمت في بعض البلدان، علی الرغم من أنها أبقت علی الأوضاع هادئة خلال فترة قصیرة، ولکنها لم تخلق الحوافز في اقتصادها ولم توفر فرصاً جدیدة للعمل ولم توسع القواعد الضریبیة، وعلی العکس من ذلك قد زادت من الأسعار والتضخم.
کما أن معدل البطالة في کل هذه البلدان علی ارتفاع، ومعدل أعمار المواطنین في الهبوط، ولا توجد خیارات بدیلة لدی الدولة المرکزیة. والشيء الوحید الذي کان یمکن أن یحافظ علی الوضع الموجود في هذه البلدان هو الأسعار المرتفعة للنفط. ومع هبوط هذه الأسعار، فإن التوازن یترنح، الأمر الذي سیؤدي إلی عودة مرحلة جدیدة من عدم الاستقرار والفوضی.
منظمة البلدان المصدرة للنفط أوبك تعي جیداً جدیة هذا التهدید، وتتوقع السعودیة أن تسوء الأوضاع في جارتیها أي الیمن والبحرین بشکل أکثر، لأن الأقلیة في هذین البلدین تحکم الأغلبیة فیهما.
إن السعودیة التي واجهت عدم الاستقرار في المناطق الشیعیة في المملکة بعد انتصار الثورة الإسلامیة في إیران عام 1979، استطاعت أن تقمع التحرکات بقوة السلاح. هذه المنطقة نفسها تجاور البحرین ولهذا السبب تبعث المزید من القلق للسلطات السعودیة. لکن علاقة آل سعود بالإسلام الوهابي ستساعد کثیراً علی احتواء الأوضاع في هذا البلد.
لکن البلدان الأخری في منظمة أوبك أو البلدان العربیة غیرالمصدرة للنفط، تواجه أوضاعاً أقل أمناً، والأردن والعمان والمغرب من جملة هذه البلدان، وتعیش لیبیا وتونس ومصر أوضاعاً مشابهة. أما سوریا فقد شهدت في السنوات الأخیرة حرباً أهلیة.
وثمة بلدان في المنطقة مع أنها غیر عربیة لکنها منخرطة في تحولات المنطقة. وإیران والعراق الذان یخوضان حرباً ضد داعش، یواجهان مشاکل اقتصادیة أخری من بینها العقوبات الاقتصادیة المفروضة علی إیران.
ویتأثر مسار اللااستقرار في البلدان العربیة بشدة بعامل هام عنوانه أسعار النفط، وماعدا السعودیة والکویت والإمارات المتحدة العربیة فإن بقیة البلدان تحتاج بشکل حیوي إلی بیع کل برمیل للنفط بمائة دولار. وهبوط الأسعار إلی ستین دولار للبرمیل الواحد من شأنه أن یؤدي بهذه البلدان إلی مرحلة الانفجار.
وإضافة إلی البلدان العربیة، فإن حالة عدم الاستقرار تهدد بلداناً أخری مصدرة للنفط أیضاً مثل نيجيريا. وبالنسبة إلی نیجیریا فإن هذا البلد یخوض حالیاً حرباً ضد المجموعات المتطرفة، ووزیرة نفطها وهي أول امرأة تتولی رئاسة أوبك، ستواجه عملاً صعباً حیال السعودیة التي تنظر إلی أسواق النفط وسقف إنتاج أوبك نظرة مختلفة .
ویبدو أن النسخة الثانیة للتحولات في البلدان العربیة في طریقها إلینا وبشدة أکثر، وستصل ریاحها إلی بلدان أخری مثل نیجیریا وغرب أفریقیا أیضاً.